طباعة هذه الصفحة

«الشعب» على خط النار

مشاهد مروّعة وجثث متفحمة وتضامن غير محدود

مبعوثة الشعب إلى الطارف: آسيا مني

 قيادة الدرك الوطني تفعّل خلية أزمة لإنقاذ المتضررين

 تحديد هوية 18جثة و15 أخرى محل المعاينة الجنائية

واحدة من أقسى النهايات لأم وابنتها عثر عليهما، تحتضن كل منهما الأخرى بعد أن أيقنتا أنه لا سبيل للنجاة من نهاية محتومة، بيوت وسيارات محترقة، مساحات غابية شاسعة توشحت الأسود، رسم حزنا على تقاسيم وجوه سكان القالة، الذين استيقظوا على حزام مرعب من اللهب حاصرهم في كل الاتجاهات، أتى على الأخضر واليابس، لتصبح منطقة خاوية على عروشها وكادت أن تحصد الآلاف من الأرواح لولا تدخل رجال الدرك وتشكيل ميداني لقوات الجيش والحماية المدنية الذين شكلوا جدارا مانعا حال دون وقوع كارثة بشرية وايكولوجية بكل المقاييس.

رافقت «الشعب» مصالح الدرك الوطني إلى ولاية الطارف باتجاه بلدية القالة، وعاشت على طول الطريق الرابط بين عنابة والطارف على وقع كارثة كانت ألسنة النيران فيها سيدة الموقف لانتقالها بسبب سرعة الرياح أوصلتها الأحياء السكنية في لمح البصر، وحاصرت مواطنيها من كل حدب وصوب لأكثر من 18 ساعة كادت أن تحدث كارثة لولا لطف الله ويقظة وحدات الجيش الوطني الشعبي والدرك الوطني والحماية الميدانية ومصالح الغابات والأمن الوطني، الذين وقفوا جنبا إلى جنب لإنقاذ المواطنين من سكان البلدية وكذا الوافدين إلى ولاية الطارف من أجل قضاء فصل الصيف.
 قوات وجدت في سكان المنطقة السند لمجابهة لهيب النيران التي أبت أن تنطفئ قبل أن تحصد المزيد من أرواح الأبرياء وتحرق قلوب أمهات على فلذات أكبادها، وشردت عائلات كان الشارع مأوى لها بعد أن تحولت منازلها الى رماد قبل أن تتكفل بهم السلطات المحلية.
مساحات غابية شاسعة تحولت إلى رماد وقفت عندها «الشعب» بولاية الطارف انطلاقا من وادي قرقور باتجاه مدينة القالة، بعدما التهمت النيران كل ما وجدت في طريقها من أشجار ونباتات وحولت أرضيتها الرطبة التي كانت تكسوها الحشائش الى بساط من الرماد في صور عكست حجم الكارثة التي ألمت بأهل ولاية الطارف، هذه الأخيرة التي كانت تعتبر الرئة الشرقية للوطن لما تزخر به من ثروة طبيعية خلابة حولت مناطق معتبرة منها إلى «أرض محروقة» تطفو فوقها جثث حيوانات مترامية هنا وهناك، كانت قد باءت محاولاتها بالفرار من المنطقة المصنفة في الخانة الحمراء بالفشل، مناظر كلها عكست صورة مرعبة لمحمية طبيعية كان يصفها الوافدون لها بساحرة.
 مشاهد تحبس الأنفاس وتقشعر لها الأبدان عايشناها رفقة رجال الدرك الوطني من مختلف التشكيلات العملياتية الذين وجدناهم على أتم الاستعداد لا يدخرون أي جهد في مجابهة النيران التي كانت امتدت في كل الاتجاهات.. واقفين وقفة رجل واحد همهم إنقاذ الأرواح وحماية الممتلكات حتى لو كلف ذلك حياتهم..وهو المبدأ الذي كرس لديهم مبدأ « الوطن وفاء وتضحية».

