طباعة هذه الصفحة

العقار الصناعي في طريق التّسوية.. خبراء لـ «الشعب»:

الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال.. إلى السرعة القصوى

سفيان حشيفة

 

استقطــــــــاب اليـــــــد العاملـــــــــــة وزيــــــــــادة معـــــــــــــدلات النمــــــــــــــــو والتصـــــــــــــــديـــــــــــــــر
استرجاع العقارات والأوعية غير المستغلة قبل الشروع في تهيئة فضاءات جديــــدة

يتطلّع رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، إلى الرفع من وتيرة المشاريع الاستثمارية وتحسين مناخ الأعمال والاستثمار في البلاد، يعكسه حرصه على تسجيل 10500 مشروع استثماري جديد على مستوى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار هذا العام، بدأ العمل والإنتاج فعليا في كثير منها.

أجمع خبراء اقتصاديون على نجاعة خطط السلطات الجزائرية في تسوية ملف العقار الصناعي الموجّه لقطاع الاستثمار، باعتباره عاملا مهما جدا في استقطاب رؤوس الأموال والمشاريع الاستثمارية وضمان تنفيذها وتجسيدها على أرض الواقع، وهو ما يشي بتحقيق الغايات الاقتصادية الوطنية الخاصة بتنويع مصادر الدخل الوطني والخلاص قريبا من التبعية لقطاع المحروقات. في هذا الصدد، أكد رئيس المركز الجزائري للدراسات الاقتصادية والبحث في قضايا التنمية المحلية، الدكتور ياسين عبيدات، أن الاجتماع الذي ترأسه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، أمس الأول، بقصر المرادية، حول العقار الصناعي، يأتي في إطار حرص الرجل الأول في البلاد على متابعة التزاماته المتعلقة بتحسين بيئة ومناخ الأعمال، والدفع بملف الاستثمار إلى غاية بلوغ تجسيد 20 ألف مشروع استثماري في المدى القريب، وكذا تنفيذ مخرجات الندوة الوطنية الخاصة بإنعاش القطاع الصناعي، الهادفة الى الرفع من نسبة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الخام إلى حدود 15%. وأوضح عبيدات في تصريح خصّ به «الشعب»، أن العقار الصناعي يمثل شريانا حيويا للنشاط الاقتصادي، حيث تكمن أهميته في كونه أحد عوامل جذب الاستثمار واستقطاب اليد العاملة وتعزيز الإنتاج الوطني، وزيادة معدلات النمو والتصدير واستقطاب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية، بالإضافة إلى تحقيق التنويع الاقتصادي المنشود للخروج من دائرة ريع المحروقات.
جهود حثيثة مبذولة
اعتبر ياسين عبيدات، أن المنظومة القانونية الجديدة للاستثمار ومختلف النصوص التطبيقية، هيأت للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار مهامّ إعداد واقتراح مخطط الاستثمار على الصعيدين الوطني والمحلّي، وتصميم عمليات حشد رؤوس الأموال اللازمة لإنجازها وتنفيذها. كما أن تكليفها بعملية توزيع العقار الصناعي سيقضي على ضبابية تسيير الملف وعلى الانحرافات الخطيرة التي شهدتها الفترة السابقة، لاسيما مع اعتماد الرقمنة وإشهار الوفرة العقارية بالمنصة الرقمية. وأضاف عبيدات، أن الجهود الحثيثة والكبيرة المبذولة من طرف الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، سمحت بتسجيل أكثر من 10 آلاف مشروع استثماري جديد، وهناك حجم طلبات كبير من طرف المستثمرين على العقار الصناعي الذي يشكل أكثر من نصف الطلبات، وهو ما يستدعي العمل على زيادة حجم العرض العقاري لضمان الوفرة المطلوبة من المتعاملين الاقتصاديين. وتتطلب المرحلة الحالية استرجاع العقارات والأوعية غير المستغلة قبل الشروع في تهيئة فضاءات جديدة، خاصة بعد استكمال عملية إحصائها وجردها سابقا من طرف اللجان الولائية المكلفة بعملية تطهير العقار الاقتصادي، واسترجاع أغلبها عن طريق القضاء، يليه التنسيق مع الوكالة الوطنية للعقار الصناعي التي تمّ وضعها تحت وصاية وزارة الصناعة، وتفعيل دورها قصد الانطلاق في عملية التهيئة الداخلية للمناطق الصناعية ومناطق النشاطات والحظائر التكنولوجية وربطها بالطرق والشبكات المختلفة لضمان الوفرة العقارية اللازمة، وتسليمها للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار قصد وضعها في المنصة الرقمية، ثمّ الشروع في تسجيل وتجسيد مشاريع استثمارية جديدة في كافة المجالات الإنتاجية، بحسب قوله.
