طباعة هذه الصفحة

خبراء يكشفون لـ «الشعب» أهداف ونتائج النّظام الجديد

«الدّيوان».. المشـتري الحصـري لحبــوب الفلاّحين

فتيحة كلواز

 إجـراء هيكلـي لتقليص فاتـورة الاستيراد وتلبيـة الطّـــلب المحلـي

 نــدوة وطنيــة للإنعـاش الفلاحي لتحقيـق قفزة فـــــي قطـــاع استراتيجي

 التّحكّـم في السّلسلة يسمح بمرافقة فعلية للدّولة وشراكة حقيقيّة للفلاّح

  تخزين 6 ملايــين طـن مـن الحبـوب...الهـدف المنشـود

 الصّناعــات التّحويلية والغذائيـة المكمّـل الاستراتيجي للقطاع الفلاحي
 

 تضمّن قانون المالية التكميلي لـ 2022 (نشر في العدد 53 من الجريدة الرسمية)، إجراءً جديدا يفرض على منتجي الحبوب الذين استفادوا من دعم الدولة، بيع كامل محاصيلهم للديوان الوطني المهني للحبوب، حيث جاء فيه: «يتعيّن على كل فلاح يمارس زراعة الحبوب مستفيد من دعم الدولة، سواء في بداية عملية الإنتاج أو في نهايتها، ومهما كان شكلها أو طبيعتها، إجباريا بيع إنتاجه من القمح بنوعيه والشعير إلى الديوان الوطني المهني للحبوب».
 إجراء وصفته وزارة الفلاحة في بيان لها بـ «الهام والهيكلي»، بالنظر إلى «الوضع الجيو-سياسي السائد في العالم، والذي يقتضي حتمية ضمان وفرة المواد الأولية (الحبوب والشعير) في السوق الوطنية»، فـ «إجبارية تسليم محاصيل القمح والشعير من طرف المنتجين لتعاونيات الحبوب والبقول الجافة التابعة للديوان الجزائري المهني للحبوب»، مرتبط بـ «أهمية هذه التعاونيات»، على اعتبار أنّها «إحدى الآليات الضرورية لتطوير شعبة الحبوب والبقوليات، وذلك في إطار التجسيد الميداني لسياسة الدولة التي ترمي إلى تعزيز الأمن الغذائي، وتقليص التبعية للواردات».
في سياق متصل، أعلن الديوان الوطني للمهني للحبوب، بحر الأسبوع الماضي، استمرار استقبال محاصيل حملة الحصاد والدرس إلى غاية 30 سبتمبر، حيث ستبقى مراكز التجميع مفتوحة لتمكين الفلاحين من تسليم محاصيلهم «في أريحية وظروف حسنة».  
كما تضمّن قانون المالية التكميلي لـ 2022 أيضا التحفيزات التي أقرّتها الدولة لصالح الاستثمار الفلاحي، حيث أدرج تعديلا «يتعلّق بالإعفاء من الضريبة على الدخل الاجمالي بالنسبة للمداخيل الناتجة عن الأنشطة الفلاحية وتربية المواشي»، حيث رفعت أسعار شراء الحبوب الى 6 آلاف دينار للقنطار الواحد من القمح الصلب و5 آلاف دينار للقنطار الواحد من القمح اللين، بينما حدّدت سعر شراء القنطار الواحد من الشعير بـ 3500 دينار.
رفع أسعار الشراء برصد 30 مليار دينار لهذه العملية، إجراء محفّز للفلاحين من أجل التوجه إلى شعبة الحبوب بغية دفع وتيرة الإنتاج، ما يساهم في تغطية الطلب المحلي وتقليص فاتورة استيرادها، حيث تتطلع الجزائر الى تقليصها بـ 26 بالمائة في السنة الجارية، من خلال كل هذه التحفيزات للقطاع الفلاحي خاصة شعبة الحبوب.

