طباعة هذه الصفحة

احتضان القمة العربية يعيد لها دورها المؤثر

دبلوماسيـة الجـزائر تصنع المستحـيل وتجمـع الفـرقاء

 مواقف ثابتة..دعم مقدس للشعوب والحوار الطريق الوحيد لحلّ النزاعات

باحتضانها للقمة العربية في الفاتح نوفمبر المقبل، تكون الجزائر بقيادة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، قد نجحت في استعادة وتكريس دورها الطبيعي والمؤثر على المستوى العربي عبر دبلوماسية نشطة تعمل على تعزيز سبل التعاون وتوحيد الرؤى بشأن عديد القضايا والتحديات التي تواجه المنطقة.

بالرغم من تداعيات جائحة كورونا في الحد من حركة التنقل، إلا أن الجزائر عملت خلال السنوات الثلاث الأخيرة على تكثيف جهودها من أجل تعزيز تعاونها مع البلدان العربية، وكذا مساعيها الحثيثة للمساهمة في تسوية الأزمات التي تعرفها المنطقة لاسيما في ليبيا واليمن وسوريا، علاوة على دورها المعهود والثابت من أجل نصرة القضية الفلسطينية العادلة.
وبالعودة إلى القضية الفلسطينية، فقد كانت الذكرى الـ60 لاسترجاع السيادة الوطنية مناسبة سانحة لرئيس الجمهورية ليجمع في لقاء تاريخي بالجزائر العاصمة بين الرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، وذلك بعد فتور طال سنوات عديدة.
وهي الجهود التي كللت بعقد مؤتمر «لمّ الشمل من أجل تحقيق الوحدة الفلسطينية» احتضنته الجزائر من 11 إلى 13 أكتوبر الجاري، توج بالتوقيع على «إعلان الجزائر» الذي سيكون بمثابة أرضية صلبة لتحقيق الوحدة بين مختلف الفصائل الفلسطينية.
وقبل ذلك، كانت الجزائر استقبلت خلال شهر ديسمبر من سنة 2021 الرئيس عباس، في زيارة أكد الرئيس تبون بمناسبتها أن الجزائر تسعى جاهدة إلى وضع القضية الفلسطينية في «صلب أولويات» القمة العربية، معربا عن أمله في أن يكون هذا الحدث الهام «شاملا وجامعا» وأن يشكل «انطلاقة جديدة للعمل العربي المشترك».
وجدد رئيس الجمهورية بالمناسبة، التأكيد على أن «الجزائر ستبقى وفية لمبادئها الأصيلة، الداعية إلى إعلاء الحق ونصرة المظلومين مهما طال الزمن ومهما كان الثمن»، لافتا إلى أن احتضان الجزائر للقضية الفلسطينية المقدسة والدفاع عنها في كل المحافل الدولية والإقليمية «يشكل بالنسبة لنا مسألة وفاء قبل كل شيء».
كما أكدت الجزائر في عديد المرات على لسان رئيسها موقفها الثابت، الداعم للشعب الليبي، كان آخرها بمناسبة لقاء الحكومة بالولاة، حيث جدد «تضامن الجزائر مع الأشقاء الليبيين، حتى يعود الاستقرار إلى هذا البلد وتعود ثروات ليبيا لليبيين»، مؤكدا أن «الحل الوحيد للوضع في ليبيا هو الانتخابات».
وأضاف بهذا الخصوص، أنه «في ظل عدم وجود شرعية الصندوق نكتفي -كما قال- بالشرعية الدولية، وهو ما يقرره مجلس الأمن الدولي»، منتقدا محاولات البعض «تشكيل حكومة موازية غير التي يعترف بها المجتمع الدولي وهي حكومة الوفاق الوطني».    
وفيما يتعلق بالأزمة في اليمن، دعت الجزائر إلى الحوار بين الأطراف اليمنية، مع التذكير دوما بمبادئ سياستها الخارجية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ورفض التدخل الأجنبي في النزاعات الداخلية.
وبخصوص سوريا، فإن التواصل بين الجزائر ودمشق لم ينقطع، لاسيما وأن الجزائر تتطلع دوما لكي يستعيد هذا البلد أمنه واستقراره ويسترجع مكانته الطبيعية على الساحتين الإقليمية والدولية.
وفي سياق ذي صلة، تساهم الجزائر في الجهد الجماعي لتسوية النزاع بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة، الذي شيدته أديس أبابا على نهر النيل الأزرق، وذلك من خلال سعيها الحثيث لتقريب وجهات النظر وإرساء الثقة بين الأطراف المتنازعة، والعمل على مساعدتها لتجاوز الخلافات بخصوص هذا الملف.
على صعيد علاقة العالم العربي بدول وقضايا العالم، تحظى الجزائر بمكانة مرموقة بالنظر إلى حنكة دبلوماسيتها وتجربتها التي اكتسبتها طوال عقود من الزمن. ويتجلى ذلك في إسهامها لحل العديد من الملفات الشائكة، وهو ما تقوم به ضمن مجموعة الاتصال الوزارية العربية حول «الأزمة في أوكرانيا»، التي أنشئت بموجب قرار من المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية شهر مارس 2022 والتي تضم إلى جانب الجزائر كلا من مصر، الأردن، السودان، العراق والإمارات العربية المتحدة.

