طباعة هذه الصفحة

الشّاعــر توفيق ومان:

القصيـدة الشّعبية أرّخـت لتاريخ النّضـال

حوار: حبيبة غريب

توفيق ومان شاعر وكاتب غني عن التعريف، ورئيس الجمعية الجزائرية للأدب الشعبي، يرافع من خلال هذا الحوار عن حقوق ومكانة الشاعر الجزائري في يومه الوطني، ويحدّثنا أيضا عن مكانة شعراء الملحون وأسباب تقهقر إصدار الدواوين الشعرية، وغيرها من المواضيع الأخرى. 

 الشعب ويكاند: كيف ترون كشاعر أولا وكرئيس الجمعية الجزائرية للأدب الشعبي ثانية واقع الشعر الشعبي والشاعر في الجزائر اليوم؟
 الشاعر توفيق ومان: يعد اليوم الوطني للشعر يوما للاعتراف بالشعر والشعراء في الجزائر، وما قدّمه لتاريخ الجزائر وأدبها منذ القدم، حيث أن الشعر وخاصة الشعر الملحون أو ما يسمى بالشعر الشعبي رافق كل المقاومات الشعبية وثورة التحرير المجيدة، وأرّخ لها منذ القرن السادس عشر، وكذلك رافق ودوّن كل ما قام به المجاهدون من معارك، ورافق كذلك مرحلة الاستقلال، كما كان صوت الشعب فالنّشيد الرسمي الجزائري بقصيدة قسما للشاعر مفدي زكرياء، من هنا نرى أن تخصيص يوم وطني يحتفي بالشعر والشعراء هو تكريم لكل شاعر قدّم ويقدّم للأدب والابداع الجزائري التميز والتنافس مع الآخر..
أما فيما يخص وقتنا اليوم، أرى شخصيا أن الجزائر بها شعراء لا يشق لهم غبار من ناحية التميز والقوة الابداعية التي اخترقت الحدود الجغرافية، وصار لهم صيت عربيا ويحسب لهم ألف حساب سواء في الشعر الرسمي أو الشعبي.
كثيرا ما يحضر الشعر في كل المحافل والمهرجانات، لكن يبقى الاهتمام به في أوساط المجتمع قليل جدا، لماذا في رأيكم؟
 أكيد الشعر هو الصنف الابداعي الوحيد في المجال الأدبي، الذي يكون حاضرا بقوة في كل المحافل والاحتفالات، خصوصا الاحتفالات الوطنية والدينية عكس الأنواع الابداعية الاخرى كالرواية والقصة والنقد، لكنه يترجم البيئة الحقيقة للمجتمع الجزائري بكل عفوية وإبداع، ويرسم لوحة راقية مشكلة بألوان الحروف، ونصا إبداعيا راقيا بموسيقى صامتة مطعمة بصورة المعاني الراقية..لكن للأسف لا يجد اهتماما إلا في وقت الاحتفالات، لأنّهم لا يقرأون أبعاده التاريخية التي بفضلها عرفنا تاريخنا وأمجادنا، ويبقى الاهتمام الكبير من طرف الجمعيات الناشطة التي تحاول أن تقوم بالحفاظ على هذا الابداع بكل ما كان لها من قوة وبإمكانيات أستطيع أن أقول إنّها معدومة، ومع هذا نجد بعض دور الثقافة على المستوى الوطني تحاول أن تعمل بعض النشاطات في إقامة الملتقيات، لكن تبقى لا تفي بالغرض الذي يصبو إليه كل شاعر وناشط.
يشهد مجال إصدارات الدواوين الشعرية مؤخرا تقهقرا كبيرا، وأصبح عدد كبير من المؤلفين والقراء يهتم أكثر بالرواية، ما هي الأسباب وراء هذه الظاهرة؟
 فعلا..هناك تقهقر في إنجاز الدواوين الشعرية، سواء في الرسمي أو الشعبي، وهذا لسببين هناك سبب اقتصادي وسبب إبداعي.
السبب الاقتصادي هو تقلص الدعم، وهو الامر الذي أثّر على نشر الدواوين الشعرية، وكل المجالات الابداعية الأخرى.
أما السبب الإبداعي، هو أن هناك محاولة البروز لبعض الأسماء التي حاولت الظهور لكن لم تستطع إثبات شخصيتها الإبداعية في الشعر، فاتجهت نحو الرواية والقصة وووو..كما أنه ظهر جيل جديد يحاول التوغل في عالم الرواية، إلا أن معالم كتابة الرواية لابد لها من التوغل وتخمر العامل التاريخي واتقان الحبكة السردية، لكي يستطيع الكاتب كتابة رواية لها شخصيتها وتكون لها روح منفردة، لهذا معظم الكتّاب الذين حاولوا كتابة الرواية أو اللجوء لها وخروجهم من عالم الشعر لم ينجحوا من تحقيق ذاتهم فيها، إلا القليل مع أنه هناك بعض الأسماء القليلة الجزائرية التي استطاعت اثبات ذاتها في الرواية، سواء وطنيا أو عربيا ولكن يبقى هذا غير كافي نظرا لحجم الجزائر وكثرة مبدعيها.
كيف يمكن توظيف الأدب الشّعبي أكثر في السّاحة الأدبية؟
