طباعة هذه الصفحة

بين ضغط الدّاخـل ونكسـات الخـارج

المغـرب بحاجـة إلـى معجـزة لتفـادي الانفجـار

فضيلة دفوس

 توقّع مدير المركز المغربي لدراسات اللاجئين، عزيز شهير، عدم قدرة النظام المغربي على الصّمود أمام المشاكل الداخلية التي تعصف به، والانتكاسات التي يواجهها على المستوى الخارجي، وخلص إلى أنّ المغرب يعيش أسوأ فتراته، وأنّ جميع المؤشرات تفيد بأنّ «سياسة المخزن تمر بأزمة كبيرة وهذا في جميع المجالات»، في إشارة صريحة إلى ما يشهده الشارع المغربي من مظاهرات واحتجاجات وتذمّر، مؤكّدا أنّ «كل الأضواء الحمراء، وحتى المعجزة لا يمكن أن تنقذ النظام».

 الخلاصة التي وصل إليها الباحث عزيز شهير، ليست مجرّد كلام، بل هي قراءة صادقة للواقع المرّ الذي بات المغاربة يعيشونه بسبب المصاعب الاقتصادية والاجتماعية المتنامية، وانعكاساتها على حياتهم المعيشية التي تدحرجت إلى أدنى مستوياتها، ليزيد التضييق والقمع وتدهور حقوق الإنسان الوضع تأزما، في دليل واضح على أن المخزن يعيش بالفعل أسوأ فتراته، كما أكّده مدير المركز المغربي لدراسات اللاجئين، الذي توقع حدوث تغييرات ستمس المخزن، قائلا إن «المغرب يمر بأزمة خانقة لم يشهدها من قبل، ستعصف بالنظام».
ولم يمرّر الباحث شهير ملف حقوق الإنسان، دون أن يتوقف عنده، خاصة مع زيادة النظام المخزني من وتيرة تضييقه وقمعه للنشطاء والإعلاميين والمعارضين، واستمراره في متابعة الحقوقيين بسبب آرائهم، مستعملا كعادته التهم الجنسية والمتعلقة بتبييض الأموال والتجسس ضد كل من يقوم بالتعبير عن رأيه بما يخالف النظام القائم، حتى باتت المملكة، كما قال الباحث المغربي، «أكثر دول إفريقيا ظلما، مع تدهور حقوق الإنسان»، مردفا أن «البؤس يمس جميع طبقات المجتمع».
تشخيص الباحث شهير للواقع المرّ الذي يعيشه الشعب المغربي، ليس التشخيص الوحيد الذي يرسم سحابة سوداء تغطي سماء المملكة، فمثله الكثير من الخبراء والسياسيين وحتى عامة الناس من باتوا يدقون ناقوس الخطر، متوقّعين انفجار الوضع المغربي جراء حالة الاحتقان التي بلغت مستويات قياسية بسبب تدني مستوى المعيشة، وسياسية التفقير التي ينتهجها نظام المخزن.
وقد أشارت آخر الدراسات إلى تضاعف معدل الفقر 7 مرات في المغرب، ومعدل الهشاشة بمرتين خاصة بالمناطق البعيدة عن المدن، حيث ينتشر البؤس والفاقة كالنار في الهشيم، بينما تراجع النمو الاقتصادي إلى واحد في المائة، واحتياطات الصرف لم تعد تغطي أكثر من ستة أشهر، كما نبّهت تقارير إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية الصارخة، والتمييز بين أبناء الشعب الواحد، وهو عامل سيتحول حتما إلى عود ثقاب سيشعل المملكة بما فيها.
الفقر من أمامكم والقمع من ورائكم
 مثلما ذهب إليه مدير المركز المغربي لدراسات اللاجئين، عزيز شهير، قال الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية المغربي، نبيل بن عبد الله، قبل أيام، «إنّ الأوضاع على الصعيد الوطني تتّسم باستمرار تدهور القدرة الشرائية للمغاربة، وغلاء أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، وبازدياد الضغط على المالية العمومية، بسبب ارتفاع المديونية والتضخم دون أن تحرّك الحكومة ساكنا للتخفيف من وطأة هذا الوضع الصعب».