من أجل علاقات ثنائية تخدم الشعوب    

على مستوى العلاقات الثنائية، سعت الجزائر خلال السنوات الأخيرة إلى بعث وتعزيز علاقاتها مع البلدان العربية، حيث استهل رئيس الجمهورية عهدته الرئاسية بزيارة دولة إلى المملكة العربية السعودية في فبراير 2020 بدعوة من خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حيث بحث معه سبل تعزيز التعاون الثنائي وكذا التنسيق والتشاور بخصوص القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وبالرغم من آثار كوفيد-19 الذي حال دون استمرار مثل هذه الزيارات، إلا أن الرئيس تبون وبمجرد بداية الانفراج، كان له نشاط مكثف بالمنطقة العربية، حيث قام بزيارة دولة إلى تونس شهر ديسمبر 2021، كللت بالتوقيع على 27 اتفاقية ومذكرة تعاون ناهيك عن مناقشة عديد القضايا ذات الاهتمام المشترك.
كما زار الرئيس تبون بعدها مصر في يناير 2022، قبل أن تستقبل الجزائر رئيس مجلس وزراء هذا البلد وذلك بمناسبة انعقاد أشغال الدورة الـ8 للجنة العليا المشتركة الجزائرية-المصرية، التي توجت هي الأخرى بالتوقيع على عدد من اتفاقيات التعاون، وكانت أيضا محطة لإجراء تقييم «شامل وموضوعي» للتعاون بين البلدين واستحضار ما تم تحقيقه وإنجازه قصد تدعيمه.
وبعد هذه المحطة، قام رئيس الجمهورية خلال شهر فبراير الماضي، بزيارة إلى كل من قطر والكويت، تم خلالهما التأكيد على تعزيز التعاون الثنائي ودعم هاتين الدولتين الشقيقتين لمساعي إنجاح القمة العربية. كما كانت فرصة للتأكيد على توافق وجهات النظر على المستوى الثنائي حول القضايا الإقليمية والدولية، لاسيما تلك المتعلقة بالدول العربية.
وعلاوة على نشاط رئيس الجمهورية، كان للدبلوماسية الجزائرية ممثلة على وجه الخصوص في وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة، زيارات مكوكية إلى مختلف البلدان العربية، لاسيما خلال هذه السنة، يندرج معظمها في إطار تعزيز التعاون الثنائي من جهة والتحضير والتنسيق لانعقاد القمة العربية وضمان نجاحها بلمّ شمل العرب من جهة أخرى، ناهيك عن استقبال الجزائر خلال هذه الفترة للعديد من المسؤولين والقادة العرب.
ويأتي النشاط الملحوظ للدبلوماسية الجزائرية على المستوى العربي، متزامنا مع عودتها إفريقيا ودوليا، وذلك كنتيجة لقرار الرئيس تبون بإعطاء دفع جديد لهذه الدبلوماسية من خلال استحداث سبعة مناصب لمبعوثين خاصين تحت السلطة المباشرة لوزير الشؤون الخارجية، لتكليفهم بقيادة النشاط الدولي للجزائر وفق محاور هامة، تتعلق بجهود أساسية تعكس مصالحها من بينها ملف الدول العربية.