 في الواقع أنّ معظم المهرجانات والاحتفالات الوطنية عمادها الأدب والثقافة الشعبية في كل المجالات، ومع هذا يمكن كذلك توظيفه في المسرح والأفلام، ودعم الجمعيات الخاصة به وكل مهتم به بمجالات أوسع وأرحب كي نعطي له حقّه. وعلى وجه الخصوص ينبغي إشراك الجامعات ومراكز البحث في الثقافة الشعبية، التي لها إمكانيات كبيرة في إعطاء بعض دعمها لأهل الاختصاص من شعراء وروّاة وناشطين لتدوين الارث القديم، الذي نفتقد الكثير منه في صمت، مع الحرص أيضا على تنظيم الكثير من الملتقيات العلمية مطعمة بالأمسيات الشعرية للشعراء المعاصرين وإحياء شعرائنا القدامى.
وهل ما ينظّم من مهرجانات وملتقيات في مجال القافية والأدب الشعبي يوفّي الشّاعر حقّه؟
 أبدا لا يوفي الشّاعر حقّه، لأنّ لو قارنا بين ما يقدّم من مهرجانات وملتقيات وعدد الشّعراء الموجودين في الجزائر، سنرى أنه لا تمثل هذه المهرجانات إلا 10 من المائة بما يوجد من شعراء في الجزائر، وهنا أقصد الشعراء الشعبيين، كما أن هذه الفئة معظمها متواجدة في المدن الداخلية والمناطق المعزولة..كما أنهم من متوسطي وضعاف الدخل، والاعلام بعيد عنهم. من هنا وباختصار شديد الشاعر الشعبي مسكين ومهمش.
تزخر الجزائر بالكثير من شعراء الملحون والقصيدة البدوية، لكن عديدهم منسيون، كيف يمكن تدارك هذا الإجحاف في حقهم؟
 فعلا..كما ذكرت سالفا أنهم مساكين، لكن يمكن تدارك الأمر. من هنا لابد على مديريات الثقافة في كل ولايتي الوطن أن تتكفل بهم حقيقيا وليس صوريا كما نرى الآن، وهذا بإحصائهم وترتيبهم حسب القوة الإبداعية ثم عمل ورشات لهم في دور الثقافة، ومن بعدها دعمهم حسب الأولوية في نشر إبداعهم، وتقديم مساهمات مادية وتكليفهم بتدوين النصوص القديمة بالنسبة للحفظة وتعويضهم ماديا، وإشراكهم في كل الاحتفالات الوطنية التي تقام في الوطن.
الجزائر تحيي هذه السنة ستينية استرجاع السيادة الوطنية، يعود بنا الحديث إلى الدور النبيل للقصيدة الشعبية إبان ثورة التحرير الوطني والمقاومات الشعبية، كيف يمكن تكريم أصحابها اليوم؟
 فعلا للشعراء القدامى أثناء المقاومات الشعبية أو ثورة التحرير دور كبير كما ذكرت سابقا، فقد أرّخوا لمراحل تاريخية مهمة للجزائر، هذا ناهيك على جمالية النصوص..نذكر على سبيل المثال في القرن السادس عشر، قصيدة «مزغران» لسيدي لخضر بن خلوف أو قصيدة «بن عياش» لمحمد بن قيطون أو محمد بلخير وقصائده ثورة بوعمامة أو قصائد المنفيين إلى كاليدونيا وكايان وقصائد الشيخ بوراس..وأشهرها بيا ضاق المور المشهورة التي تحاكي المنفيين الى كايان..وكذلك المجاهدين والشهداء الشعراء، وهم كثر ونذكر على سبيل المثال الشاعرة المجاهدة سهلة غميض والمجاهدة فاطمة ومنصوري أو الشاعر المجاهد بن شهلة أو الشبوكي..هناك المئات من الشعراء المجاهدين أو الشهداء أو المقاومين، الذين لابد أن نكرّمهم بذكرهم، وتسمية بعض الأماكن الثقافية من مسارح ودور ثقافة بأسمائهم، كما لابد من تدوين نصوصهم في دواوين خاصة بهم، وكذلك تنظيم ندوات علمية وملتقيات حولهم سواء لحياتهم الشخصية أو الإبداعية.
ما هو البرنامج الذي سطّرته جمعيتكم بمناسبة اليوم الوطني للشعر، وبمناسبة إحياء ستينية الاستقلال؟
 أولا بمناسبة اليوم الوطني الشعر، هناك برنامج خاص للمكاتب الولائية في ولايات البيض وبسكرة وخنشلة والمدية وسيدي بلعباس يتضمن أمسيات شعرية وتكريم شعراء الولاية من طرف الجمعية الجزائرية للأدب الشعبي، بالشراكة مع دور الثقافة، أما فيما يخص الستينية فنحن بصدد تحضير الملتقى العربي للأدب الشعبي، الذي سيقام في طبعته السابعة بالمكتبة الوطنية الجزائرية بمشاركة 10 دول عربية.
 ما هو جديد توفيق ومان الشّاعر؟
 جديدي هو أنّني أحضر لديوان شعري جديد، هو مزيج بين الزجل والشعبي، كما أحضر للمشاركة في ملتقى طبرقة الثقافة الشعبية، وللعلم أنا أحد مؤسّسي هذا المهرجان والذي سيقام في شهر سبتمبر بتونس، كما سأسافر إن شاء الله إلى المملكة الأردنية الهاشمية بعد ما تلقيت دعوة للمشاركة في المهرجان العربي للمثلث الذهبي للقصيدة الشعبية العربية.