خرشي: إحصاء دقيق وقرار صائب وسليم

فيما يتعلّق بالإجراء الأخير الذي تضمّنه قانون المالية التكميلي لسنة 2023، قال الخبير الاقتصادي إسحاق خرشي في اتصال مع «الشعب»، إنّ إلزام الفلاحين ببيع منتوجهم من الحبوب إلى الديوان الوطني المهني للحبوب مرتبط بالدعم الذي تقدّمه لهم الدولة سواء البذور أو الأسمدة أو الكهرباء، بل أكثر من ذلك رفعت الدولة سعر شراء الحبوب بعد القرار الأخير لرئيس الجمهورية، الذي يعتبر بمثابة رفع أجور الفلاحين بطريقة غير مباشرة.
وعن أهمية الإجراء، أوضح خرشي أنّه يسمح بتحديد حجم الإنتاج الموجود من هذه الشعبة، وبالتالي تحديد احتياجات التخزين لتحضير صوامع تخزين الحبوب، إلى جانب أنّه خطوة مهمة جدا في طريق تحقيق الأمن الغذائي، فكمية الإنتاج والأرقام التي تملكها الدولة عن الإنتاج المحلي ستكون أساس ما تتخذه الدولة من قرارات متعلقة باستيراد.
في الوقت نفسه، كشف المختص أنّ عملية استيراد الحبوب أصبحت أكثر تعقيدا سواء من ناحية السعر المرتفع أو ندرة هذه المادة في الأسواق الدولية بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، حيث وصلت أسعارها المستويات مقلقة.
لذلك كلّما قام وأسرع الفلاحون إلى إيداع منتجاتهم أو محاصيلهم من الحبوب على مستوى الديوان الوطني المهني للحبوب، كلّما امتلكت الدولة إحصائيات وأرقاما دقيقة حول الإنتاج المحلي، ما يعني سرعة اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب إمّا بالاستيراد أو الاكتفاء بالإنتاج المحلي.
من جهة أخرى، أبرز المتحدّث أنّ أهمية الإجراء مرتبطة أيضا بمنح الدولة الأرقام الحقيقية، ما يسمح بتغطية جزء كبير من الطلب المحلي نهاية السنة، وبالتالي عدم التوجه الى الاستيراد، ما سينعكس إيجابا على توفير العملة الصعبة والمحافظة على احتياطي الصرف، بالإضافة الى تسجيل ميزان تجاري أكثر إيجابية، مؤكّدا أنّه أحد المؤشّرات التي يحتاجها الاقتصاد الجزائري.
فيما ربط الخبير الإجراء بالأمن الغذائي، حيث شرح أنّ المقاربة التي تعتمدها الدولة بالنسبة لقطاع الفلاحة هي الضرائب، فهي تمنح الفلاحين إعفاءات ضريبية خاصة بالعتاد المستورد من الخارج الموجه للاستثمار الفلاحي، وتدعيم بعض الشعب بالبذور والأسمدة والتوصيل بشبكة الكهرباء، مقترحا في الوقت نفسه ألا يكون الإنعاش الفلاحي فقط بإعادة تجربة الإنعاش الصناعي، فلا بد من عقد ندوة وطنية للإنعاش الفلاحي تماما كما فعلنا مع نظيرتها في القطاع الصناعي.
بمعنى أن يكون عقد هذه النّدوة بأمر من رئيس الجمهورية، بحيث يعمل وزير الفلاحة بالتنسيق مع وسيط الجمهورية على رفع العراقيل عن المشاريع الفلاحية، من خلال إحصاء العقارات الفلاحية واسترجاع العقارات الفلاحية غير المستغلة التي منحت من خلال عقود الامتياز لإنشاء مشاريع فلاحية زراعية في فترات سابقة، لكنها لم تستغل إلى حد الآن.
الهدف الأول من ورائها، إحصاء دقيق للأراضي الصالحة للزراعة وحجم استغلالها، فالجزائر تمتلك 40 مليون هكتار أراضي صالحة للزراعة لا نستغل منها سوى 8 مليون هكتار، لذلك تقوم الدولة بالبحث من أجل معرفة السبب حتى تستطيع رفع هذه النسبة، من خلال خطة إستراتيجية تمكّنها من معرفة عدد الفلاحين الرسمي وعددهم في القطاع غير الرسمي، إلى جانب تحديد الطريقة الأمثل لإعادة إدماج الناشطين في القطاع غير الرسمي في الرسمي، وكذا معرفة عدد الأراضي الصالحة للزراعة التي لا تدخل في الإحصائيات الرسمية للدولة.
وأرجع المتحدث ضرورة عقد ندوة وطنية إلى عدة نقاط، منها أنها ستتضمّن ورشات مخصصة لكيفية إنعاش القطاع الفلاحي بالحديث عن المدخلات، فالاستيراد ما زال مغلقا ويتعين إيجاد طريقة لاستيراد العتاد الفلاحي كالجرارات ووسائل النقل المستخدمة في هذا القطاع، بالإضافة الى ورشات حول حملة الحصاد والدرس من اجل تعليم الفلاح كيفية الغرس والسقي، حتى يكون بمقدورنا رفع إنتاجية الهكتار الواحد من 30 و40 إلى 50 و60 قنطارا، الى جانب تحديد النظام أو الطريقة التي يتم بها استغلال بنك البذور المستحدث بحر الأسبوع الفارط من أجل إنعاش القطاع، وورشات حول إيداع الفلاحين لمنتجاتهم في الديوان الوطني المهني للحبوب.

