طباعة هذه الصفحة

الأستاذ بكلية علوم الإعلام والاتصال الدكتور زغلامي لـ «الشعب»:

القمـة العربيـة القادمـة.. لـن تكـون مجـرد رقم

حوار: فتيحة كلواز

 توحيـد الصفـوف العربيـة.. دور تاريخـي للجزائـر بالأمـس واليـــوم وغـدا

العقيـدة الجزائريــة ترفـض دبلوماسيـة المقايضة والربـح السريـع الآنـي

انضمـام الجزائـر إلـى «البريكـس» سيزيـدها قـوة


أكد الأستاذ بكلية علوم الإعلام والاتصال الدكتور العيد زغلامي، في حوار مع «الشعب»، الدور الدبلوماسي البارز للجزائر منذ الثورة التحريرية، مفيدا في السياق «لا يخفى على أحد الدفاع المستميت والقوي لمبادئ الدبلوماسية الجزائرية عن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول بالاحتكام الى المنطق وقرارات الأمم المتحدة».

-  «الشعب»: تدافع الجزائر بقوة عن مبادئ مقدسة متنقلة بين الحوار الداخلي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والاحتكام إلى القرارات الأممية، إلى أي مدى ساهم ذلك في توافق موقفها مع دول حليفة وصديقة؟
 الدكتور العيد زغلامي: لا يخفى على أحد الدفاع المستميت والقوي لمبادئ الدبلوماسية الجزائرية عن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول بالاحتكام إلى المنطق وقرارات الأمم المتحدة، وهو ما نراه داخليا وخارجيا. أتذكر في هذا السياق، ما كتبه المرحوم لخضر بن طوبال في كتابه يقول فيه، إن الجزائر حتى أثناء الثورة التحريرية ساهمت جبهة التحرير بقسط من الدبلوماسية في حل بعض النزاعات التي كانت بين الصين ومعارضيها، شأنها شأن روسيا الاتحاد السوفياتي آنذاك.
تحتكم الدبلوماسية الجزائرية دائما الى المنطق والعقل والى الموضوعية بعدم الانحياز الى جهة على حساب أخرى، ما يسمح لها أن تكون مصدر ثقة للكثير من الدول، وقد رأيناها في مواقف وأزمات متعددة تؤدي دورا مهما لحلحلتها.
الشيء الذي لا يعرفه الكثيرون، أن الجزائر لا تعتمد على دبلوماسية المقايضة والربح السريع الآني، بقدر عملها على الأمدين المتوسط والطويل، وهذا ما لاحظناه في أكثر من مناسبة؛ فقرارات الجزائر وسياستها كانت تحتكم دائما الى قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية.
قضية الصحراء الغربية، بالنسبة للجزائر، موجودة في أروقة الأمم المتحدة وعلى هذه الأخيرة العمل على حلها طبقا للقانون الدولي، ورفض المخزن مؤخرا إرسال مبعوث الأمم المتحدة ستيفاني دي مستورا لزيارة المناطق الصحراوية، يدل على رفضه الحلول السلمية والقانونية وفق الشرعية الدولية، بل نجده يستقوى بكيانات أجنبية بما فيها الكيان الصهيوني وفرنسا وإسبانيا وبدرجة أقل تواطؤ جهات من بلدان أخرى.
 لكن أنا متيقن ان العقل والمنطق في الأخير سيحتكم الى قوة القانون، ولعل في زيارة المحافظ السامي للاتحاد الإفريقي الى المناطق الصحراوية، إجابة واضحة وجلية على رفض المخزن لزيارة دي مستورا، ودلالة واضحة على ان الاتحاد الإفريقي ماضٍ في حل إفريقي لقضية إفريقية بامتياز.
-  تكتسي القمة العربية التي تعتزم الجزائر احتضانها نوفمبر المقبل، أهمية بالغة وشاملة، إلى أي مدى يمكن القول إنها ناجحة في مساعيها؟
 حقيقة، تحضر الجزائر لعقد القمة العربية في نوفمبر القادم، الشهر الرمز بالنسبة للجزائريين؛ فالجزائر كانت تدعو دائما الى توحيد الأمة العربية، لأن العالم العربي في أمسّ الحاجة الى توحيد صفوفه بتفادي كل المشاكل الهامشية، وموقف الجزائر لن يكون بأي حال من الأحوال عنصرا مشتتا أو مفككا للأسرة العربية، بقدر ما سيؤدي دورا محوريا وأساسيا للحد من الاختلافات وتوفيق بين الرؤى العربية.
بل حان الوقت أن يكون للجامعة العربية دور فعال في التأثير في حل الأزمات الدولية، مثلما فعلت مؤخرا في الأزمة - الأوكرانية.
أظن أنه من الأهمية القصوى اليوم تفادي القضايا الهامشية والثانوية بين الدول العربية، فما يهمنا هو توحيد صفوف الأمة العربية ونحن في أمس الحاجة لذلك، لأن أي تشتيت وأي تفرقة حتما ستضعف الأمة العربية وكيانها ومستقبلها.
 في كل الحالات، تبذل الجزائر قصارى جهدها لإنجاح القمة القادمة حتى لا تكون مجرد رقم يضاف إلى الأعداد السابقة بل تكون متفردة ومتميزة، جامعة وشاملة، حيث تدخل الزيارات الأخيرة لوزير الخارجية رمطان لعمامرة إلى كل من العراق، سوريا والأردن، بالإضافة الى زيارات سبقتها إلى دول عربية أخرى، تأكيدا على حضور هذه الدول للمشاركة في القمة العربية القادمة، حتى يكون الحضور فيها متميزا على أعلى مستوى ورؤساء دول.
أما فيما يتعلق بسوريا، نحن نعرف جيدا موقف الجزائر تجاه المشاركة السورية في القمة، حيث تعتبر سوريا دولة مؤسِّسة ساهمت في إنشاء الجامعة العربية، فمن غير المنطقي أن يتم إقصاء دولة مثلها من المشاركة في القمة العربية، والمهم لمّ الشمل العربي.