كما دعا عبيدات إلى استحداث بنك معلومات وطني، وبطاقية وطنية خاصة بالعقار الصناعي والمتعاملين الاقتصاديين الموطّنين لمشاريع استثمارية، والعمل على تسيير هذا الملف بعقلانية حتى لا يتم تبذير منحه واستنزافه، فضلا عن استرجاع الأوعية العقارية من الأصول الفائضة والأصول المتبقية لتحسين كفاءة الاستغلال وتحقيق القيمة المضافة المنشودة.
توطين المشاريع الاستثمارية
أبرز الباحث المهتم بالشؤون الاقتصادية فريد مالكي، أن سياسة التنويع الاقتصادي أحد الأهداف الاستراتيجية التي تبنتها الجزائر منذ اعتلاء رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون سدة الحكم نهاية 2019م، الذي أقّر خططا جديدة للتنمية الاقتصادية، قائمة على القواعد الإنتاجية الداخلية الوطنية، وتشجيع النمو في قطاعات أخرى خارج المحروقات، وذلك بهدف التقليل من التأثيرات السلبية للأزمات والصدمات الخارجية المحتملة وعدم اعتماد النمو على قطاع واحد.
وأفاد مالكي في اتصال مع «الشعب»، أن الجزائر أدرکت أهمية استراتيجيات التنويع الاقتصادي، من خلال توفير العقار الصناعي وتوطين الاستثمارات في مختلف الميادين الإنتاجية، بغرض تجنب المشاکل الناتجة عن عدم ديمومة واستقرار الإيرادات النفطية، وتحقيق التنوع في هيکلها الداخلي الاقتصادي، وبالتالي تنويع مصادر الدخل الوطني، وتخفيض الاعتماد على المحروقات کمصدر وحيد للدخل، وهو ما يتطلب التحول من نموذج النمو الحالي إلى نموذج نمو بديل يقوم على التنمية المتوازنة والمستدامة.
ووفقا للمصدر ذاته، تعي السلطات الجزائرية أهمية العقار الصناعي المؤهل لاحتضان مشاريع إنتاجية مدرة للثروة، ودوره في استقطاب المستثمرين حاملي المشاريع ذات الجودة العالية التي من شأنها تحقيق تنمية اقتصادية صلبة ومستدامة، ودفع عجلة الاستثمار نحو تحقيق الأهداف المحددة للتحرر من التبعية لقطاع المحروقات الذي رهن وتيرة النمو الوطنية وجعلها عرضة لتقلبات الأسعار في الأسواق الدولية.
وقد جرى تشريع منظومة قانونية عقارية متميزة في الجزائر، واعتماد برامج إصلاح اقتصادية هامة، تهدف في مجملها إلى توفير وتهيئة وإنجاز مواقع عقارية صناعية متنوعة، سواءً داخل المناطق الحضرية أو خارجها، من أجل إنجاز المشاريع الاستثمارية وتجسيدها على أرض الواقع في آجالها المحددة، مثلما أضاف مالكي. وأردف بالقول: «يشكل العقار الصناعي عاملا مهما في استقطاب المشاريع الاستثمارية، لذلك اهتمت السلطات الجزائرية، في إطار مختلف سياساتها، بتطوير وترقية الاستثمار وتحقيق التنمية الاقتصادية، ومحاولة توفير المواقع العقارية المهيأة لاستقبال النشاطات الصناعية، وهذا بغية تلبية الحاجيات لكل المتعاملين الاقتصاديين العموميين والخواص، الوطنيين والأجانب، قصد تجسيد مشاريعهم الاستثمارية المنتجة في الميدان».
الجزائر اتّبعت سياسة انفتاح اقتصادي كأساس لتشجيع بيئة الاستثمار، واستغلال الثروات الوطنية بشكلٍ أمثل، وجلب رؤوس الأموال، من خلال توفير الضمانات والحوافز، ومنح الامتيازات المختلفة، وتهيئة المناخ المناسب للأعمال، وإطلاق الحرية للخواص في مزاولة الأنشطة المعززة لنمو الاقتصاد الوطني خارج نطاق البترول، وإعادة الاعتبار لآليات السوق كأداة رئيسية في ضبط النشاطات الاقتصادية، يضيف الباحث المهتم بالشؤون الاقتصادية فريد مالكي.