طباعة هذه الصفحة

المناطــق الزراعيـة الصحراويـة

مزايـــا الجغرافيــا.. أرضيـة لتطويـــر الإنتاج غـــير الموسمـي

ورقلة: إيمان كافي

سعت الجزائر منذ الاستقلال، إلى النهوض بالقطاع الفلاحي، من خلال عدة سياسات تنموية، اعتمدتها الحكومات المتعاقبة، نظرا للإمكانات الكبيرة التي يتوفر عليها من موارد طبيعية وبشرية ونباتية وحيوانية، تؤهله للدفع بعجلة التنمية عن طريق زيادة الناتج الداخلي الخام ونصيب الفرد منه وتوفير مناصب الشغل للسكان، خاصة في المناطق الريفية.


يرى الدكتور جمال جعفري، أستاذ الاقتصاد بجامعة المدية، أن الأمن الغذائي يعد من بين أهم العوامل التي تساهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي، حيث أصبح يشكل مصدر قلق لمختلف البلدان، وكذا هدفاً استراتيجياً تسعى جميع السياسات الاقتصادية والخطط التنموية إلى تحقيقه. مؤكدا في السياق، أنه “إذا تحقق هذا المبتغى يكون بإمكان القطاع الفلاحي قيادة كثير من القطاعات الأخرى من خلال تشابكه مع هذه القطاعات (خاصة الصناعية منها).
ولكن بالنظر إلى كثير من المعطيات الإحصائية التي تخص القطاع الفلاحي، نجد أنه ما يزال يعاني من قصور في الإنتاج الفلاحي، خاصة ما تعلق بالغذاء، بالرغم من الإصلاحات التي باشرتها الجزائر على مستوى هذا القطاع منذ بداية الألفية الثالثة، مما يدل على استمرارية تبعية الاقتصاد الجزائري لقطاع النفط.
من هنا أكد الدكتور جعفري، أنه أصبح من الضروري إعطاء أهمية قصوى للزراعة الصحراوية، لما تكتسيه من قدرات هائلة، من شأنها تطوير القطاع الزراعي، حيث تزخر المناطق الصحراوية بموارد وإمكانات كبيرة قادرة على تلبية الاحتياجات الخاصة بها، من حيث فرص العمل والاحتياجات الغذائية للسكان، كما تلعب دورًا مهمًّا في تحسين الأمن الغذائي.
وأشار محدثنا، إلى أن الظروف المناخية الزراعية في مناطق الأطلس الصحراوي، والصحراء السفلى (بسكرة والوادي) وحتى وسط الصحراء (ورقلة وغرداية)، تتيح الفرصة لتطوير شعب الإنتاج غير الموسمية، حيث يمكن لهذه الشعب أن تعزز مصادر تزويد المراكز الحضرية الكبيرة في الشمال بالخضروات، بما في ذلك البطاطس.
وقد سمح، كما ذكر، وضع برامج مختلفة لتنمية المناطق الجنوبية من قبل الوزارة الوصية، بتلبية الشروط اللازمة لتوفير فرص العمل وتحسين الظروف المعيشية ودخل سكان الريف، ومن بين المؤشرات الرئيسية التي تبين أهمية الصحراء في الاقتصاد الفلاحي الوطني، نذكر عشر ولايات صحراوية وهي أدرار، بشار، بسكرة، الوادي، غرداية، إليزي، الأغواط، ورقلة، تمنراست وتندوف وكذلك أربع عشرة منطقة طبيعية: الضاية، الزيبان، وادي ريغ، وادي ميزاب، القصور، ميزاب، ورقلة، قورارة، الساورة، توات، طاسيلي وتديكلت.
كما أن إجمالي السكان النشطين 1.203.725 نسمة، من بينهم 465.177 فلاح وبالنسبة للموارد الطبيعية، تبلغ المساحة القابلة للاستصلاح حوالي 1.4 مليون هكتار وتتوزع على المناطق الكبيرة التي كانت محل دراسات في واحات النخيل القديمة في الوادي، وتوات، قورارة وتيديكلت، بالإضافة إلى المحيطات الجديدة قاسي الطويل بحاسي مسعود، عين أمناس والعبادلة.
وتقدر الإمكانات القابلة للاستغلال في ما يخص الثروة المائية، بحسب النموذج العددي لنظام طبقات المياه الجوفية في الصحراء الشمالية (SASS) بنحو 1.6 مليار متر مكعب بحلول عام 2050، أما الطاقات المتجددة، فتتمثل في الطاقة الشمسية بقدرة 9 تيراواط ساعة/سنة، وطاقة الرياح بقدرة 35 تيراواط ساعة/سنة والطاقة الحرارية الأرضية وطبقات المياه الدافئة (ALBIEN).
كل هذه الإمكانات المتوفرة في المياه والتربة والطاقة، بالإضافة إلى توحيد المناطق الإنتاجية الحالية، تسمح بإنشاء مناطق جديدة على المدى المتوسط، بزيادة الإنتاج بنسبة 30٪ فيما يخص الخضروات والحبوب واللحوم الحمراء وذلك مقارنة بالمستويات المسجلة في السنوات الأخيرة، بحسب وزارة الفلاحة، يقول الدكتور جمال جعفري. وبالتالي، فإن النهوض بهذا القطاع الاستراتيجي في الصحراء يحتاج، بحسب محدثنا، إلى دعم من الدولة من خلال تزويد هذه المناطق بالكهرباء وشق الطرق وتخفيف الإجراءات البيروقراطية للاستثمار، سواء تعلق الأمر باستصلاح الأراضي أو إقامة مصانع تحويل الإنتاج الزراعي وفتح أبواب التصدير وتشجيع الشباب على الانتقال إلى الجنوب من خلال تقديم التحفيزات والامتيازات والإمكانات.
كما أن التجارب أثبتت أنه يمكن زراعة كل المنتجات الفلاحية في الصحراء، وبجودة عالية في ظل عدم الاعتماد على المواد والأسمدة الكيماوية بشكل واسع، ما يمنحها صفة المنتجات العضوية.
فقد حان الوقت لأن تلتفت السلطات إلى هذه المناطق التي عانت التهميش، وجعلها مناطق للحياة الكريمة ولخلق الثروة، مع ضرورة إجراء جرد دقيق للأراضي الزراعية والموارد المائية الجوفية ونوعيتها، من أجل وضع سياسات مشجعة تضمن تحقيق الأمن الغذائي، خاصة إذا ما تم الاعتماد على التكنولوجيا الزراعية وعلى رأسها الزراعة الذكية.
مقدرات كبيرة وآفاق واعدة
تحولت المناطق الزراعية الصحراوية في السنوات الأخيرة، إلى مهد للزراعات الاستراتيجية، بفضل منحها العناية التي تستحقها ووعي السلطات الجزائرية بضرورة التحول الاقتصادي الشامل نحو قطاعات منتجة خارج مجال المحروقات. كما أن الاهتمام بقطاع الزراعة جاء كنتيجة حتمية لتأثيرات جائحة كورونا، التي مست العديد من القطاعات على المستوى الدولي، حيث أدركت الجزائر ضرورة التخطيط لبلوغ هدف تحقيق أمنها الغذائي المستدام، كما أكد الدكتور صالح خويلدات، أستاذ الاقتصاد بجامعة ورقلة.
أشار المتحدث، أن الإيرادات الزراعية شكلت خلال السداسي الثاني من سنة 2020 حوالي 14,1٪ من الناتج المحلي، كما وظف القطاع حوالي 2,6 مليون شخص وهو ما يشكل حوالي 20٪ من القوة العاملة في الجزائر، بحسب جهات دولية مهتمة بالزراعة.
واعتبر الدكتور خويلدات، بأن الأمن الغذائي مرتبط بالقطاع الزراعي والفلاحي ويعتمد بالأساس على المزايا النسبية الجغرافية لعدة ولايات، ولعل أهمها الولايات الجنوبية، خصوصا ولايات ورقلة، الوادي، غرداية والولايات الجديدة كتوقرت والمنيعة وذلك نتيجة لتوفر عدة مقدرات وعوامل، مثل معدلات سطوع الشمس وتوافر المياه وسهولة الوصول إليها، أيضا توافر اليد العاملة المتخصصة، فضلا عن قرب هذه الولايات من مناطق شمال البلاد وجنوبها.

