طباعة هذه الصفحة

رئيس الإتحاد الوطني لأرباب العمل والمقاولين، يزيد ملياني لـ “الشعب”:

مســار إيجـابي للتّحـوّلات الاقتصاديــة في الجزائــر

حوار: سفيان حشيفة

رئيس الجمهورية أعدّ كل التّرتيبات للإقلاع الاقتصادي

 تطمح السّلطات العمومية في الجزائر لبعث حركية الاقتصاد الوطني، وتحقيق إنعاش في شتى القطاعات المنتجة غير البترولية، عبر تسخير ترسانة تشريعية ملائمة لمناخ الاستثمار المحلي والأجنبي، والتّوجّه نحو استغلال كل الإمكانيات والمقوّمات الطّبيعية الضخمة التي تزخر بها البلاد لتنفيذ مخطط الإقلاع الاقتصادي، وأكّد رئيس الإتحاد الوطني لأرباب العمل والمقاولين محمد يزيد ملياني في حوار أدلى به لـ “الشعب”، أنّ التحول الاقتصادي الجاري في البلاد خطوة إيجابية، يتطلب تعزيزها تحفيز الاستثمارات في القطاعات المتوفرة على مواد خام محلية، وترقية الصناعات التحويلية المنجميّة والصيدلانية والبتروكيميائية والتحويلية الغذائية، فضلا عن الاستغلال الأمثل للثروات الطبيعية والمحاجر والمناجم، وغيرها من المؤهلات التي تمتلكها الجزائر.

