طباعة هذه الصفحة

الدكتور سيف الدين عبان لـ «الشعب ويكاند»:

الجائحة نقلت الجامعة إلى فضاء سيبراني لا حدود له

حوار: فاطمة الوحش

تعمل الجامعات الجزائرية وفق المرجع الوطني لضمان الجودة الداخلية في مؤسسات التعليم العالي وهو المرجع الذي أعدته اللجنة الوطنية لتطبيق ضمان الجودة في التعليم العالي، ونجد بين ثنايا هذا المرجع عديد النقاط ذات العلاقة بالمجال الرقمي ودوره التكميلي في ميدان التكوين بالخصوص، وهي النقاط التي جعلتها مخرجات الأزمة الصحية العالمية الأخيرة ذات أولوية أكثر مما كانت عليه، وذلك ما جعل تكوين الأساتذة في المجال الرقمي حتمية فرضها الواقع ومخرجاته بعد أن كانت حتمية تم التأخر عنها وتوفير التقنية أولوية الأولويات. في هذا الإطار، تحدثنا مع الدكتور سيف الدين عبان وهو أستاذ محاضر بالمركز الجامعي بريكة في علوم الإعلام والاتصال وعضو بمخبر البحث في دراسات الإعلام والمجتمع بجامعة تبسة.

