طباعة هذه الصفحة

رئيس المركز العربي الإفريقي للاستثمار والتطوير :

الجزائر بحاجة لـ 60 مليـون مؤسسة ناشئة لتحقيـق الثروة

حوار: فايزة بلعريبي

 التصدير إلى إفريقيا سيؤسّس لمنطق تجاري جديد هو الحمائية

يرى رئيس المركز العربي الإفريقي للاستثمار والتطوير أمين بوطالبي، أنّ إفريقيا سوق واعدة، يمكن للجزائر أن تستثمر فيها من موقعها والاستفادة من الوضع الدولي والإقليمي وتوظيفه لصالح الاقتصاد الوطني كمشروع إعمار ليبيا وارتفاع أسعار المحروقات ومدخلاتها

-  الشعب: وفقا لمقاربة تنويع الاقتصاد وتشجيع الصادرات خارج المحروقات، لتحقيق عائدات 7 مليار دولار قبل نهاية السنة و15 مليار في 2023، ما الدعائم الواجب الاستناد عليها من أجل بلوغ الهدف؟
 أمين بوطالبي: اليوم وبعد أزمة الفساد التي شهدتها الجزائر سابقا، أطلق رئيس الجمهورية إستراتيجية جديدة بهدف تحقيق توازن اقتصادي، عن طريق تحرير الاقتصاد من التبعية للمحروقات، عبر نهضة قوية، إلا أنّ هذا يحتاج إلى العديد من العوامل الناجعة.إنّ تأسيس جيل جديد يستلم مشعل الاقتصاد الوطني، يعتبر من الأوراق الرابحة التي يمكن الاعتماد عليها، من أجل تأسيس اقتصاد بديل. هذا لا يعني أبدا الاستغناء عن المؤسسات الكبرى الموجودة، تلك التي عايشت الاقتصاد الوطني في كل مراحله وعرفت العديد من العراقيل.
 لقد بدأت بوادر نجاح الإستراتيجية الاقتصادية تتجلى وكان 5 مليار دولار، حجم الصادرات خارج المحروقات، الرقم الذي تم تحقيقه سنة 2021، مؤشر قويّ عن رفع التحدي، ساهمت في إنجاحه العديد من العوامل أهمها التنافسية الكبيرة التي لمسناها من طرف المؤسسات مرفوقة بدعم وترويج كبير وحزمة من الامتيازات والتحفيزات، حيث قدمت للمصدرين تسهيلات جمركية وتنظيمية، تسمح لهم بمضاعفة حجم صادراتهم، خاصة نحو إفريقيا.
علما أنّ مستوى صادرات الجزائر كان محصورا بين 400 و800 مليون دولار كحدّ أقصى، على مدى سنوات طويلة، وهو رقم زهيد مقارنة مع المكانة التي يمكن أن نفتكها كاقتصاد قويّ يتوسط القارة الإفريقية.
-  هل نشطت الدبلوماسية الاقتصادية فرص التصدير وما هي مساهمة المركز العربي الإفريقي للاستثمار، في دعم توجّه الانفتاح على الأسواق العالمية؟
المركز العربي الإفريقي للاستثمار والتطوير يدعم ويساند دوما إستراتيجية الدولة وأيضا يدعم تحريك الدبلوماسية الاقتصادية والانفتاح على كل العالم والتعريف بالمنتج الجزائري، من خلال مشاركتنا في العديد من المعارض الدولية، كما سبق وأن حاضرنا في العديد من المنصات، سواء عن طريق تطبيق الزوم أو مباشرة، للتعريف بأهمية دخول الاستثمارات الأجنبية عبر بوابة الجزائر وفرص الاستثمار بها. حيث لاحظنا، مؤخرا، إنزالا غير مسبوق للمستثمرين الأجانب، للتعرف على فرص الاستثمار بالجزائر.
الدبلوماسية الاقتصادية كانت من الأوراق الرابحة التي استعملتها الحكومة خلال سنتي 2021 و 2022، تجلى ذلك في استحداث مديرية الدبلوماسية الاقتصادية على مستوى وزارة الخارجية، كهمزة وصل بين أصحاب المؤسسات والسفارات الأجنبية في الخارج، لتذليل العراقيل أمام المستثمرين وتشجيعهم على اقتحام الأسواق العالمية.
المركز العربي الإفريقي للاستثمار والتطوير، بالرغم ممّا تعرض له من بيروقراطية وغلق وإبعاد عن المشهد العام الاقتصادي، إلا أنّه بقي منذ تأسيسه سنة 2008 يرافع من أجل الاقتصاد الجزائري. واستطاع أن يدخل إلى الاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية وإلى مجلس الوحدة الاقتصادية العربية واستطاع أن يقنع منظومات بنكية مهمة ويستقطب استثمارات إستراتيجية للجزائر تقدر بمليار دولار. من بينها محطات تحلية مياه البحر، وهي مشاريع ضخمة تصل تكلفتها إلى 500 مليون دولار.
يساهم مركزنا، من خلال ممثلين عنه من مختلف الجنسيات، موزعين عبر العديد من دول العالم - أكثر من 23 دولة - في الترويج للمنتجات الجزائرية وللوجهة الجزائرية كدولة استثمارية.
-  زيارات وفود من بلدان عربية وأوروبية، هل تفسّر على أنّها عودة قويّة للاستثمارات الأجنبية، وما السبيل لتعزيزها؟
 كانت زيارة الرئيس الإيطالي إلى الجزائر، الأولى من نوعها، وهنا نفتح قوسا للإشادة بالعلاقة القويّة التي تربط الجزائر بإيطاليا، هذه الدولة التي تعتبر محركا قويّا للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بتموقعها كرابع مستثمر بالجزائر بـ 380 مؤسسة وتبادل تجاري يفوق 8 مليار دولار.
تركز الجزائر في سياستها الاستثمارية على أربع دول تعتبر محركا أساسيا للاقتصاديات الدولية وهي: تركيا، ايطاليا، ألمانيا والصين، حيث أصبح أول استثمار أجنبي بالجزائر بنسبة تقارب 10 مليار دولار، يليه الاستثمار التركي في المرتبة الثالثة بنسبة تقدر بـ 6 مليار دولار، للإشارة، فإنّ تركيا تبحث عن متنفس قويّ لولوج السوق الإفريقية من بوابة الجزائر.
-  كيف يتم تحويل الاهتمام بالسوق إلى استثمار حقيقي مدرّ للثروة، خاصة وأنّ رجال أعمال عرب وأجانب أبدوا الاهتمام بالفلاحة والصناعة، من خلال مزارع كبرى ومصانع إنتاج الحليب؟
 الجواب ينقسم إلى شقين، الأول متعلق بالبيروقراطية وكيفية إزاحتها من رفوف الإدارة، بدءا بالتأشيرة التي لا يمكن أن يحصل عليها المستثمر الأجنبي على الأقل من أجل التعرف على السوق الجزائرية، حيث سجلنا منذ  2019 إلى اليوم، عددا ضئيلا  -لا يتجاوز 1000- من الأجانب الذين تمكنوا من الحصول على تأشيرة الدخول إلى الجزائر، ما يؤثر على التعريف بفرص الاستثمار المتاحة، حيث تبقى المؤتمرات التي تعمل على التعريف بالقدرات الفلاحية، السياحية والمنجمية لبلادنا غير كافية للانتقال إلى خطوة ميدانية تطبيقية.
الشق الثاني متعلق بقانون الاستثمار الذي لم يصدر بعد، حيث سيحدّد هذا الأخير الأولويات، وكذا الحقوق والواجبات والإطار القانوني الذي سينشط وفقه المستثمر الأجنبي، حيث يجب أن يتم ذلك وفق ضوابط  واضحة، ورفقة حزمة من الامتيازات والضمانات. لقد بلغت التنافسية بين الدول الإفريقية على الظفر بالشريك الأجنبي، مستوى شرسا يحتم اليوم تقديم أفضل العروض.