- الشعب: نفّذت الجزائر إصلاحات عميقة هدفها تحقيق إقلاع اقتصادي مرتكز على دعم القطاعات غير النفطية، كيف تقيّمون الخطوات؟
 رئيس الإتحاد الوطني لأرباب العمل والمقاولين محمد يزيد ملياني: التّحوّلات الاقتصادية التي تسعى الجزائر لتجسيدها على أرض الواقع تعتبر إيجابية بامتياز، يترجمها ضمنيا قانون الاستثمار في حلّته الجديدة، وتوفيره لمناخ أعمال استثماري من أجل تحقيق إنعاش اقتصادي خلاق للثروة والموارد المالية للخزينة العمومية، بعيدا عن إمكانية الاعتماد على مبيعات الطاقة الأحفورية غير المتجددة  في المستقبل، وجاء قرار ترشيد استيراد السلع والخدمات في سياق النهج الاقتصادي الجديد، القائم على تحفيز وتطوير الاستثمار الصناعي، وتشجيع الإنتاج الوطني في مختلف القطاعات، مما ساهم في دعم ميزان المدفوعات والرفع من قيمة الاحتياطي النقدي.. لكن، نلاحظ في هذا الشأن، أنّ الكبح الجزئي للواردات بالتوازي مع انتظار الانطلاقة الفعلية للاستثمار الصناعي لتغطية الأسواق الوطنية بالمنتجات، قد يؤدّي إلى ارتفاع أسعار بعضها، ويُضعف تدريجيا من القدرة الشّرائية للمواطن لا محالة، وبالتالي تكون الحكومة مجبرة لاحقا على دعم ورفع الأجور، وانعكاس ذلك على زيادة معدّلات التضخم.
-  إعطاء أولوية قصوى لترقية الاستثمار والصّناعات الوطنية، ما قراءتكم للرّؤية الاقتصادية الجديدة؟
 نعم، كان الاتحاد الوطني لأرباب العمل والمقاولين في مقدمة الفعاليات المثمّنة لقرارات رئيس الجمهورية، الذي أخذ بعين الاعتبار مقترحاتنا المتعلقة باسترجاع المؤسسات العمومية المصادرة خلال حقبة الفساد، أو تلك التي تعاني من أزمات؛ ذلك الاقتراح جاء بهدف خلق مناصب شغل جديدة، الرفع من نسب الإدماج الفعلي للمؤسسات الصغيرة، زيادة الإنتاج وتحقيق الاستقرار المعيشي للمواطنين. في هذا الصدد، يجدر التنويه بالتشجيع الذي قدّمه رئيس الجمهورية للمتعاملين الاقتصاديين من أجل الاستثمار في مجالات الصناعات التحويلية المنجمية والتحويلية الغذائية، لما لهما من أثر إيجابي سيلقي بضلاله سريعا على الاقتصاد الوطني، خصوصا أن المواد الخام لتلك الصناعات متوفرة وجاهزة وطنيا بنسب عالية، وهو ما نرجوه في ظل وجود تحفيزات وتسهيلات مدرجة ضمن قانون الاستثمار الجديد.
- هل بدأ أثر الإصلاحات يظهر على أرض الواقع؟
 في الحقيقة، لا يمكن لأثر الإصلاحات أن يظهر إذا لم يقع الجمع بين الجانب التشريعي وإمكانية التجسيد الميداني في ظروف حسنة مواتية للمشاريع، وهذا ما يسمى بمناخ الأعمال، وعلى ضوء ذلك نلاحظ وجود أمريْن، الأول يتمثل في قانون الاستثمار الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 28 جويلية 2022 م، ما يعني أنه جديد النشأة، ويستلزم انتظار صدور النصوص التنظيمية المؤهلة، والموضّحة لكيفيات التنفيذ الميداني للقانون، وهو الأمر الذي يُحتّم إزالة كل تعطيل من شأنه تأخير إخراج النصوص التطبيقية إلى الواقع. كما أنّ قانون الاستثمار من دون تكملة للنصوص التطبيقية الخاصة به لن يحفز أرباب العمل خاصة الأجانب منهم على دخول سوق الأعمال الجزائرية، أما الأمر الثاني، فيتعلق بعدد من متلازمات وشروط الأعمال التي يستوجب إدراجها في منظومة الإصلاحات، ومنها النظام المصرفي المعد أهم محركات عجلة الاستثمار، إذ ما يزال هناك تأخّر في مجال الرقمنة مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية توفير أنظمة للأمن الإلكتروني بالمؤسسات المالية.
- حدّثنا عن أهم النّقاط الإيجابية في قانون الاستثمار الجديد؟
  هناك العديد من المواد القانونية المدرجة في قانون الاستثمار الجديد إيجابية وذات أهمية، نذكر منها على سبيل المثال تسجيل وتحديد الأهداف وخارطة الطريق الاقتصادية التي رسمها القانون وأشار إليها في الأحكام العامة، ممّا يعطي انطباعا أكثر وضوحا وتفاؤلا عن المخطط الذي تنتهجه الدولة في المجال. من ناحية أخرى، إنشاء لجنة وطنية عليا للطّعون متّصلة بالاستثمار ستوضع لدى رئاسة الجمهورية مكلّفة بالفصل في الطعون التي يقدّمها المستثمرون، من شأنه إعطاء ضمانات أوسع لحماية المستثمر. كما أنّ إنشاء الشباك الوحيد للمشاريع الكبرى والاستثمارات الأجنبية خطوة مهمة في الطريق الصحيح، سيعزّز من نجاح مهامه وفصله عن باقي الشبابيك الوحيدة اللاّمركزية المتواجدة على المستوى المحلي، بالإضافة إلى التفصيل في الإمتيازات، خاصة بالنسبة للنظام التحفيزي للقطاعات ذات الأولوية، ناهيك عن محافظة القانون الجديد على الموازنة بين المشاريع قيد الإنجاز والمشاريع المستقبلية.
