طباعة هذه الصفحة

إصلاحات وتحولات عميقة خلال ثلاث سنوات

الجزائر.. هيبةٌ وقوّة في الداخل والخارج

حمزة. م

التحضير لولوج مجموعة “بريكس” .. ونهاية عهد  طبع النقود والاستدانة

تمكّنت الجزائر، في ظرف وجيز، من ردم كثير من بؤر الضعف والاختلال، واستعادت الدور الطبيعي للدولة داخليا وخارجيا، وفق أجندة واضحة وبأهداف تتصدرها مكانة إقليمية أفضل وتأثير استراتيجي أقوى.
يكشف النظر في المرآة العاكسة لظروف البلد قبل 03 سنوات، عن كثير من الاستنتاجات؛ فبعد كل تلك الشكوك التي ارتبطت بمخاطر الانزلاق عن الشرعية الدستورية والغرق في مراحل انتقالية، أضحت الجزائر اليوم محط أنظار بفعل خطط التعافي السريع ورسم السياسات الكبرى.
وتشكل الأجواء الاستثنائية لألعاب البحر الأبيض المتوسط أو مستوى التنظيم العالي للدورة 31 للقمة العربية، محطتين لافتتين عن سرعة تغير ظروف البلاد، على جميع الأصعدة والمستويات، فمن بلد تتهدده الفوضى ويدفع به إلى هاوية المرحلة الانتقالية، تنصح بعض الجهات بعدم زيارته، إلى بلد يستضيف أكبر التظاهرات الإقليمية، رياضية أو سياسية، ومستعد لاحتضان أكبر المناسبات القارية.
الجزائر انتقلت أيضا، خلال هذه المدة، من دولة تطبع النقود وتقترب شيئا فشيئا لتسليم رقبتها مرة أخرى لقروض صندوق النقد الدولي، إلى دولة تحضر لدخول منظمة “بريكس” التي تضم البلدان سريعة النمو.
وبعدما كانت تراقب العد التنازلي لاحتياطي الصرف الذي دنا من 40 مليار دولار، أصبحت مؤسسة بروتون وودز تشيد بارتفاع مستوى الاحتياطي الخارجي، كأقوى مؤشر على استعادة التوزان الاقتصادي، رغم سنتين من جائحة كوفيد-19 التي دفعت باقتصادات عديد البلدان إلى الانهيار.
استعادة هيبة الدولة
كل شيء بدأ في 19 ديسمبر 2019، عندما باشر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الفائز بالانتخابات الرئاسية، تنفيذ برنامجه المكون من 54 التزاما، بعد أن خاض حملة انتخابية بشعار “بالتغيير ملتزمون وعليه قادرون”.
والتزامات الرئيس تبون، مدونة بالموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية، يمكن الرجوع إلى تفاصيلها في أي وقت، من قبل المواطنين أو الصحفيين أو الخبراء والمختصين في الشأن الجزائري، والمقارنة ميدانيا بما تحقق منها لحد الآن.
وكان الوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمان، قد أكد إنجاز حوالي 80٪ من التزامات رئيس الجمهورية. وقال في رده على انشغالات النواب، أثناء عرضه بيان السياسة العامة للحكومة، الشهر الماضي: “أنجزنا اليوم ما يعادل 42 التزاما من الالتزامات 54 وهي ثمار جهود الفريق الحكومي وإطارات الدولة الذين تجنبوا خطابات تثبيط الهمم والعزائم”.
وإذ تكشف آلية الالتزامات، مدى وضوح السياسة المنتهجة، يمكن حصر البرنامج الرئاسي الجاري تنفيذه، في نقطتين أساسيتين، هما استعادة هيبة الدولة ومكانة الجزائر بالخارج. وذلك من خلال ممارسة دورها الطبيعي في ضبط الحياة العامة والإنعاش الاقتصادي وإبراز الشخصية الدولية للبلاد.
ولوحظ بشكل لافت، حزم الرئيس تبون في محاربة الظواهر التي كادت أن توصل البلاد إلى الانهيار الكلي، وعلى رأسها الفساد المالي والإداري، واعتمد خطاب مصارحة الجزائريين بشأن “قوى التعطيل” المتغلغلة في بعض مفاصل هياكل المؤسسة والتي تعمل جاهدة على الترويج لفكرة “أنْ لا شيء تغير”.
وفي ظرف سنتين باشر رئيس الجمهورية، معارك مفتوحة مع مختلف مراكز النفوذ التقليدي الضيق، بدأت بلوبي الاستيراد وتضخيم الفواتير، ثم البؤر المعرقلة للاستثمار، وصولا إلى محاسبة المتسببين في إلحاق أضرار بالغة بالمؤسسات الإستراتيجية للدولة، مثلما أمر في آخر اجتماع لمجلس الوزراء بشأن شركات النقل الجوي والبحري.
وبادرت الحكومة، تنفيذا للتعليمات الرئاسية، بسنّ قوانين ردعية، وبعقوبات جد قاسية لمكافحة السلوكيات التي تضر بالمواطن وبسكينة المجتمع بشكل مباشرة، والتي أثبتت قرائن تحوزها وزارة العدل على أنها أفعال تخريبية، يقف وراءها ذوو المصالح الضيقة الرافضون للتغيير.
خلال هذه الفترة، وضعت قوانين جديدة لحماية السلك الطبي من ظاهرة الاعتداءات وأخرى لمحاربة التمييز وخطاب الكراهية والإشاعات المغرضة عبر وسائط التواصل الاجتماعي، ولعل أقواها تلك التي تخص مكافحة حرائق الغابات المضاربة غير المشروعة.
وحظيت هذه الإجراءات، بمساندة الرأي العام الوطني الذي سئم من الممارسات الأنانية التي دأبت على أخذ المواطن كرهينة من أجل الحفاظ على سلوكيات مضرة بالاقتصاد الوطني وحتى الأمن العام.
وتجسد هذه السياسة الصارمة في الالتزامين رقم 03 الذي ينص على إصلاح شامل للدولة بكل فروعها ومؤسسات الجمهورية ورقم 04 المتضمن أخلقة الحياة السياسية والحياة العامة وتعزيز الحكم الراشد.
بريق دبلوماسي
بالتزامن مع السياسة المتبعة داخليا، أطلق الرئيس تبون العنان لسياسة خارجية جادة وقوية، توازن بين الدفاع المستميت عن المصالح الوطنية والتضامن والشراكة الناجعة، سواء على الصعيدين الثنائي أو متعددة الأطراف.
ومارست الجزائر، مبدأ الندّية بشكل فعال مع بعض الدول خاصة الأوروبية منها، بشكل أدهش كثيرا من الملاحظين. غير أن الرئيس تبون، أكد أن الاحترام المتبادل “أساس العلاقات الثنائية”، يليه عامل المصالح المشتركة، مشددا على أن السيادة خط أحمر، لا يمكن المساس به مهما كانت الظروف.
في المقابل، أوضح رئيس الجمهورية أن الدور المتزايد للجزائر، في محيطها الجغرافي القريب (الساحل وليبيا)، نابع من “مكانة طبيعية” مع امتلاك القدرة لتفعيله، وقال إن “البلد لم يعد مثلما في السابق، النار مشتعلة في ليبيا ويدير وجهه للجهة المعاكسة”، مشددا على أن كل حلّ مقترح يجب أن يراعي المصالحة الوطنية ومصلحة الشعب الليبي بالضرورة.
وكان تمسّك الجزائر بمبادئها في نصرة القضايا العادلة، رغم الضغوطات والظروف الدولية المتقلّبة محل إعجاب وتقدير من قبل الشعوب العربية، التي تابعت فعاليات القمة العربية الأخيرة.
ومن المقرر أن تشكل سنة 2023، محطة أخرى لتعزيز المكانة الدولية للبلاد على صعيدي السياسة الخارجية أو الجاذبية الاقتصادية، ويمكن أن تصنع الحدث بترسيم انضمامها إلى مجموعة “بريكس”، كمؤشر على حجم التعافي الاقتصادي.