-  في ضوء المؤشرات الراهنة، ما هي فرص تصدير المنتوج الجزائري إلى الأسواق الإفريقية؟
 تمتلك الجزائر موارد وفرص كبيرة جدا في مجالات عديدة أهمها السياحة كمحرك فعال للاقتصاد لارتباطه بمجالات أخرى كالنقل والتجارة والصناعات التقليدية المدرة للثورة، ومساهمته في إنعاشها، ويمكن الاستفادة  في هذا المجال من العلاقات القويّة مع الصين وروسيا المهتمين بالسياحة.
كما تتوفر الجزائر على مليون و300 ألف مؤسسة وهو رقم ضئيل جدّا بالمقارنة مع المعايير العالمية، ولذلك لابد من بلوغ 50 أو 60 مليون مؤسسة، وهو تحدّ ممكن إذا ما اعتمد على المؤهلات القوية التي يمتلكها الشباب وشغفه باكتشاف عالم الأعمال، لذا يتوجّب الاستثمار في تركيبة المجتمع الجزائري وترويض الاقتصاد لصالح الشباب ولدفع به إلى عالم الاقتصاد والتجارة داخل الأسواق الإفريقية.
ارتباط الجزائر بدول افريقية، كإفريقيا الوسطى، الكونغو الديمقراطية، التشاد، النيجر، مالي وبوركينا فاسو، التي تنتظر المنتجات الأوربية عبر بوابة الجزائر، فرصة لابد من اقتناصها، شأن الفيتنام التي استطاعت أن تتجاوز الأزمات لتصبح دولة صناعية بامتياز، مستقطبة لكبرى الاستثمارات، وتمكنها من تصدير 380 مليار دولار سنة 2021.
-  من أجل إنجاح أيّ مشروع أو استثمار لابدّ من رؤوس أموال، هل هناك آليات لمساعدة توطين الاستثمارات، بدل الاعتماد على الخزينة العمومية؟
لا يمكن أن يتحقق اقتصاد بدون رؤوس أموال، واليوم، أغلب الدول في العالم أولها أمريكا كأكبر اقتصاد مدان في العالم، تليها الصين، فالديون الناجمة عن الاستثمار ليست عيبا إنّما العيب في عدم الاستثمار وعدم البحث عن رؤوس أموال.
الجزائر تنتظرها فترة انتعاش اقتصادي واعدة، لامتلاكها نقاط قوة تتمثل في وضعها الأمني المستقر وعلاقاتها القوية مع دول الخليج، حيث تعتبر هذه الأخيرة محط أنظار كبريات الاقتصادات العالمية كأمريكا والصين. لذا على الجزائر الالتحاق بالسباق و استثمار نقاط قوتها ومعطيات الساحة الدولية من أجل بناء اقتصاد وطني، قويّ ونوعي يرتقي إلى العالمية.
- تعرف أسعار عدة منتجات ومواد أولية ارتفاعا فاحشا في الأسواق الدولية، هل يؤثر هذا على فرص تصدير المنتوج المحلي؟
ينتظر العالم تضخم وكساد كبيرين، ستتسبب فيهما تبعات جائحة كورونا التي استمرت لسنتين طوال والأزمة الروسية الأوكرانية، هناك بوادر اقتصادية تنبئ بحالة كساد سيعرفه العالم، خاصة إذا ما تعرض لموجات مقبلة من فيروس كورونا. حيث نسجل، اليوم، نقصا كبيرا في المواد الأولية، خاصة تلك التي تدخل في صنع الزيت والسكر. وارتفاعا في أسعار الحديد التي بلغت أعلى مستوياتها، حيث قفزت أسعاره  بـ 4 أضعاف من 7000 دج /قنطار إلى 26.000 دج للقنطار. يرجع ذلك إلى شبه انعدام للفحم الحجري، الذي تصدره كل من استراليا واندونيسيا وروسيا كأول مصدر لهذه المادة، باعتباره المحرك الأساسي لمصانع الحديد واليوريا.
كما سيسجل نقصا فادحا في المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك على المستوى العالمي، خاصة مواد القمح، الشعير، الذرة، السكر، نهاية 2022 وبداية 2023. ما سيدفع بدول العالم إلى التسابق، في الأشهر المقبلة، نحو تحقيق أمنها الغذائي الذي سيصبح في مقدمة الأولويات قبل التصنيع.
