طباعة هذه الصفحة

التنمية المحلية بحاجة إلى موارد مالية متعدّدة ومستدامة

مواصلـة الإصلاحـات لتقوية أداء الولاة والأميـار

محمد فرقاني

تمكين الجماعات الإقليمية من الاضطلاع بمهامها الدستورية

تأسيس لجنة تقنية مختصة تضم مختلف الفاعلين في المجال المالي والجبائي المحلي

عرض أعضاء الورشة الثالثة من اجتماع الحكومة مع الولاة توصياتها السبعة عشر والتي تمحورت حول عنوان الورشة التي جاءت موسومة تحت شعار «الإصلاح المالي والجباية المحلية من أجل تنمية محلية مدعمة»، وأكد المشاركون في الورشة من خلال جملة التوصيات التي قدموها على ضرورة تمكين الجماعات المحلية من الاضطلاع بمهامها التي خوّلها لها الدستور وحملتها قوانين الجمهورية، بما يرسم ملامح الحوكمة المحلية ويضمن التكفل الأمثل بطموحات شعبنا.
طالما شكلت الجباية المحلية المورد الرئيسي للبلديات وعصب التنمية المحلية، فتشكل لدى المتابع للشأن المحلي والتسيير على مستوى الجماعات المحلية، قناعة بضرورة مواصلة الإصلاحات على مستوى الهيئات المعنية بالشأن المالي والجباية في الشقّ المتعلق بمداخيل البلدية.
وفي ذات السياق، جاءت التوصية الأولى للورشة الثالثة من اجتماع الحكومة مع الولاة داعية الى ضرورة مواصلة واستكمال الإصلاحات التي باشرتها وزارة المالية من خلال المديرية العامة للضرائب بالتنسيق مع مصالح وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية.
وتتعلق هذه الإصلاحات بالرسم العقاري، الرسم الخاص برفع النفايات المنزلية والرسم على القيمة المضافة، الرسم على السكن، الرسم على الإقامة، والتي تعتبر وعاءً جبائيا دائما من شأنه أن يرفع من نسبة الاستقلالية المالية لفائدة جميع الجماعات المحلية.
كما دعا القائمون على الورشة الى ترسيخ مبدإ التوطين الضريبي للعائدات على أنشطة الشركات بما يسمح بإعادة توزيعها بين البلدية مكان المقر الاجتماعي، البلدية مقر النشاط وباقي البلديات التي تعيش وضعا ماليا هشا، وهذا دعما لمفهوم التضامن المالي ما بين البلديات.
وثمّن أستاذ الاقتصاد المالي بجامعة البويرة، الدكتور علام عثمان هذه الخطوة، مذكرا بما كان يتم سابقا من توجيه نسبة كبيرة من الجباية لفائدة البلدية التي تضم المقر الاجتماعي للشركة، في حين أن البلدية التي تضم فروع الإنتاج، فتستفيد من نسب قليلة بالرغم من أنها توطن نشاط الإنتاج، وهنا دعا أستاذ الاقتصاد إلى إعطاء الأولوية لمقر إقامة النشاط.
وأشار محدّثنا إلى أن هذه النقطة تستهدف تعزيز التضامن ما بين الجماعات المحلية من خلال المزاوجة ما بين المقر الاجتماعي والمقر الذي تزاول فيه الشركات نشاطها، وهذا ما سيمنح أولوية للبلديات التي لها مناطق نشاط ومناطق صناعية، ويشكل تحديا آخر بالنسبة للبلديات التي لا تتوفر على هذه المناطق، من أجل العمل على استقطاب المستثمر المحلي بغية إنشاء مناطق نشاط وتوسيعها للاستفادة من الموارد الجبائية التي تدعم بها خزينتها.
ومن جهته، أوضح الخبير الاقتصادي والرئيس السابق للجنة المالية بالمجلس الشعبي الوطني، هواري تيغرسي، أنه من غير المعقول أن تزاول شركة ما نشاطها ببلدية معينة، وتستفيد بلدية أخرى من مداخيل جبائية، فقط لكونها تضم المقر الاجتماعي للشركة محل المثال.
وفيما يخص توصيات الورشة فقد دعا المشاركون الى ضرورة تخصيص نسبة من عائدات الجباية البترولية والنشاطات المنجمية لفائدة الجماعات المحلية، باعتبارها إيرادات دائمة، وتسمح بتخفيف العبء الجبائي على المرتفقين من جهة، ومواجهة العجز الهيكلي للميزانيات المحلية التي سوف تستفحل أكثر مع إلغاء الرسم على النشاط المهني TAP.
ويرى الدكتور علام عثمان، أن استقطاع جزء من المداخيل الجبائية البترولية والمداخيل المنجمية لفائدة الجماعات المحلية، يفسر توجه السلطات العليا في البلاد نحو دعم جهود التنمية وجعلها قطاعية وغير ممركزة، لان الحاجيات التنموية متعددة ومختلفة من إقليم الى إقليم ومن بلدية الى بلدية.
وبالعودة إلى المخرجات، فقد دعا المشاركون في الورشة الثالثة من اجتماع الحكومة مع الولاة، إلى استحداث وتأسيس لجنة تقنية وطنية مختصة تضم مختلف المتدخلين في المجال المالي والجبائي المحلي، بمساهمة رؤساء البلديات، وذلك تمهيدا لوضع حيز التطبيق الترتيبات المتعلقة بحصر وتشخيص وتقييم جميع الرسوم والضرائب والحقوق والإتاوات الخاصة بالجماعات المحلية، واقتراح الآليات التي تسمح بضمان نجاعتها.                     