جهود حثيثة لتوحيد الصف العربي

تبذل الجزائر تحت قيادة الرئيس تبون، جهودا حثيثة للمّ الشمل وتوحيد الصف العربي من خلال تفعيل آليتها الدبلوماسية لتشكل القمة العربية القادمة، التي تستضيفها في الذكرى الـ 68 لاندلاع ثورة التحرير المجيدة، بأبعادها التاريخية ودلالتها القومية، استحقاقا هاما لاستعادة اللحمة العربية، بما يخدم مصالح الأمة العربية في مثل هذه الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم.
وتعتمد الجزائر في مساعيها على مجموعة من الأسس والمبادئ، أهمها الحياد، علاقاتها المتوازنة مع الدول العربية، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، حل النزعات بالطرق السلمية ودعم حق الشعوب المستضعفة في تقرير مصيرها.
كما تعتمد الجزائر في ذلك على مصداقية ونزاهة دبلوماسيتها، التي تخول لها لأن تقوم بدور الوسيط في حل مختلف الأزمات وتسوية النزاعات الشائكة بفضل الوسطية والحياد، مثلما أكده رئيس الجمهورية أكثر من مرة.
وفي هذا الإطار، أكد الرئيس تبون في أحد لقاءاته الدورية مع ممثلي الصحافة الوطنية أن «كل الأشقاء العرب ينتظرون القمة نظرا لسياسة الجزائر القائمة على البقاء على مسافة واحدة بين الفرقاء وعدم تسببها في سكب الزيت على النار لإثارة الفتن بين الدول، بل تحاول لمّ الشمل بين الدول قدر المستطاع».
ولعل الترحيب العربي الواسع بالدعوات التي وجهها رئيس الجمهورية الى القادة العرب عبر مبعوثيه الى مختلف العواصم العربية لحضور القمة، دليل على الثقة الكبيرة في قدرة القيادة الجزائرية على حلحلة الخلافات وتسوية النزاعات وإرجاع المجموعة العربية الى مكانتها على الساحة الدولية.
وكان الرئيس تبون قد أبرز في حوار مع قناة «روسيا اليوم» في 2020 أن عودة الدبلوماسية الجزائرية «مطلب شعبي نابع من إيمان متأصل من أجل لمّ شمل الفرقاء والأشقاء بالأخص»، مضيفا: «من الصعب علينا أن نرى شعبا عربيا يتألم ونحن موجودون ونفس الشأن بالنسبة للشعوب غير العربية»، لافتا الى أن الجزائر «تحوز في هذا المجال رصيدا تحسد عليه، لاسيما ما تعلق بالوساطة بين الفرقاء وذلك منذ الاستقلال».

سجل حافل في لمّ الشمل

سجلت الجزائر بثقلها الدبلوماسي وإرثها التاريخي، إسمها بأحرف من ذهب في التاريخ العربي المعاصر، بعد أن كسبت رهان اعتراف الأمم المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية سنة 1974، ثم احتضانها إعلان دولة فلسطين في 15 نوفمبر 1988، ناهيك عن دورها الرئيسي في حل النزاع الحدودي بين العراق وإيران سنة 1975، ثم وساطتها مرة ثانية بين البلدين الجارين، في حالة حرب آنذاك، ما أدى إلى استشهاد وزير الخارجية محمد الصديق بن يحيى ومجموعة من الدبلوماسيين، في حادث تحطم الطائرة التي كانت تقلهم إلى طهران في 3 ماي 1982، في إطار مهمة مصالحة.
ومنذ اندلاع الأزمة في ليبيا عام 2011، ترافع الجزائر لتسوية النزاع بالطرق السلمية، كما تشدد على ضرورة الحفاظ على سيادة ليبيا ووحدة أراضيها، وترفض جملة وتفصيلا التدخل الأجنبي في هذا البلد.
كما سجلت الجزائر حضورها في مساعي تسوية الازمة اليمنية، حيث دعت إلى الحوار بين الأطراف المتنازعة مع التذكير بمبادئ سياستها الخارجية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ورفض التدخل الأجنبي.
ووفاء لعقيدتها وثباتا لمواقفها في نصرة فلسطين، تواصل الجزائر دفاعها المستميت عن حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.