طباعة هذه الصفحة

مهرجانات تدقّ ناقوس الخطر

أزمة نصّ تنبئ عن واقع أبي الفنون في الجزائر

هدى بوعطيح

لا يكاد يمرّ مهرجان للمسرح في الجزائر، إلا ويتم الإعلان فيه عن حجب جائزة من جوائز التظاهرة، قد تكون جائزة أحسن عرض متكامل، أحسن إخراج، أحسن تمثيل، أو أحسن نص، آخرها مهرجان المسرح المحترف الذي احتضنته الجزائر مؤخرا، أين تمّ حجب جائزة أحسن عرض متكامل.

المهرجان الوطني للمسرح المحترف في طبعته الـ 9، ودون سابق إنذار، دقّ ناقوس الخطر على أنّ المسرح الجزائري يستغيث، وهو بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لأجل استرجاع مكانته اللائقة به، ومواصلة مسيرة أعمدة أبي الفنون في الجزائر على رأسهم حسن الحسني، رويشد، محي الدين بشطارزي ومحمد التوري..وآخرون تركوا إرثا خالدا يكاد يندثر إذا ما تمكّن الجيل الجديد وحامل مشعل الغد من الحفاظ عليه والنّهوض بالفن الرابع.
فحجب الجائزة الأولى دليل على أنّ الأعمال المقدّمة لم ترق إلى المستوى المطلوب، بالرغم من مشاركة 17 فرقة مسرحية جاءت من مختلف ولايات الوطن، حيث أصرّت لجنة التحكيم على أنّ الأداء كان هزيلا والعروض ضعيفة، بالرغم من الإمكانيات التي تؤهّل أي مسرح في الجزائر لتقديم عمل فني محترم، يلقى إعجاب الجمهور أولا قبل لجنة التحكيم، والأدهى من ذلك أنّها قدّمت باقي جوائز المهرجان بتحفّظ كبير،  
وليست المرة الأولى التي يعاني فيها المسرح الجزائري من ضعف مستوى العروض، وحجب الجوائز الأولى، حيث أنّ مهرجان المسرح المحترف، شهد في 2006 حجب 03 جوائز هي جائزة أحسن عمل مسرحي، أحسن إخراج، وأحسن نص. كما عرفت طبعة 2011 حجب ثلاث جوائز لأفضل عرض متكامل، أفضل نص وأفضل موسيقى، لعدم توفر الشروط في العروض المسرحية الأربعة عشر المتنافسة في المهرجان، في حين وزّعت سبع جوائز، من بينها جائزة أفضل إخراج فاز بها مخرج شاب كان مفاجأة المهرجان، والجوائز الباقية لأفضل أداء رجالي ونسائي، وأفضل ممثل وممثلة واعدة، وأفضل سينوغرافيا، وجائزة لجنة التحكيم.
كما شهدت مهرجانات أخرى جهوية الخروج من المسابقة ببعض الجوائز دون غيرها، حيث على سبيل المثال لا الحصر، حجبت جائزة أحسن إخراج في المهرجان الوطني للمسرح الأمازيغي في 2010 بباتنة، وحُجبت جوائز أحسن نص وأحسن موسيقى وأحسن عرض متكامل، خلال المهرجان الوطني الثقافي الأول للمسرح النسوي بعنابة، فيما سُجل حجب جائزة أحسن نص في المهرجان الوطني لمسرح الهواة بمستغانم، بسبب اشتغال الفرق المسرحية الهاوية هذه السنة خصوصا على النّصوص العالمية.
وتعيد حجب جائزة أحسن نص، وأحسن عرض متكامل إشكالية غياب نصوص مسرحية، والتي بقيت تطرح نفسها في كل مناسبة فنية، حيث تغيب الأقلام القادرة على بعث المسرح في الجزائر، وهي الأزمة التي بقيت تُطرح منذ سنوات، لتأتي المهرجانات الوطنية والدولية وتكشف بدورها المستور، بأنّ الفن الرابع يعاني وسيضل كذلك في ظل غياب كُتّاب مسرح يعيدون لهذا الصرح أنفاسه، والابتعاد عن الاقتباس الذي أصبح ملاذ المخرجين لتغطية العجز الحاصل على مستوى الفن الرابع في الجزائر.
ويطرح الكثير من النقاد والفنانين للخروج من هذه الأزمة ضرورة الاستثمار في المواهب الشابة، وفتح المجال للجيل الجديد الذي يمتلك إمكانيات كبيرة في كتابة النصوص المسرحية، والتي بإمكانها الارتقاء بأبي الفنون، ناهيك عن الدعوات لإنشاء أكاديمية لتكوين الممثلين ومضاعفة المدارس على المستوى الجهوي، إلاّ أنّ هذه النّداءات تبقى أغلبها مجرد حبر على ورق، أو أصوات تتعالى دون أن تجد لها أذانا صاغية.
ويبقى المسرح الوطني الجزائري يتخبّط في أزماته اللاّمتناهية، في غياب تظافر الجهود أو أخذ الأمور بمحمل الجديد، ليكون عشّاق الفنّ الرّابع الخاسر الوحيد، والذي يظل يتجرّع مرارة الرّداءة، إلى أن يستفيق يوما ما القائمون على أبي الفنون في الجزائر.