بالإضافة الى مراجعة آليات توزيع معدلات الجباية بين كل من الدولة والجماعات المحلية، وإعداد الدليل المتعلق بالجباية المخصصة كليا أو جزئيا للجماعات المحلية، بما يسمح بمعرفة أفضل لضرائب ورسوم الجماعات المحلية من حيث الوعاء الضريبي، كيفية حسابها وكذا طرق تحصيلها.
وأشار القائمون على الورشة في جملة توصياتهم إلى أنه من الضروري استحداث الإطار القانوني المرجعي الذي يؤطر مختلف الحقوق والإتاوات العائدة للسلطات المحلية، مثل إتاوات الطرق وحقوق الأماكن والتوقف، والإتاوات مقابل الخدمات المقدمة والإشهار مع إعطاء صلاحيات أوسع لرؤساء المجالس الشعبية المحلية من أجل ضبط المبلغ المناسب لكل منها، وحسب خصوصية كل بلدية، بالإضافة إلى تفعيل عمل اللجان المحلية التي تعمل تحت إشراف رئيس المجلس الشعبي البلدي، تضم مختلف الفاعلين المحليين المعنيين بعملية تحصيل الإيرادات البلدية.
ودعا المشاركون في الورشة الى عصرنة تسيير المالية المحلية عن طريق وضع نظام معلوماتي مندمج تفاعلي بين الجماعات المحلية، إدارة الضرائب، المراقب المالي وخزينة البلدية من أجل تنفيذ مختلف العمليات المسجلة بالميزانية وإشراك المجتمع المدني واعتماد مبدإ الديمقراطية التشاركية في تسيير شؤون الجماعات المحلية، وذلك بهدف رفع الوعي الضريبي لدى المواطنين، وهو المسعى الذي من شأنه أن يحسن من عملية التحصيل.
وهنا أوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة البويرة أن الحرص على الحوكمة والاستخدام الأمثل للموارد وتعزيز التشاركية ومشاركة المجتمع المحلي ضروري في صياغة خطط واستراتيجيات وحاجيات التنمية للأفراد والمجتمعات المحلية.
ودعا علاّم إلى الحرص على الاستفادة من التكنولوجيا المالية وإدخالها في مجال الجباية على مستوى الجماعات المحلية من أجل الحد من التهرب الضريبي ومن أجل شفافية أكثر.
ومن بين أهم التوصيات التي قدمتها الورشة الثالثة لاجتماع الحكومة مع الولاة، وهو ما تعلق بالاستغلال الأمثل للموارد، بحيث يمكن للجماعات المحلية ذات القدرات المالية الكبيرة أن تستثمر فوائض إيراداتها الذاتية في البنوك، مع إعداد النصوص القانونية التي تتيح للبلديات إمكانية اللجوء إلى الاقتراض من المؤسسات المالية والبنكية لتمويل المشاريع في إطار مفهوم تقاسم المخاطر وترقية الشراكة بينها وبين القطاع الخاص لتمويل وتنفيذ استراتيجية التنمية المحلية.
بالإضافة إلى استحداث لجنة محلية تضم كلا من مديرية الأملاك الوطنية، مديرية مسح الأراضي، مديرية الضرائب، مصالح البلدية، لأجل اقتراح ترتيبات عملية استثنائية تسمح بتسوية عقود أملاك البلدية وتسريع تسجيلها في الجدول العام للأملاك الوطنية طبقا للتشريع المعمول به.
وعن دور هذه اللجان، أفاد الدكتور علام عثمان ان هذه التجربة معتمدة من طرف العديد من الدول المتقدمة في صياغة الخطط والبرامج التنموية عن طريق إشراك الجمعيات والمجتمع المدني في ندوات دورية من اجل صياغة وإعداد الأولويات للمجتمع المحلي وعدم الاكتفاء فقط بالمجلس البلدي وأعضاء المجلس البلدي.
وأفاد الدكتور علام عثمان بأن التوصيات تركز على هدف محوري تقوم عليه السياسة الجديدة للحكومة في التنمية باعتبار البلدية هي النواة الأساسية لدعم التنمية المحلية، وخاصة في المناطق النائية ومناطق الظل، وأشار قائلا: «كما هو معلوم، فإن دعم التنمية المحلية بحاجة إلى موارد مالية ضخمة ومتعددة ومستدامة، وهو الأمر الذي كان يشكل عائقا كبيرا أمام الجماعات المحلية، وبشكل خاص أمام البلديات التي كان يعاني أغلبها من مديونية عمومية فاقت الحدود، وكانت الدولة تتدخل، في كل مرة لمسح هذه الديون».  
وأفاد علاّم أن ما تلخص من هذه التوصيات يشكل لبنة ونقطة انطلاق يمكن الاعتماد عليها خصوصا فيما تعلق بالمدونة الجديدة للعمليات المالية والمحاسبية للبلدية التي سيشرع في تطبيقها قريبا والتي ستعطي استقلالية أكثر ومرونة أكثر للمسير في البلدية وأعضاء البلدية في دعم جهود التنمية من خلال الاعتماد على موارد محلية، يمكن من خلالها تلبية الحاجيات التي يتطلبها الفرد والمجتمع المحلي.
من جهته، أفاد الخبير الاقتصادي والرئيس السابق للجنة المالية بالمجلس الشعبي الوطني، هواري تيغرسي، أنه من المهم أن نعطي صورة جديدة بالنسبة للبلدية وللمنتخب على المستوى المحلي، بالإضافة إلى خارطة جديدة للجماعات المحلية في المراحل القادمة.
وقال تيغرسي: هناك تقريبا عجز لثلثي البلديات الموجودة على المستوى الوطني، وهو عجز في تسيير الشؤون اليومية راجع لقلّة مداخيل، أو ما يمكن وصفه بـ»البلديات الفقيرة» من حيث المداخيل.