 مركز العمليات للتنسيق

 حالة من الطوارئ سارعت فيها قيادة الدرك الوطني ومع أول دخان متصاعد في سماء الجزائر في تفعيل خلية أزمة عبر قيادتها الجهوية الخامسة بقسنطينة هذه الأخيرة التي كانت تشرف على كل المراكز العملياتية عبر ولايات شرق الوطن التي عاشت هول الحرائق على غرار ولاية سطيف، سكيكدة ،قالمة، سوق أهراس.
 وأخرى سارعت لتقديم السند لولاية الطارف باعتبارها أكثر الولايات تضررا، بتسجيلها أكبر عدد من الضحايا والذي بلغ عددهم 33 حسب توضيحات رئيس خلية الإعلام والاتصال المقدم عبد القادر بزيو، الذي أفاد أن قوات الدرك بمختلف تشكيلاتهم من وحدات امن الطرقات، البحث والتحري ووحدات التدخل، وكذا السرب الجوي.
وكانت الحوامات تقوم بطلعات جوية لرصد الوضع وتقديم الدعم للوحدات العاملة بالميدان لإخماد الحرائق ومرافقة المواطنين وإجلاء المتضررين المنكوبين ونقل الأشخاص إلى المستشفيات وتوجيه الوافدين من أصحاب المركبات خارج منطقة الخطر بقطع كل المحاور المؤدية إلى حواف الطرقات التي اشتعلت فيها النيران، مع السهر على استقبال المواطنين الذين فقدوا أفرادا من عائلاتهم وتقييد شكواهم ومباشرة عمليات البحث الفورية عليهم وتحديد هوياتهم.
 لتبدأ بعد إخماد الحرائق التي دامت ما يقارب يوما كاملا مهام أفواج الشرطة العلمية التابعة للمعهد الوطني للأدلة الجنائية وعلم الإجرام التي قامت بتطويق مسرح الحادث بشريط أصفر اللون منعت من خلاله دخول أي شخص حتى تتمكن من رفع عينات يتم إرسالها إلى المعهد الوطني للأدلة الجنائية وعلم الإجرام المتواجد ببوشاوي للتعرف على جثث الضحايا عن طريق اختبار الحمض النووي والتأكد من سبب اندلاع هذه النيران وتحديد المتورطين فيها في حالة ما إذا كان نشوبها مفتعلا وفق ما أكد العقيد مكي الحبيب رئيس ملحقة الأدلة الجنائية وعلم الإجرام بقسنطينة، بعين المكان.

التعرف على الجثث..  المهمة الصعبة

أكد قائد الكتيبة الاقليمية للدرك الوطني بالقالة الرائد شوادرة حمزة، رؤية دخان متصاعد على الساعة التاسعة صباحا، من منطقة عين الفيرة بعد نشوب حرائق بها امتدت ألسنتها بطريقة سريعة بسبب سرعة الرياح التي وصلت حسب النشرية الجوية إلى 90 كلم في الساعة متجهة نحو شمال البلدية عبر منطقتي غابة الزهر والبرابطية.
البرابطية الأكثر تضررا بتسجيلها 24 حالة وفاة 6 منهم كانوا متواجدين داخل الحافلة التي كان يقودها رجل مسن في العمر لتحولها النيران التي أحاطت بها من كل الاتجاهات إلى رماد، عجزت خبرة السائق أمام هولها من إنقاذ الركاب وإخراجهم الى بر الأمان ليسقطوا جثثا هامدة متفحمة عجز ذويهم على التعرف عليهم  في حادثة مريعة شهدتها منطقة القنطرة الحمراء .

