طباعة هذه الصفحة

الدكتور أحمد شنيقي:

“الرّواية ليست مسرحا.. والأعمال الحالية كارثة”

الجزائر: أسامة إفراح

يركّز البروفيسور أحمد شنيقي على مكانة الكاتب المسرحي في المشهد الدرامي الجزائري، حيث يعتبر أنه من الشائع جدا أن نقرأ في الصحف أو في العمل الأكاديمي أنّ الجزائر تعاني نقصا واضحا في النصوص الدرامية من حيث الجودة. ويعمد الإعلام والمسؤولون على القطاع في الغالب إلى تبرير مشاكل الإنتاج المسرحي باستعمال هذه الزاوية، التي يشكّك شنيقي في صدقيتها.

ويرى شنيقي أنّ نصوص المؤلّفين الجزائريين قليلة بالتّأكيد، ولكن كبديل لذلك يرى الأكاديمي الجزائري أنّه من الممكن الاستعانة بمسرحيات من الرصيد العالم، وهو المعمول به في معظم المسارح الكبرى في العالم التي غالبا ما تستعين بالنّصوص “الكلاسيكية” لتجنّب “الفقر” الحاصل في النّصوص المعاصرة.
ويرى شنيقي أنّه منذ الاستقلال، وعدد النصوص التي ألّفت بأقلام جزائرية، والتي تمّ عرضها في المسارح، غير كاف إلى حد بعيد. ويذكر شنيقي نصوصا لعبد القادر علولة، كاتب ياسين، عبد الرحمن كاكي، فطموش، بن عيسى، بن قطاف، بهاكتى، دهيمي، ويصفها بـ “المقبولة”، و«لكن أربعة أو خمسة رجال لا يمكنهم إحلال الرّبيع في أرض مصابة بالقحط”، يضيف شنيقي.
في المقابل، فإنّ الرّوائيين ليسوا مهتمين جدا بالتعبير الدرامي، وهو التعبير المعقّد إلى حد ما ويتطلّب إتقان فن المسرح، وقد تمّ تقديم بعض المحاولات الجادّة من قبل بعض الكتّاب. ويذكر شنيقي بشكل خاص مولود معمري، محمد ديب، آسيا جبار، الطاهر وطار ومحمد قاسمي، لكننا نجد ممثلين قاموا بإخراج نصوص أدبية جزائرية وتكييفها بأنفسهم للمسرح.
ويشير شنيقي إلى أنّه، في كثير من الأحيان، نجد النقاد يقعون في الخلط بين الأدب والمسرح، وهما نطاقان لا تحكمهما نفس بنى الكتابة ولا نفس المعايير. كان “سوء الفهم” هذا في أصل أعمال سيئة للغاية كتبها كتاب وشعراء عجزوا عن إخراج ما يصنع أصالة الإنتاج الدرامي، ألا وهو الحوار.
وهكذا فإنّ الممثلين والمخرجين والنقاد دائما ما يتّهمون الكتاب بـ “عدم الاهتمام” بالفعل المسرحي،ولكن شنيقي يتساءل: “كيف يمكننا إنتاج النصوص الدرامية بينما نجد أنّ العديد من الكتّاب الجزائريين يجهلون تماما تقنيات الكتابة المسرحية؟”.
ويعطي الدكتور شنيقي مثالا بالمهرجان الوطني للمسرح المحترف، الذي وقع حسبه في لبس مضلل لها أثرها الثقيل على المشهد المسرحي الجزائري، بدليل أنّ المشرفين الاثنين على النسختين الأولى والثانية من المهرجان (2006، 2007) كانا أديبين،والشيء نفسه ينطبق على جائزة مصطفى كاتب (طبعة 2008)، التي وصفها شنيقي بالفشل الذريع.
وسبق وأن انتقد الجامعي أحمد شنيقي المهرجان الوطني للمسرح المحترف، ومن ورائه واقع الفنون الدرامية بالجزائر، بل ورفض دعوته لحضور المهرجان، حيث اعتبر أنّه يفتقر إلى الحوار الجاد حول وضعية المسرح المتردية، وأنّ المهرجان حاد عن الأهداف الأولى المسطّرة له، بل ويرى فيه إهدارا للأموال العامة وغلبة لمنطق الرّيع.
وعن التغطية الصحفية للتّظاهرات المسرحية، لم يخف شنيقي امتعاضه من العمل المقدّم، حيث يقول إنّه عندما يقرأ الصحافة يحسّ وكأنه والصحفي لم يحضرا معاً نفس المسرحية. ولا ينفي وجود “بعض المحاولات الصحافية المثيرة للاهتمام”، ولكنها غير كافية حسبه. وكحل لهذه المعضلة يقترح شنيقي التكفل بالصحفيين وإرسالهم في دورات تكوينية وتدريبية في أوروبا، مؤكدا على أنّ تدخّل الدولة أمر لا غنى عنه في إدارة النشاط المسرحي في جميع جوانبه.
ويركّز الأكاديمي الجزائري على دور المجالس المحلية والجوارية، ويذكر المجالس الشعبية البلدية والولائية، وكذا الجامعات، التي يرى فيها شريكا فعّالا في إعادة تنشيط الفن الدرامي في الجزائر، خاصة وأنّه يمكن توظيفه بسهولة كأداة تعليمية، ما من شأنه أن يسهم في ترسيخ المسرح في البيئة الثقافية.
وعلى نهج الفنان عبد الحميد رابية، يتساءل الدكتور شنيقي بدوره عن مدى جودة الأعمال التي تقدمها المسارح الجهوية، التي يرى بأنها (أي المسارح الجهوية) تفتقد إلى روح المبادرة، وترزح تحت وطأة وثقل الجهاز الإداري.
وللخروج من هذا الوضع، يقترح شنيقي إعادة النظر في طريقة عمل المسارح العامة، والتركيز أكثر على الإنتاج والنشر، وبالتالي تحويل بعض الموظفين الإداريين إلى قسم الترويج والنشر. وكما هي الحال في المسارح الأوروبية، وحتى في بعض التجارب العربية، فإنّ قطاعي الإنتاج والترويج يمثلان العناصر المفتاح لمؤسسة الإنتاج المسرحي. ويبني شنيقي اقتراحه حول نوع من اللامركزية الداخلية، بمعنى إنشاء وحدتين أو ثلاث وحدات للإنتاج المستقل نسبيا، يسيّرها مخرج يصبح بذلك مديرا حقيقيا لهذا الهيكل، الذي يتوفر داخل المسرح العمومي على ميزانيته وفريقه الفني ومكاتبه. ويصير المدير العام للمسرح مسيّرا إداريا بمعنى الكلمة، يعمل على تسهيل الإجراءات للوحدات المختلفة.