لمّ الشمل مبادرة داخلية بأبعاد خارجية

-  بعد أكثر من شهرين عن إعلان مبادرة لم الشمل، ما مدى أهمية هذه الخطوة، لا سيما وأنها تأتي بعد استكمال التزامات رئيس الجمهورية 54؟
 فيما يخص مبادرة لمّ الشمل، نجدها تستمد أهميتها مما يحيط بالجزائر من تحديات وإرهاصات إقليمية ودولية. فكما أوضح رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، هي مبادرة هدفها الأول تحصين الجبهة الداخلية لمواجهة المتغيرات الدولية.
 وبالعودة إلى الوراء، نجد أنه حتى في المأساة الوطنية التي استمرت على مدار عشر سنوات كاملة، تطلبت مثل هذه الخطوة للخروج من النفق المظلم، لذلك يمكن القول إن مبادرة لم الشمل تسير في الاتجاه الصحيح، ويمكنها حقيقة رفع كل السلبيات الموجودة ليستعيد المواطن من جديد ثقته في بلده، دولته، عدالته ووطنه.
لذلك، هي خطوة ستساعد حتما على تهدئة الأجواء، وسيتم تحضير قانون للمصادقة عليه من طرف البرلمان بطريقة قانونية... في جميع الحالات أظن أن مبادرة لمّ الشمل بمثابة عملية حضارية، أباركها شخصيا وحتما سيتم فيها جمع شمل كل الجزائريين حتى لا يبقى أي أحد خارج المشهد السياسي والاجتماعي والمجتمع بصفة عامة.

بعيـــدا عـــن القطبيـــة

-  أكد رئيس الجمهورية في لقائه الأخير مع الصحافة الوطنية توفر الجزائر على شروط الانضمام إلى مجموعة «البريكس»، كيف ترى هذه الخطوة؟
فيما يتعلق بـ «البريكس» يجب أن نعلم أنها مجموعة ذات طابع استشاري، هي تتكون من البرازيل، روسيا، الصين، الهند وجنوب افريقيا، هذه الدول الخمس تشكل قوة موازية على شاكلة مجموعة السبع أو الثماني الغربية او مجموعة العشرين، الهدف منها إيجاد بدائل وأقطاب بعيدا عن هيمنة الأقطاب المعروفة.
انضمام الجزائر إلى «البريكس» سيزيدها قوة وأنا أقول دائما إن الموقع الجيو-استراتيجي للجزائر يؤهلها لأن تكون قوة إقليمية، فقد حان الوقت لأن تثق الجزائر شعبا وحكومة في قدراتها ومؤهلاتها، مع التفكير الجدي في امتلاكنا القدرات اللازمة لأن نكون قوة مؤثرة في منطقة المغرب العربي، وحوض البحر المتوسط والمنطقة الإفريقية والإقليمية، خاصة وأنها تتوفر على شروط الانضمام إليها بالأخص في مجال الطاقة، حيث تتمتع الجزائر بإمكانات هائلة كالغاز الطبيعي، واحتياطيات هامة من مختلف المعادي كالحديد، الذي انطلقت في استغلال غار جبيلات الذي يرقد على احتياطي يقدر بأكثر من 3,5 ملايير طن، دون إغفال الأتربة النادرة التي تزخر بها الجزائر التي تستخدم في صناعات دقيقة، لذلك الانضمام الى هذا التكتل الاقتصادي يعد طفرة اقتصادية بامتياز.
تعززت في الآونة الأخيرة علاقة الجزائر مع كل من تركيا وإيطاليا، حيث وصفها رئيس الجمهورية بالتاريخية والاستراتيجية، كيف ترى تطورها المتسارع وما مدى إيجابيتها على الجزائر وتحولها الاقتصادي الذي تعرفه؟
زيارة رئيس الجمهورية إلى تركيا ساهمت في تعزيز وتوطيد العلاقة معها بحكم التاريخ المشترك بين الدولتين، فتركيا من بين الدول الأولى من حيث الاستثمارات في الجزائر. أما إيطاليا لا يمكن تجاهل دورها في حرب التحرير وخلال كل الفترات التي مرت بها الجزائر في مرحلة البناء والتشييد في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ثم المأساة الوطنية، حيث بادرت إيطاليا الى فتح رصيد لتقديم إعانة للجزائر بقيمة (2) ملياري دولار، إيطاليا كانت وما زالت دولة لها مواقف مشرفة مع الجزائر لا يمكن تجاهلها.
 لذلك تربط الجزائر وإيطاليا روابط متميزة، حيث تحولت الأخيرة الى الممول الرئيسي للغاز لأوروبا بعد ما عرفته علاقة الجزائر وإسبانيا من توترات، بعد انقلاب الموقف الإسباني على الشرعية الدولية وتنصل وزيرها الأول من المسؤولية التاريخية لإسبانيا في حل قضية آخر مستعمرة في افريقيا، بخداع الشعب الصحراوي.
وتعزيز العلاقة مع إيطاليا بمثابة دليل على امتلاك الجزائر منافذ وفرص أخرى مع فتحها في الوقت نفسه آفاقا اقتصادية، طاقوية، سياسية واجتماعية، نلتمس ونرتقب مما قاله رئيس الجمهورية في لقائه الأخير مع الصحافة شراكة على أكثر من صعيد خاصة مع إيطاليا، حيث وقعت 16 اتفاقية كان من بينها إمضاء عقد بـ4 ملايير دولار بين سوناطراك وشركة إيني الايطالية، ونرتقب حضورا نوعيا ومكثفا للاستثمار الإيطالي في الجزائر، خاصة في المجال الميكانيكي وتركيب السيارات وصناعة البواخر وغيرها.

العـــودة إلــى إفريقيا  

- الجزائر تعلن عودتها بعد عزلة طويلة إلى إفريقيا على اعتبار أنها دولة محورية فيها، كيف سيكون تواجدها في إفريقيا؟
في سبعينيات القرن الماضي والى غاية الثمانينيات منه، كانت الجزائر حاضرة بقوة وكانت وراء التعاون العربي الإفريقي آنذاك.
عودة الجزائر الى إفريقيا وعلاقتها مع دولها المحورية على شكل مجموعة الأربعة «G4» الجزائر، إثيوبيا، نيجيريا وجنوب إفريقيا، التكتل الذي يتشكل من دول لديها حضور اقتصادي وسياسي كبير في إفريقيا وبإمكانها تحقيق إقلاع حقيقي لأفريقيا من خلال تلك الدول، وحتما الجزائر لها وزنها ومكانتها في القارة.
لكن الأمر يتطلب نصيبا من الحضور المكثف والوجود الحقيقي، لأن الوجود السياسي والدبلوماسي يستدعي ترجمته الى وجود اقتصادي وبشري ومالي في إفريقيا. وبالفعل بدأنا نلاحظ عدة مؤسسات جزائرية ورجال أعمال يتوجهون الى العمق الإفريقي للجزائر، بالإضافة الى فتح خط بحري بين الجزائر ودكار عاصمة السينغال، ما اعتبره تحوّلا إيجابيا في اختراق السوق الإفريقية من خلال هذا الحضور بفتح بوابات على إفريقيا ومن خلال مناطق للتبادل التجاري الحر مع تونس، ليبيا وموريتانيا، ودول الساحل، بالإضافة خطوة حقيقية مرتبطة بتوقيع الجزائر اتفاقية للانضمام الى السوق الإفريقية من خلال منطقة التبادل الحر الإفريقية والتي رأت النور في 2021.
على الجزائريين أن يثقوا في بلدهم، الجزائر لها من القدرات والمؤهلات ما يجعلها قوة إفريقية وإقليمية ودولية، عليها فقط إعادة تفعيل قوتها بما فيها مؤهلات قوتها الناعمة، فزيارة الوزير المنتدب لدى الكاميرون المكلف بالدفاع مؤخرا الى الجزائر، تدل على عودة الجزائر إلى ربط علاقاتها مع دول كانت تنتمي الى فضاءات وإطارات أخرى، ما يدل على ان الجزائر الجديدة سيكون لها حضور نوعي ومتميز ومحوري في افريقيا.