قصص مؤثرة يرويها سكان القالة

قصص مريعة رواها لنا سكان المنطقة وكلهم ألم وحسرة على ما أصابهم، وأكدها بتفاصيل قائد الكتيبة الذي واصل سرده لنا وقائع الحريق وكيفية تعامل رجال الدرك الوطني معها ومختلف محاولاتهم في إنقاذ المواطنين ليكون لهم الدور الأكبر في إنقاذ وإجلاء العائلات بعد طرقهم أبواب المنازل التي كانت بعيدة عن الحرائق.
 وطالبوا بالسماح لإدخال المواطنين الوافدين من مختلف مناطق الوطن بهدف الاستجمام لتتجاوب هذه الأخيرة مع طلبهم وتستضيف المتضررين وتقدم لهم يد العون.
 مهام رجال الدرك كانت صعبة جدا، لكنها لم تكن مستحيلة في تسيير كارثة شملت جوانب مختلفة كان على رأسها حماية المواطنين المرعوبين وإجلاء المصابين منهم إلى المستشفيات وتسيير حركة مرور متوترة بعد أن اضطرت إلى غلق محاور رئيسية كانت في الخانة الحمراء وكذا التعامل مع عائلات فقدت أفرادا منها بعد أن حولتها النيران إلى جثث متفحمة صعب التعرف عليها دون إغفال الحالات الكثيرة التي التهمت النيران ممتلكاتهم وحرقت منازلهم وجعلتها بين عشية وضحاها من دون مأوى.
وواصل الرائد سرده لنا لوقائع الكارثة، حيث أكد أنه وبمجرد رؤيتهم للدخان المتصاعد تم إطلاق صفارة الإنذار، إذ خرجت الوحدات العملياتية للميدان وقامت بغلق الطريق الوطني رقم 84أ باتجاه مدينة القالة وبريحال بعد أن وصلت ألسنة النيران إليها نصبت حواجز أمنية لتسيير حركة المرور ومنعت دخول المركبات داخل المناطق التي  حاصرتها النيران حفاظا على سلامة الاشخاص وتوغلت وحداتها عبر مختلف الأماكن التي وصلت إليها ألسنة النار لإخراج المواطنين من حلقة الخطر ومنع المتهورين من الدخول إلى المناطق المهولة بالنيران بهدف التقاطات فيديوهات.

لم تسجل أي وفاة داخل الحديقة

وكان لقوات الدرك الوطني الدور الكبير في إنقاذ العائلات المتواجدة داخل حديقة الحيوانات والتسلية البرابطية والتي تجاوز عددهم يوم إندلاع الحرائق 500 شخص الى جانب 250 مركبة، حيث سارع عناصر مكتب الدرك المتواجدين بداخلها وبمجرد ملامسة الخطر، إدخال العائلات داخل المسابح كخطوة استباقية تمنع وصول ألسنة النيران وتحول دون تعرض الأطفال الصغار للاختناق مع الحرص على منع خروجهم للسلامة على أرواحهم، وعليه لم يتم تسجيل أي حالات وفاة داخل الحديقة، بل كل الوفيات ـ أضاف يقول الرائد شودرة ـ تم تسجيلها داخل البرابطية وطريق القنطرة الحمراء.
ولم تصب الحيوانات المتواجدة بالحديقة بأي ضرر، علما أنها الثانية من حيث الحجم بعد حديقة بن عكنون، وتحوي 20 أسدا وأنواعا كثيرة أخرى.
وعن تعامل الوحدات مع العائلات التي ما تزال في حالة البحث عن جثث ذويهم، قال إن مكاتب فرق الدرك الوطني تستقبل بلاغات العائلات وتطلق عمليات البحث بمجرد أخذ الأوصاف عبر فرقها الموزعة بمسرح العمليات والمستشفيات حيث يتم على الفور إبلاغ فرق البحث والتحري لمباشرة عملها كلها عمليات محكمة يتم التنسيق فيها عبر مركز العمليات التي تسهر على مدار 24 ساعة في تسيير الأزمة باعتبارها العصب النابض والمحرك يعمل تحت قيادة رئيس الأركان ويهدف إلى الربط بين مختلف الوحدات واعلام السلطات الادارية لتقديم المساعدات وعمليات التدخل والإحصاء وتحديد وضعياتهم خاصة فيما يتعلق بالمنكوبين منهم والمفقودين وكذا التنسيق مع القيادة العامة للدرك الوطني والقيادات العسكرية .
وبلغة الأرقام عن المخلفات البشرية التي حصدتها الحرائق المندلعة قال المقدم بزيو عبد القادر ممثل قيادة الدرك الوطني أنه تم تسجيل 41 حالة وفاة 33 منهم بولاية الطارف، ضحيتين بسطيف، وخمسة بسوق أهراس وضحية واحدة بقالمة وقد تم التعرف على 18جثة في حين تبقى 15 لم يتم التعرف عليها حيث يتم إجراء تحاليل الحمض النووي للتعرف عليهم وتسليمهم إلى عائلاتهم.