وذكر أن تحقيق الأمن الغذائي انطلق من مشاريع الدعم الفلاحي لمناطق الجنوب، وذلك من خلال تعزيز المنظومة المالية لتسهيل وتشجيع الفلاحة المكثفة والمستمرة، حيث وجهت للفلاحين بعض القروض كقرض “الرفيق” والقرض الاستثماري “التحدي” وساهم هذا الدعم المالي والإداري في إنعاش القطاع الزراعي عبر هذه المناطق.
وأضاف، أن المساحات الزراعية في ولاية ورقلة قابلة للتوسيع، حيث أشارت إحصائيات مديرية الفلاحة إلى أنه من المحتمل توسيع مساحة زراعة الحبوب الموسم 2022- 2023 لتصل إلى 4000 هكتار، عوض 3000 هكتار، خاصة في ظل دعم شبكات الكهرباء ومنح الاعتماد للاستصلاح الفلاحي في العديد من الأقطاب الفلاحية.
من جانبه رئيس الغرفة الفلاحية لولاية ورقلة موسى حماني، أشار في حديثه لـ “الشعب” إلى أن ولاية ورقلة تعد قطبا فلاحيا في الحبوب، معتبرا أن المساحات الموزعة في إطار ديوان تطوير الزراعات الصناعية بالأراضي الصحراوية كبيرة، بالإضافة إلى عمليات الربط بالكهرباء الفلاحية في إطار مشروع رئيس الجمهورية وتطور تقنيات السقي الفلاحي، هذه كلها عوامل، يقول رئيس الغرفة، ساهمت في تحقيق نتائج مشجعة جدا ومن المرتقب أن تساهم في تخصيص 150 ألف هكتار من الحبوب كزراعة استراتيجية، خاصة أن الدولة تولي أهمية كبيرة لولاية ورقلة في زراعة الحبوب، زيادة على النخيل.
وفي المستقبل القريب، هناك مجال لانطلاق مشاريع في الصناعات التحويلية، منها الشمندر السكري، السلجم الزيتي وصناعة الأعلاف وغيرها.. وهو ما يؤكد على التوجه بقوة نحو الصناعات التحويلية، بالاعتماد على الإمكانات المتوفرة على مستوى هذه الولاية.
هذه المزايا ساهمت في نجاح الزراعات الاستراتيجية بنسبة كبيرة عبر ولاية ورقلة، حيث استطاع، بحسب المتحدث، أحد المستثمرين هذه السنة تحقيق إنتاج 74 قنطارا في الهكتار في زراعة الحبوب، مشيرا إلى أن تحقيق الأهداف، بالنظر لمقدرات الولايات الجنوبية، بما فيها ولاية ورقلة قريب جدا ويتطلب تكوين الإطارات في مجال إنتاج الحبوب حتى يمكنهم مرافقة الفلاحين، كما أكد على أن تطبيق تعليمات الوصاية سيقربنا من تحقيق هدف الاكتفاء الذاتي، مضيفا في السياق أن هناك مساعي لبلوغ مليون هكتار في محاصيل استراتيجية بالجنوب.