وأكّد على حتمية «تغيير السياسات والمقاربات في تجاه الإنصات إلى نبض المجتمع وهموم المواطنات والمواطنين، والتخفيف من معاناتهم، وحماية قدرتهم الشرائية، والوقوف إلى جانبهم وهم يواجهون وَحدَهم هذه الأوضاع الصعبة».
كما انتقد بن عبد الله، حكومة أخنوش، معتبرا أنها لا تملك الرؤية والجرأة السياسية، وشدّد على «أنه إلى جانب إخفاقاتها على الصعيديْن الاقتصادي والاجتماعي، فإن الأبعاد الديمقراطية والحقوقية والمساواتية، والجوانب المرتبطة بالحريات، تكادُ تكون غائبةً في عملها».
الاحتقان يولّد الانفجار
 دفع ارتفاع الأسعار إلى تعميق المعاناة المعيشية اليومية للمغاربة، وشعورهم بالاستياء إزاء أداء الحكومة الحالية، التي تبدو غير مبالية بما يجري في البلاد وغير متحمّسة للتعاطي مع تداعيات الوضع الاجتماعي المتفجر.
في هذا الإطار، ندّدت الأمانة العامة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد في بيان نشرته قبل أيام، بالارتفاع الصاروخي للأسعار، والغياب التام للحكومة في إيجاد الحلول لتوقيف هذا الجشع، الذي ينعكس سلبا على المستوى المعيشي للمواطن البسيط الذي باتت قدرته الشرائية تحتضر.
بدورها، ندّدت العديد من الأحزاب المغربية بالتدهور الفظيع للأوضاع المعيشية في المملكة وبالتخريب الممنهج – كما قالت – للمرافق العمومية من تعليم وصحة، مسجّلة مآسي مريعة لمئات الشباب الهاربين من نيران القهر المخزني، الذين يقضون غرقا في قوارب الموت. واستنكرت هذه الأحزاب، التضييق الممارس على النشطاء، والأحكام الجائرة الصادرة في حق المعتقلين السياسيين، ودعت إلى الكف فورا عن تعميم الهشاشة والفقر، محذّرة من أنّ رفض الاحتجاجات والمظاهرات ومنعها لن يفيد طويلا، وقد يؤدي إلى نتائج كارثية.
الحكومة وسياسة النعامة
 الغضب الشعبي بلغ عنان السماء بالمغرب، والشوارع بدأت تتحرك تحت أقدام نظام المخزن، حيث لم يعد يمر يوم دون أن تسجّل مدن المملكة احتجاجات أو مظاهرات، فكلّ القطاعات باتت على فوهة بركان من التعليم إلى الصحة، فالفلاحة والنقل وغيرها، والمفارقة العجيبة أن الحكومة لا تبالي بالأمواج البشرية التي تهزّ الشوارع، وتسدّ أذنيها عن سماع أنين الجياع والفقراء، وتعلق فشلها في مواجهة تدهور المعيشة تارة على شماعة كورونا، وطورا على الحرب الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية، بل ويذهب رئيس الحكومة عزيز أخنوش الذي يقف على قمة جبل من الأموال، حيث انتقلت ثروته من مليار دولار سنة 2020 إلى 2 مليار دولار في 2022، إلى التقليل من الواقع الاجتماعي المرّ الذي يعيشه المواطن المغربي، ويعمد إلى تبني سياسة الهروب إلى الأمام بتحميل الأزمة إلى أعداء الوطن الذين يقومون، حسبه، «بحملات شعواء للإضرار بالمغرب»، وهي نفس السياسة التي كان النظام المغربي ولازال ينتهجها لتحويل أنظار الشعب عن أزماته الداخلية المتتالية وأسبابها الحقيقية.
عزيز أخنوش، ومن برجه العاجي، يصرّ على تجاهل معاناة شعبه بل ويزيد من استفزازه عندما يصدر تصريحات لا تمتّ للواقع بصلة، ويقول بأن المغاربة «ملتفّون حول وطنهم وملكهم ومقدّساتهم»، والواقع يؤكّد غير ذلك تماما، خاصة بعد ارتماء النظام المغربي في الحضن الصهيوني المخضب بدماء الفلسطينيين.
فيروس التّطبيع ينخر المملكة
 عندما سئل الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية عن الفضيحة المدوية التي أثارها السفير الصهيوني بتطاوله على شرف النساء المغربيات داخل مكتب الاتصال الصهيوني في الرباط، فضّل التهرب من الجواب، واكتفى بالقول، إن الحكومة لم تناقش الموضوع.
وحين سئل عما يعتزمون داخل الحكومة القيام به من أجل صون كرامة النساء المغربيات، في حال ما ثبتت الاتهامات الموجهة إلى المسؤولين الصهاينة، انعقد لسانه عن الكلام، ولم ينبس ببنت شفة.
هذا التكتّم والتستر المغربي على الجريمة الجنسية المريعة التي ارتكبها السفير الصهيوني «دافيد غوفرين»، تعكس بما لا يدع مجالا للشك خشية المخزن من إثارة غضب الحليف الصهيوني إن هو حاول معرفة حقيقة ما جرى داخل مكتب الاتصال الصهيوني من انتهاك لشرف المغربيات، اللاتي لم يصمتن عن الاعتداءات التي تعرضن لها، ورفعن شكاوى لجهات صهيونية وليس مغربية لإدراكهن تمام الإدراك بأن النظام المغربي لن يحرّك ساكنا للدفاع عن أعراضهن وكرامتهن، وهو بالضبط ما حصل، وقد كان على نظام المخزن من أجل حفظ ماء وجهه على الأقل، أن يفتح تحقيقا ويحاول معرفة الحقيقة، وهذا هو السلوك المنطقي في مثل هذه الوقائع.
وتبقى المفارقة العجيبة، أنّ صمت المغرب كان دائما هو الجواب على الانتهاكات التي تتعرض لها نساء المملكة، مثلما تمّ تسجيله في الكثير من المرات، حيث كثيرا ما تعرضت العاملات المغربيات اللواتي يشتغلن في الحقول بالجنوب الإسباني للتحرش والقسوة والاعتداءات والمعاملات السيئة، دون أن ينصفهنّ أحد.
فضيحة مكتب الاتصال الصهيوني، لا تعدو أن تكون إلا نتيجة من النتائج التي بدأ المغرب يحصدها جراء التطبيع، الذي أخذ يحكم قبضته على كل القطاعات من المجال السياسي، والعسكري والاقتصادي إلى القطاع التربوي والسياحي والإعلامي وغيرها.
بؤرة لهدر حقوق الإنسان
 قبل أيام دعت إحدى المنظمات الحقوقية إلى منع المغرب من القيام بعمليات تدخّل لإنقاذ المهاجرين وهم يحاولون عبور المتوسط إلى الضفة الشمالية، والسبب أن التدخّل المغربي ينتهي في الغالب بمآسي مروعّة. موقف هذه المنظمة يستند إلى حقائق وأدلة ثابتة، لعل أهمها المذبحة الرهيبة التي اقترفها حرس الحدود المغربي في شهر جوان الماضي عندما حاول منع شباب إفريقي يائس وبائس من العبور إلى مليلية الاسبانية، باستعمال القوة والرصاص.
ورغم التكتّم على رقم الضحايا والمفقودين، فقد كشفت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فرع الناظور، مؤخرا أن عدد الضحايا يفوق بكثير رقم 24 الذي أعلنته الرباط، أما عدد المفقودين فقد ارتفع إلى 70 شخصا، في حصيلة لم يتم تسجيلها من قبل في عملية واحدة.
وقالت الجمعية، «إنّها توصّلت بعد جهد كبير وانعدام أية مساعدة أو تجاوب من قبل السلطات المغربية لحل مشكلة المفقودين، الذين وصل عددهم إلى 70 مفقودا إلى غاية 30 أوت الماضي».
وبالإضافة إلى قمعها للمهاجرين، فإنّ السلطات المغربية تمارس سياسة أمنية رهيبة في حق المعارضة والنشطاء السياسيين. وفي السياق قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، في تقرير نُشر شهر جويلية الماضي، «إنّ السلطات المغربية تستخدم تكتيكات احتيالية وملتوية لإسكات النشطاء والصحفيين الناقدين. تهدف هذه الإجراءات إلى الحفاظ على الصورة التي يتمسك بها المغرب كدولة معتدلة تحترم الحقوق بينما يزداد قمعها أكثر من أي وقت مضى».