سليماني: خطوة عملاقة

 في حديثه إلى «الشعب»، ثمّن الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني استحداث بنك البذور، واعتبرها خطوة عملاقة نحو الاستقلالية الوطنية في البذور المهمة جدا في سلسلة القيم في القطاع الفلاحي، داعيا في الوقت نفسه الدولة إلى التحكم أكثر في هذه السلسلة ابتداء من البذور والأسمدة، حيث شهدنا تدشين منجم الفوسفات المادة الأساسية لصناعة الأسمدة الفوسفاتية، التي ستضاف إلى الأسمدة الآزوتية الموجودة والمصنوعة من النفط الخام، لتتبقى خطوة أخيرة هي تحكّم الدولة في العقار الفلاحي لتصبح الدولة مستثمرا فعليا وشريكا للفلاح الجزائري يعملان معا من أجل الوصول الى اكتفاء ذاتي، ما يعني السيادة الغذائية والاقتصادية لأن قطاع الفلاح قطاع استراتيجي في الاقتصاد الوطني.
أما عن إلزام الفلاحين المستفيدين من دعم الدولة ببيع محاصيلهم من القمح والشعير إلى الديوان الوطني المهني للحبوب، فاعتبره خطوة ممتازة لأنّ الدولة ترافق كل الفلاحين المستثمرين من خلال تمويلهم بعتاد الري والأسمدة والبذور، بالإضافة إلى المرافقة التقنية مع المهندسين والتقنيين الزراعيين.
في نفس الوقت، كشف المتحدث وجود نقص في سلسلة القيم في مجال التخزين بالرغم من وجود صوامع لتخزين الحبوب، خاصة وأنّ الدولة سطّرت هدف تخزين 6 ملايين طن من الحبوب، دون أن ننسى الحبوب الجافة من عدس وفاصولياء وحمص، حيث تسعى الجزائر إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذه المواد الاستراتيجية، بذلك ستحقق الجزائر الاكتفاء الذاتي، ما سيسمح بالتّوجّه إلى الصّناعات التحويلية والغذائية.
وقال الخبير إنّ الصّناعات التحويلية والغذائية هي بمثابة المكمّل الاستراتيجي والمنطقي للقطاع الفلاحي، فالحبوب أو البطاطا أو الطماطم إذا حقّق الفلاح فيها منتوجا وفيرا، كان لا بد من تحويلها الى مصبرات وصناعات غذائية لتفادي فسادها أو رميها، وهي قيمة مضافة تتجلى في تشغيل المصانع التحويلية، ما ينعكس إيجابا على الديناميكية الاقتصادية من خلال خلق مناصب شغل جديدة وخلق الثروة، وإضفاء نوع من التنمية المستدامة والشاملة في مختلف مناطق الوطن.
بالرغم من التّحدّيات الكبيرة التي تواجهها، تمضي الجزائر بثبات نحو كسب رهاناتها، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في شعبة الحبوب، من خلال تقليص فاتورة استيرادها ورفع الميزان التجاري الخاص بهذه الشعبة، حيث تعزّزت هذه الخطوات بإجراء جديد يلزم الفلاحين المستفيدين من دعم الدولة بيع إنتاجهم من الحبوب الى الديوان الوطني المهني للحبوب، ما سيسمح لها حسب المختصين بالإحصاء الدقيق للإنتاج المحلي للحبوب التي ستشكّل قاعدة بيانات ستتخذ على أساسها قرار استيراد الحبوب من عدمه.
معطيات ستعطي الدولة مؤشرات صحيحة عن الإنعاش الفلاحي، الذي يأتي بعد تجربة الإنعاش الصناعي اللذين يعتبران جناحي الإقلاع الاقتصادي، فيما اقترح الخبراء عقد ندوة وطنية للإنعاش الفلاحي، تحدّد ورشاتها الطريقة الأمثل لتحقيق النّجاعة الاقتصادية لهذا القطاع.