طباعة هذه الصفحة

محمد سعيدي .. عاش ورحل في صمت

سعيد بن عياد

يحتل الراحل محمد سعيدي، مكانة معتبرة في الحقل الإعلامي الوطني من خلال ممارسته لمهنة المتاعب صحافيا ومديرا لجريدة «الشعب» في أواخر الستينات والسنوات الأولى للسبعينات. للرجل بالتأكيد مسار معتبر من خلال ما تركه من انطباع طيب لدى من عايشه وواكبه من خلال مجموعة القيم والخصال التي عرف بها. لما التحقت بيومية «الشعب» منتصف الثمانينات كان اسم محمد سعيدي من بين مجموعة الأسماء التي يتداولها الزملاء من جيل الستينات والسبعينات، وتعد بمثابة قامات إعلامية لها وزنها. وبمناسبة إعداد مجلة خمسينية تأسيس جريدة «الشعب» الموافقة لسنة 2012، تكفلت بإعداد عمل صحفي مع الرجل وعنه، ولم يحالفني الحظ لمقابلته بسبب تواجده بالخارج من اجل العلاج رغم العون الملموس الذي بذله الزميل نذير بولقرون مدير جريدة «صوت الأحرار». لكن مركزه في وسط المهنيين الذين عرفوه حفزني على رسم مقالة تليق بالرجل مع التزام شديد بالموضوعية. بلا شك أن الراحل انسحب من الساحة مكتفيا بتوقيع تحاليل تنشر على منابر إعلامية وطنية قبل سنوات، مرده الشعور بشيء من الغيض أو الحسرة على ما حصل في بلادنا من تحولات عنيفة أواخر الثمانينات وبالخصوص طيلة عشرية التسعينات، وهو أمر يشعر به كل وطني غيور مهما كان اختلاف الرأي بينهم. عرفت عنه بالأساس أنه كان صاحب ثقافة عالية وقد درس بالاتحاد السوفياتي سابقا، ويقبل النقاش واختلاف الرؤى في كنف الهدوء والاحترام في وقت سادت فيه في تلك الحقبة الإيديولوجية الاشتراكية وما تركته من تباين بين التوجهات وطنيا ودوليا. إن رجالا من هذا الوزن المهني ومهما كان الاختلاف الفكري والسياسي الذي يعد مؤشر حركية ايجابية لو يتم توظيفها بشكل جيّد، يرحلون في صمت، بعيدا عن الأضواء، ومن العدل والإنصاف أن نحرص على ذكر خصالهم حتى ولو لم نقابلهم وجها لوجه أو لم نتفق مع توجهاتهم وأفكارهم، فالوطنية والتعلق بالجزائر سيّدة تحتضن أبناءها في كنف الكرامة يتنفسون الحرية بطلاقة تفرض تكريس هذا التقليد وفي كل القطاعات من اجل أن يتم نقل ثقافة التسامح للأجيال وتمتين الجدار الوطني في مواجهة أخطار محدقة يخطط لها أعداء بلادنا ومن يتربصون بخيراتنا. إن أهم حجر في أساس هذا الجدار السهر على تكريس احترام بعضنا البعض وتقدر جهود الرجال على مر الأجيال المتعاقبة ومقارنة الأمور والأعمال في زمانها. بلا شك أن الرجل قدّم ما عليه بكل التفاني والإخلاص وبالتالي يبقى في ضمير المهنة وبالذات ذاكرة صرح الإعلام الوطني. ندعو له بالرحمة والمغفرة وان يتقبله الله في جنانه ويسعه بلطفه وأن يلهم ذويه جميل الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون.