طباعة هذه الصفحة

تجريم نهب الأملاك العمومية وتغيير طبيعتها

الاعتداء على أراضي الدولة..قف

حمزة. م

 التزام آخر يتحقق.. وخطوة جديدة في مسار استعادة هيبة المؤسسات

 تتجّه الحكومة بأمر من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، لاعتماد الردع القانوني للحفاظ على أراضي الدولة، من خلال تجريم الاعتداء عليها بعقوبات تصل إلى 20 سنة سجنا نافذا، وتضع بذلك حدا لممارسات شائنة ألحقت أضرارا جسيمة بعديد القطاعات.

 يدخل مشروع القانون التمهيدي المتعلق بحماية أراضي الدولة والمحافظة عليها، ضمن حزمة القوانين الجديدة التي بادر بها الرئيس تبون، لمحاربة عديد الظواهر ذات الأضرار الجسيمة على المصلحة الوطنية.
وبعد سنّ قوانين مكافحة الجرائم المرتبطة بالأخبار الكاذبة عبر تكنولوجيات الإعلام والاتصال، والتمييز والكراهية والمضاربة غير المشروعة، جاء الدور هذه المرة على ردع التعدي على أراضي الدولة بمختلف تصنيفاتها.
وفي 31 جويلية الماضي، أعلن رئيس الجمهورية، عن سنّ قانون “يعاقب بقوة المستولين على أراضي الدولة”، وقال في حوار ممثلي الصحافة الوطنية: “نأسف أن بعض الأراضي حررناها من السكن القصديري، وقمنا بترحيل سكانها السابقين إلى شقق تتوفر على كل الضروريات، ليأتي سكان آخرون لاحتلالها بتواطؤ من بعض المسؤولين، وهذا الأمر سنقضي عليه”.
وأضاف: “سيكون هناك قانون عن قريب جدا يكون فيه العقاب وخيما لمن يستولي على أراضي الدولة بدون وجه حق”، حيث قدم وزير العدل حافظ الأختام، الأربعاء الماضي، مشروع القانون التمهيدي أمام الحكومة “يسمح بمكافحة البناءات غير القانونية المنجزة على أراضي الدولة بشكل فعّال”.
ويكرّس النص، بحسب الجهاز التنفيذي، “إطارا قانونيا يحظر ويقر عقوبات شديدة قد تصل إلى السجن لمدة 20 سنة وفرض غرامة مالية بملغ مليوني (2.000.000) دينار. لكل تعدّ على أراضي الدولة أو أفعال تؤدي إلى تدهور قيمتها أو تغيير وضعها أو طابعها”.
ويمثّل النص الجاري اعتماده، جمع الدولة، لأول مرة، بين آليتي “الحماية والتجريم”، للحفاظ على الممتلكات التابعة لها من الاستغلال غير القانوني أو التعدي، مهما كانت طبيعة الأراضي، سواء عمرانية، فلاحية أو غابية أو تدخل ضمن الشريط الساحلي البحري، إذ لا يقتصر المفهوم الشامل للنص على محاربة السكنات الفوضوية أو القصديرية.
وفي الوقت الراهن، تتوفر السلطات العمومية على مجموعة من الأدوات القانونية لحماية الأراضي والممتلكات الوطنية، التي تضمن عدم تحويل طبيعة الأرض إلا في إطار قانوني منظم (قرارات وزارية مشتركة).
ويمنع قانون التوجيه الفلاحي مثلا، كل استعمال غـير فلاحي لأرض مصنفة كأرض فلاحية أو ذات وجهة فلاحية، بينما لا تكون الأراضي الخصبة جدا أو الخصبة، محل تحويل للتصنيف، مهما كان الأمر.
في المقابل، ينتظر صدور قانون جديد لحماية الغابات، يعدل ويتمم قانون 1984، الذي ينص على تدابير حمائية للعقار الغابي، بعقوبات مشددة، تماشيا وقانون العقوبات الذي أقر سنة 2021، السجن من 10 سنوات إلى المؤبد لكل متسبب في إضرام النار في الثروة الغابية.
بينما لا تتضمن آليات حماية أراضي الدولة من البنايات الفوضوية، مسؤوليات جنائية، ويتم الاكتفاء بإلزام المعتدي بإعادة الأرض إلى حالتها الطبيعية مع غرامات مالية معينة، في وقت يستغل الفراغ القانوني المتعلق بالجهات المخولة لها بالتحري في تفشي الظاهرة مما جعل البنايات الفوضوية تنمو مثل الفطريات وفي أوقات وجيزة جدا.
الفراغ القانوني الحاصل، فجر نزاعات قانونية بين المواطنين، كونهم في الغالب الطرف المحرك للدعوى القضائية ضد المعتدين، مما يغذي الضغائن والأحقاد فيما بينهم، في وقت يفترض أن تتحرك السلطات العمومية، ممثلة في البلدية أو مصالح أملاك الدولة بشكل تلقائي.
وأشار رئيس الجمهورية، بشكل صريح إلى “تواطؤ بعض المسؤولين” في السماح بالاعتداء على أراضي الدولة، وانتشار السلوكات التي تشوه وجه المدن وتساهم في خلق أوكار جديدة للجريمة، والأخطر أن عمليات الاعتداء تتم في أراضي مصنفة فلاحية أو مناطق للتوسع السياحي، مما يتسبب تلقائيا في خسائر جسمية للاقتصاد الوطني.وينتظر أن يحدد القانون الجديد المتعلق بحماية أراضي الدولة، بدقة آليات اليقظة أو الإخطار للتصدي لكل اعتداء، وسيكون لمفتشي أملاك الدولة، دور حاسم في العملية، من خلال الصلاحيات التي ستمنح لهم في المراقبة والتفتيش وإعداد المحاضر وتحريك الدعوى القضائية.
ويدخل القانون الجديد، الذي سيعرض لاحقا على البرلمان للنقاش والمصادقة، ضمن مسار شامل أطلقه رئيس الجمهورية، لاستعادة هيبة الدولة، إذ سبق وأكد أنه “لا يوجد ديمقراطية وأمن للمواطن إلا بدولة قوية، لأن الدولة الضعيفة لا تستطيع حماية مواطنيها وستركع لقوة الغير”.