-  توفير مناخ أعمال للمتعاملين الاقتصاديّين الأجانب، هل يكفي لاستقطابهم أو هناك إجراءات ترويجية خارجية لابد منها؟
 من الناحية الإجرائية، سبق وأن أمرت رئاسة الجمهورية بتفعيل نشاطات الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية بالخارج من خلال عمل السفارات، أمّا على مستوى الإتحاد الوطني لأرباب العمل والمقاولين فقد دعمنا هذا الاتجاه بصفتنا نقابة وطنية وشريكا اقتصاديا، حيث أنشأنا هيئات استشارية وطنية اقتصادية للجالية الجزائرية بعدد من الدول الصناعية، تحضيرا لاستقطاب مؤسسات أرباب العمل من الجالية المستثمرة بالخارج، وكذا الأجانب للاستثمار في الجزائر. ومن خلال ذلك وضعنا خطة عمل متطورة مشتملة على دليل المستثمر، وبطاقة إبداء الرأي والموافقة على الاستثمار في الجزائر، إضافة إلى تحضيراتنا الموازية في ما تعلق بتأسيس منصة رقمية للمستثمرين الراغبين بولوج سوق الأعمال محليا. وتبقى المسؤولية الأكبر لعملية جلب المستثمرين الأجانب، قائمة بالدرجة الأولى على عاتق الدبلوماسية الاقتصادية من خلال نشاط السفارات الترويجي للفرص الاستثمارية المتوفرة في بلادنا.
- ما هي أبرز المجالات المناسبة للاستثمار الأجنبي حسب اعتقادكم؟
 أوضح قانون الاستثمار الجديد في الفصل الرابع منه القطاعات التي توليها الدولة الأهمية وتسمى بالقطاعات ذات الأولوية، إلاّ أنّنا نرجّح دائما الاستثمارات في القطاعات التي تكون موادها الخام المستعملة في نشاط إنتاجها متوفرة بقوة في الجزائر، قصد الاستغلال الأمثل للثروات الطبيعية المحلية وتجنب عمليات الاستيراد المرتبطة بها.
ومن ضمن القطاعات الاستثمارية التي تكتسي أهمية يوجد الصناعات التحويلية المنجمية، الصّناعات التحويلية الغذائية، الصناعات الصيدلانية، الصّناعات البتروكيميائية واستغلال المحاجر. أما بالنسبة لرأس المال الأجنبي، نأمل إشراكه تحديدا في المشاريع والاستثمارات الكبرى، حتى يستفيد الاقتصاد الوطني في مجالي التحول التقني والتكنولوجي، فضلا عن تفعيل قطاع اقتصاد المعرفة وتأهيل المؤسسات الناشئة.
- ماذا عن وضعية الصّناعات الوطنية ومسعى تطويرها؟
 الصّناعات الوطنية الكبرى وقع إهمالها سابقا، ويمكننا تدارك الوقت الضائع لتقوم الدولة بكل ما يستوجب لاسترجاع المؤسسات الاقتصادية الكبرى، وكان هذا مطلبنا منذ سنة 2020 للنهوض بها وفق برامج ومخططات مدروسة وناجعة، تسترجع من خلالها الدولة هيمنتها على الاقتصاد الوطني، والمضي نحو توسيع دائرة الإنتاج وتصدير الفائض خارج الوطن. لم ترق الدول وتتطوّر عبر التاريخ إلاّ باتباعها النهج العلمي والبحثي، ولرسم خارطة وطنية تهتم بالصناعات الكبرى لابد من مراعاة ذلك بالتوازي مع دراسة وضعية المناخ الاقتصادي الدولي، وخوض تجربتنا مع مجموعة بريكس+ والتحالف الأفرو أسيوي ضمن نظام متكامل بين الدول الأعضاء القابلة لمنطق رابح-رابح. وبخصوص التحالفات الغربية الأخرى، فقد أصبحت تعمل سياسيا أكثر منها اقتصاديا، ومن ذلك نظام جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك “سويفت”.
نعلّق آمالاً كبيرة على قانون الاستثمار الجديد، لاحتوائه نصوصا ستفتح بالفعل أبواب الاستثمارات الكبرى في الجزائر، والمسؤولية في هذا الإطار تقع على عاتق الحكومة وتوجّهاتها في تحديد القطاعات الاقتصادية المعنية بالتطوير، ومدى ارتباطها بالإقليم ومؤسسات البحث العلمي والتطور التكنولوجي، وكذا دراسة المؤهلات في رفع نسب الإدماج عبر إنشاء مجمعات المناطق الصناعية، وتطبيق دراسات موضوعية مسبقة خاصة بمنح العقار الصناعي للمستثمرين الأجانب.
-  كمنظّمة لأرباب العمل، ماذا تقترحون لإنجاح خطط ترقية الاقتصاد الوطني، وتجسيد تطلّعات المستثمرين؟
 ترقية الاقتصاد الوطني يتطلّب تضافر جهود جميع الفاعلين الاقتصاديين، وإشراك منظمات أرباب العمل الحاملة لرؤية ومخطط البناء الاقتصادي، وإيلاء الدراسات والبحوث العلمية المهتمة بالشأن الاقتصادي عناية مركزة. وسبق لنا وأن اقترحنا إنشاء وزارة تهتم بالبرمجة والتخطيط ودراسة السوق، لجمع وتوحيد هذا العمل في جهة واحدة عِوضَ تركه مفتوحا لدى كل وزارة. في حين تجسيد تطلعات المستثمرين والمتعاملين الاقتصاديين، يكون عبر توفير الظروف الحسنة لنشاطهم والمعاملات الإدارية والمالية اللائقة بهم، مع إزالة العراقيل البيروقراطية التي تعترض أعمالهم الاستثمارية، والاستماع لانشغالاتهم وتطلّعاتهم عبر منظمات أرباب العمل.