طباعة هذه الصفحة

قصر “وارواروط” ببني عباس

هنا بدائع القصور الحمراء..

حبيبة غريب

تعد القصور الصحراوية، أو القصور الحمراء، من بين المعالم التاريخية والتراثية الرائعة التي تزخر بها مناطق عديدة من الجنوب الجزائري الكبير، وتتميز بعمارتها الفريدة من نوعها، كما تتميّز بالاعتماد في بنائها على هندسة مركبة وذكية تسمح بتلطيف حرارة الصيف وبرودة ليالي الشتاء، والحماية من الزوابع والعواصف الرملية التي تضرب الصحراء بصفة دورية، وهي أيضا مجمعات سكنية تحمل تاريخا طويلا وتراثا يمكن الاستفادة منه في تطوير السياحة الصحراوية والثقافية والدينية.

تشهد كثير من القصور الصحراوية اليوم، بكل من بشار وبني عباس وأدرار وتيميمون والمنيعة وغرداية وورقلة والأغواط والبيض وغيرها من المناطق، عمليات ترميم وإعادة تهيئة، تقوم بها جمعيات محلية بمعية السلطات العمومية، للحفاظ على هذه المعالم الحاملة لذاكرة الإنسان الصحراوي، وحمايتها من الانهيار والزوال وعمليات التخريب.
من قصر ودغاغ بأدرار الذي تقوم جمعية “تغجمت” لحماية الفقارة بترميمه، وإعادة تهيئته، وانطلاقا من مسجده العتيق، مرورا بقصر تينركوك بولاية تيميمون الذي سيحتضن بعد ترميمه وتجهيزه، صرحا لأول مدينة سينمائية جزائرية بمعايير عالمية، وصولا إلى قصر “وارواروط” ببني عباس الذي تحول إلى نزل سياحي صحراوي، يستقبل سنويا آلاف الزوار والسياح، بعد أن كان عرضة للتخريب، وجنى عليه الإهمال على مدى يتجاوز 15 سنة.
بقي هذا القصر كالصخر، يتحدى بشموخ مؤثرات المناخ ووقع الزمن، فحين هجر معظم سكان البنايات المجاورة ديارهم نازحين نحو المدينة، طلبا لبعض الرفاه والتغيير، تاركين وراءهم بيوتا موصدة الأبواب والنوافذ، أسقفها وجدرانها مهترئة مهددة بالانهيار مع هبوب كل عاصفة رملية، أو مرور كل سحابة ماطرة..  بقي القصر قائما بفضل جهود أبنائه الغيورين على تاريخ المنطقة وعراقتها، والساعين إلى الحفاظ على معالمها وطابعها السّياحي.
«وارواروط”..  كلمة بالبربرية تعني “المنطقة الخضراء في الصحراء”، أصبح اليوم، وبعد أكثر من قرنين ونصف قرن على تشييده، مقصدا سياحيا وفضاء يحتضن كثيرا من الأنشطة الاجتماعية والثقافية، ويستقبل الزوار والسياح والطلبة والباحثين بجود وكرم أهل منطقة بني عباس.

قرنان من الصمود..

تعتبر تجربة تحويل قصر “وارواروط” إلى نزل ومزار للسياح، من بين التجارب الناجحة في مجال توظيف المعالم الأثرية كموارد اقتصادية بولاية بني عباس الفتية، وهي تجربة انطلقت من قصر ترابي يبعد عن واحة “وارواروط” بـ7 كيلوميترات.. عرف عصره الذهبي في زمن مضى، حين كانت النخيل باسقة سيقانها عاليا نحو السماء، تظلّل عراجينها المثقلة بالرطب الذهبي اللون على بساتين الفلاحين المزروعة هنا وهناك، بخضروات وأشجار مثمرة تداعب جذورها مياه السواقي الرقراقة المنعشة.
وحين جفت المياه وذبلت الخضرة واستوطن الطين والرمل المكان، هاجر الفلاحون رويدا رويدا، تاركين وراءهم الأرض بورا، والديار خرابا، فتدهورت البنايات، وانهار كثير منها، فيما حولت أخرى إلى مكبات للنفايات.
ومنذ ثمانينات القرن الماضي، ولسنوات طوال، عانى قصر”وارواروط” من الإهمال والتخريب إلى أن تأسست جمعية “وارواروط” للتضامن وإحياء التراث ببني عباس، عام 2003، وهي جمعية اجتماعية ثقافية تصب أهدافها في إطار التنمية المحلية، وقرر أعضاؤها مند البداية، إعادة أمجاد القصر وتحويله إلى مشروع سياحي ثقافي، وهكذا انطلقت رحلة الترميم ورد الاعتبار.

الغيرة على الهوّية والتراث..  تبدّد الصّعاب

تأسست جمعية “وارواروط” للتضامن وإحياء التراث ببني عباس في 19 أكتوبر 2003، وقدمت مباشرة بعد تأسيسها مشروع الترميم والتجهيز لقصر”وارواروط” الذي هجره ساكنته في أواخر الثمانينيات بحثا عن السكن العصري، يقول رئيس الجمعية عبد القادر ترمالي، ويضيف بأن جمعيته تكفلت أيضا بتنظيم وإدارة أنشطة ثقافية واجتماعية.
وحرصنا منذ البداية - يضيف ترمالي – على “احترام الخصوصيات المعمارية التقليدية للقصر، التي اعتمدت فيه خلال بنائه منذ 250 سنة، على ثلاثة أنواع من المواد الأولية، وهي الطين والركيزة والحجارة”، ويواصل محدثنا قائلا إن القصر يتميّز من الجانب الهندسي، باحتوائه على غرف كهفية محفورة داخل الجبل، وأخرى نصف كهفية، وكذا غرف مبنية بالإسمنت.
انطلقت جمعية “وارواروط” في أولى عمليات الترميم سنة 2003 بإمكاناتها الخاصة، معتمدة على التطوّع، وغيرة أبناء المنطقة على تراثهم وهويتهم، واستطاعت بعد فترة من الانطلاق تنظيم بعض الأنشطة الثقافية والاجتماعية في مختلف المناسبات.
وبما أن الجمعية ذات طابع اجتماعي وثقافي، فقد جعلت في صلب مهامها – يقول ترمالي - الحفاظ على الموروث المادي واللامادي، وتنميته من خلال تنظيم وتكثيف الأنشطة السياحية في المنطقة، وتقديم خدمات الإيواء، وتنظيم الجولات السياحية، ليصب المجهود السياحي في تثمين الموروث.

بني عبّاس..  عروس السّياحة البيئية

 في سنة 2008، أطلقت الجمعية مشروعها موسوما بعنوان: “قصور صحراوية للتنمية المستدامة: بني عباس في قلب السياحة البيئية”، وتم تمويله في إطار برنامج دعم مشاريع التنمية المحلية للجمعيات 2008-2010 المدعم من قبل الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع وزارة التضامن الوطني.
وبعد نجاح التحدي الكبير، استطاعت الجمعية في الأخير، أن توفر مقرا لها بالقصر، وأن تحل كثيرا من المشاكل التي كانت تعترض مشاريعها مثل”الاستعانة بالمطاعم المدرسية لتقديم الوجبات الجماعية”.
وشكل القصر في حلته الجديدة - بحسب ترمالي - “قلبا صلبا ومكانا قارا للتأسيس لديمومة مشاريعنا في إطار التنمية المستدامة، حيث تمكنا من 2008 إلى 2022 من تأمين استقرار البناية، وإدخال تحسينات على كل المشاريع”.