في التقرير الصادر في 99 صفحة، بعنوان «’فيك فيك» (سينالون منك مهما كان) - دليل أدوات قمع المعارضة في المغرب»، توثّق «هيومن رايتس ووتش «مجموعة من التكتيكات التي تُستخدم مجتمعة لتشكل منظومة قمعية، ليس هدفها إسكات الأصوات المعارضة فحسب، بل أيضا ترهيب كل المنتقدين المحتملين». وتشمل التكتيكات - حسب المنظمة - محاكمات جائرة وأحكام سجن طويلة بتهم جنائية لا علاقة لها بالتعبير، وحملات مضايقة وتشهير في وسائل الإعلام الموالية للدولة، واستهداف أقارب المعارضين، وتعرّض الذين ينتقدون الدولة للمراقبة الرقمية والتصوير السري، وفي بعض الحالات لترهيب جسدي واعتداءات لا تحقق فيها الشرطة بشكل جدي.
خيبات دبلوماسية
 ولأنّ المصائب لا تأتي فرادى، فإن أوجاع المغرب امتدّت حتى إلى الجانب الدبلوماسي، إذ سجّلت المملكة المغربية في الآونة الأخيرة إخفاقات دبلوماسية متتالية، عكست ليس فقط فشل السياسة الخارجية التي ينتهجها نظام المخزن، بل أسلوبه الذي يعتمد على الابتزاز والمساومة لمحاولة تحقيق مكاسب هي في الواقع ليست من حقّه، كما حصل مع وزير خارجية البيرو ميغال أنخيل رودريغ الذي وقع في الفخ الذي نصبه له وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة، وفقد منصبه بعد أن قرّر بموقف أحادي سحب الاعتراف البيروفي بالجمهورية الصحراوية مقابل رشاوى.
لكن رئيس البيرو بيرو، بيدرو كاستيو، أجهض صفقة المغرب، وجدّد اعتراف بلاده بالجمهورية الصحراوية وبالحق في تقرير المصير، وكان لإعلان كاستيو، وقعا مدويا على المخزن ووزير خارجيته.
من جهته، وجّه الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو صفعة قوية للمخزن، من خلال قرار استئناف العلاقات الدبلوماسية مع الصحراء الغربية، تماشيا مع مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة والاتفاق المبرم بين البلدين، بتاريخ 27 فيفري 1985.
كما كان لمشاركة الرئيس الصحراوي في القمة الإفريقية اليابانية المنعقدة مؤخرا في تونس، وقعه الشديد على المغرب الذي أطلق- كما جرت عليه العادة - العنان لإعلامه المأجور ليشنّ حملات تشويه ضدّ تونس، لكن هذه الحملات الاستفزازية لم تغيّر شيئا من حقيقة أن المغرب يخسر كل معاركه الخارجية.
والظاهر أنّ إخفاقات المغرب الدبلوماسية لا تعود فقط إلى عدم عدالة القضايا التي يدافع عنها، بل تعود أيضا إلى الاختيار السيئ لدبلوماسييه، والدليل الفضيحة المدوية التي زلزلت أركان سفارة المملكة المغربية بالعاصمة الكولومبية بوغوتا، حيث تعرض دبلوماسيون ومستشار السفير المغربي هناك للسرقة من طرف سيدتين تمتهنان الدعارة، الخبر الذي تحول إلى مادة دسمة لدى الإعلام العالمي، ما دفع النظام المغربي إلى استدعاء دبلوماسييه المتورطين في الفضيحة وأعلن عن توقيفهم عن العمل.
وقد أفادت صحف محلية كولومبية، بأن دبلوماسيين وسكرتير السفارة المغربية استقبلوا فتاتين في شقة بالعاصمة بوغوتا، حيث تعرضوا هناك لجرعات من مخدر «سكوبولامين»، الأمر الذي تسبّب لهم في فقدان الوعي، على غرار مجموعة من الأعراض الأخرى، مما سهل على الفتيات عملية سرقة هؤلاء الدبلوماسيين».
من خلال ما سبق، يتأكّد بأنّ المملكة المغربية تمرّ بأسوأ فترة في تاريخها، وتواجه مصاعب جمّة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والأخلاقية، ما يرشّح نظام المخزن - بتأكيد المغاربة أنفسهم - للانفجار.
ويبقى في الأخير التشديد على أن من بيته من زجاج التوقّف عن قذف الآخرين بالحجارة.