الشعب ويكاند: لقد غيرت الأزمة العالمية السابقة المرتبطة بجائحة كورونا من كثير من القناعات تجاه العملية التعليمية في الجامعات الجزائرية، كيف ذلك؟
الدكتور سيف الدين عبان: في الحقيقة أحدثت هذه الأزمة تغيرات لم يكن يتوقعها أحد على مستوى التواصل بين الأستاذ والطالب، فأخذته من فضاء الحجرات والمدرجات المحدود إلى فضاء سيبراني لا حدود له، حيث برز التعليم عن بعد أول الأمر كحتمية أزماتية، ليصير بعد استتبات الأوضاع الصحية خيارا يعطي قيمة مضافة إن تم استغلال مزاياه، ليحقق بعض معايير ضمان الجودة التي تتسابق بعض الجامعات إلى تحقيقها.
- بالحديث عن معايير ضمان الجودة، هل يمكن التفصيل في نقاط التقاطع بين التعليم عن بعد ومعايير ضمان الجودة؟
 واقعا، يعتبر جزء لا بأس به من المنتمين للقطاع الحديث عن ضمان الجودة نوعا من الترف، فالنقائص لا تعد ولا تحصى على كافة المستويات، لكن وإن كانت التركة ثقيلة على الجامعات اليوم، نظرا للتأخر الكبير الذي حصل لسنوات في تطبيق معايير ضمان الجودة، فإن هناك خطوات ملموسة لتقليص الفجوة بين ما هو كائن وبين ما يجب أن يكون، وعلى كل منتمٍ إلى القطاع أن يحسن باستمرار ما هو على مستواه. وبالعودة إلى المرجع الوطني لضمان الجودة الداخلية في مؤسسات التعليم العالي، نجد في المحور الأول وهو ميدان التكوين عديد المعايير التي تتعلق بالتعليم عن بعد، فيؤكد المعيار ت412 على إنشاء المؤسسات الجامعية مجالا رقميا يضمن توفر دروس تكميلية عن طريق الانترنت وهو ما حصل فعلا بعد استحداث المؤسسات الجامعية لمنصات موودل خاصة بها، وجعلها متاحة للكادر التدريسي وللطلبة، وإن لاقت بعض الصعوبات أول الأمر طبعا، حالها حال التكنولوجيات عموما لكنها فرضت وجودها مع مرور السداسيات، ونجد أيضا معيار التكوين 334 الذي يؤكد على أنه يمكن للطلبة الاطلاع على نتائجهم وفق احترام خصوصيتهم، وهذا تضمنه منصات التعليم الرقمية المعتمدة، أين يستطيع الأستاذ إطلاع كل طالب على حدة عن علاماته.
هناك جامعات تعمل على هذه النقطة منذ سنوات، على شاكلة جامعة الوادي مثلا، لكن المنصات الرقمية اليوم مثل موودل تضمن هذا للجميع، والإشارة إلى احترام خصوصية الطالب لفتة إيجابية لمراعاتها الحالة النفسية للطالب والذي هو محور التعليم العالي.
- التكنولوجيات الرقمية مصممة على التقادم، لكن التعامل مع منصات التعليم الرقمية يحتاج إلى تكوين في الأساسيات، أليس كذلك؟
 فعلا يحتاج الأساتذة إلى تكوين في المجال، كما حال كل من يشغل عملا في العالم، فلا بشر كاملا، ومستجدات العصر تتطلب التكوين المستمر. وبالفعل خصصت الوزارة تكوينا وطنيا للأستاذة حديثي التوظيف في تكنولوجيات الإعلام والاتصال، وعلى نقائص منه تتعلق أساسا بغياب عوامل الجذب، إلا أنه يحقق للمتكون تقدما ملموسا في التعامل مع منصة Moodle المعتمدة رسميا من الجامعات، أو MOOC أو Edx كمنصات مساعدة للعمل عن بعد، خاصة في ظل اعتماد نمط التعليم الهجين رسميا، ويلمس الأساتذة هذا التقدم بعد مقارنة دروسهم على المنصة بدروس زملائهم ممن لم يتلقوا تكوينا في المجال. وزيادة على هذا يستطيع الأساتذة التكون ذاتيا لتطوير مهارات التعامل مع المنصات، والتي قد تغطي نقصا يحدث في قاعات التدريس نتيجة الوقت المتسارع والعدد غير العملي للطلبة.
- يتحفظ جزء من الأساتذة على التعليم عن بُعد برمّته، في رأيك عمّ ينتج هذا؟
 واقعا، لا يشتكي الأساتذة فقط من التعليم عن بعد، الطلبة أيضا وجدوا صعوبات كبيرة في التعامل مع هذا النمط، ربما لمناعة مجتمعية تسجل ظرفيا ضد المبتكرات، أو لتعوّد الطالب عموما على التلقين المباشر للمعرفة. وعودا إلى الأساتذة، فأعتقد أن الأمر يتعلق أساسا بغياب التحفيز، فتجسيد مهارات التعليم عن بعد لا يقابل بتحفيز سوى إشهاد يوضع في ملفات الترقية، فأن تجد نفسك مجهدا من تخطيط الدروس على المنصة دون أن يكون لذلك أثر مهني أو شخصي أو أثر على المقروئية أساسا، يحول العملية بالنسبة إليك إلى عبء إداري أكثر منه عملا بيداغوجيا، وهذه صفة فطرية، فبغياب التحفيز أو التعزيز الاجتماعي، ماديا كان أو معنويا، يتحول العمل عن بعد إلى عقاب أكثر منه قيمة مضافة، خاصة وأنه من الصعب محاسبة الطالب على عدم التحاقه بالمنصة، نظرا للصعوبات التقنية التي تواجه الأغلبية منهم.
-  بالحديث عن الصعوبات التقنية، ماذا تقترح لتذليلها؟
 الصعوبات التقنية محك مهم في الموضوع برمته. فبالعودة إلى المرجع الوطني لضمان الجودة الداخلية في مؤسسات التعليم العالي، نجد أن معيار التكوين ت231 يؤكد على استعمال الأساتذة تكنولوجيات الإعلام والاتصال في العلمية التعليمية، وهذا الاستعمال يتطلب شقين؛ شق يتعلق بالتكوين سبق الحديث عنه، وشق يتعلق بتوفر التقنية، ولا يتحقق هذا المعيار إلا بتوفرها. ونقصد بالتقنية هنا، توفر تدفق الأنترنت المناسب وتوفر جهاز العرض والتفاعل المناسب أيضا. والحقيقة أنه من الغرابة ألا نجد عروض أنترنت خاصة يستفيد منها الأساتذة الباحثون والطلبة، خاصة أن الأنترنت صارت جزءاً من صميم عمل الأساتذة وفي صلب دراسة الطلبة، لذا يقترح كثير من الأساتذة توفير عروض أنترنت ملائمة لمستجدات عملهم، وتوفير مثلها للطلبة كذلك كي يتسنى لهم التفاعل كما يجب مع المساقات التي تستهدفهم على المنصات الرقمية الرسمية، كما يقترحون على الوزارة الوصية توقيع اتفاقيات مع مؤسسات وطنية تستطيع توفير ألواح تعليمية للطلبة بأسعار مناسبة لهم، لأن استعمال الهواتف الشخصية في العملية التعليمية يحتوى على عوامل تشتيت ذهني لا يتسع المجال هنا لذكرها، وهي عوامل تشوه مخرجات ضمان الجودة في نهاية الأمر.