وبالنسبة للجزائر وعلى غرار دول العالم، تقرر دعم الفلاحين من خلال رفع أسعار شراء القمح من أجل تشجيهم على إنتاج هذه المادة، بالإضافة إلى تشديدها على الاستثمار الواسع في المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك.
كما أنّ سوق المحروقات هي الأخرى لم تسلم من تداعيات الأزمتين، كورونا وتوتر الوضع بين روسيا وأوكرانيا، إذ عرف تذبذبا ارتفع على إثره سعر البترول إلى  112 دولار/البرميل ، لينزل بعدها إلى 98  دولار/ البرميل ويعود الصعود بعدها إلى 115  دولار/برميل. كما يتوقع خبراء الطاقة أن يصل إلى أسعار قياسية قد تصل إلى 180 دولار/ برميل منتصف سنة 2022.
كل هذه المعطيات، تحمل في طياتها رسالة واضحة وهي أنّ الاقتصاد العالمي يتجه نحو تغيير قيادته، بدأت القيادة تعود إلى الصين التي تتربع على عرش الاقتصاد العالمي، وذلك منذ بداية 2017، حيث تفكر حاليا في تغيير العملة المتداولة من الدولار إلى عملة رقمية، حيث ستتعامل الصين، في غضون السنوات الثلاث المقبلة بالعملة الرقمية المشفرة « الوان الرقمي».
إنّ الأحداث تتسارع والعالم مقبل على تغييرات محورية في السنوات المقبلة والغلبة ستكون لمن يملك المواد الأولية، ما سيرجّح الكفة لصالح إفريقيا التي ستكون المحرك القويّ للعالم، لاستحواذها على نسب كبيرة من المياه الجوفية والأراضي الصالحة للزراعة وامتلاكها لثروة هائلة من المواد الأولية مثل الحديد، اليورانيوم، الزنك والنحاس.
-  هل يشجّع الانضمام إلى منطقة التبادل الحر، على توسيع الصادرات المحلية نحو الأسواق الدولية؟
 اتفاقية منطقة التبادل الحر ستؤسس لأكبر سوق من حيث الاستهلاك وسترافقها اتفاقيات ثنائية لحماية المنتوج المحلي من طرف كل البلدان الإفريقية، كتلك التي اعتمدتها الجزائر، «دابس» لحماية المنتجات المحلية الصنع ومنع استيراد نفس المنتج. وهي أساليب حمائية لاقتصاديات محلية تحمي الدول من خلالها منتوجاتها المحلية.
مؤشرات ومعايير التفوق والتنافسية أصبحت تتمثل في الثروة الطبيعية من الموارد الأولية والمورد البشرية، العاملان المتحكمان في ترتيب الدول من حيث التفوق الاقتصادي والريادة الدولية.
إذ أصبح العالم اليوم، يبحث عن «النخبة المهاجرة» أو المادة الرمادية، وتعد الجزائر للأسف، ثاني دولة عربية وثالث دولة افريقية من حيث تواجد هذه النخبة في الخارج.
الجزائر تمتلك إمكانيات لوضع منتجها في مصاف المنتجات العالمية وحمايته من خلال تشفيره على مستوى الجمركة، للتأكد من هوية المنتج كما نرتقب فتح الحدود بين الدول الإفريقية في السنتين المقبلتين، حيث رافقت اتفاقية منطقة التبادل الحر، اتفاقية تخصّ تنقل الأشخاص ومن المنتظر إصدار جواز سفر موحّد وعملة افريقية موحّدة بعد دخول «الوان» الرقمي الصيني حيّز التطبيق.
كما ينتظر أن تبلغ التنافسية، مستوى شرسا في إفريقيا التي تعرف حاليا ظهور صراعات بين البلدان كتلك التي بين مصر وإثيوبيا من أجل المياه، وبين المشتركين في حوض فيكتوريا وباقي الأحواض المائية مثل حوض التشاد.