طباعة هذه الصفحة

كريم يونس والحرية المستحقة من أربعة عقود

بقلم: د. محمد عبد الجواد البطة

خرج الأسير الفلسطيني كريم يونس فجر اليوم الخميس الموافق الخامس من يناير 2023 من سجون الاحتلال بعد أن أمضى أربعة عقود أقصد أربعين سنة، ماذا تعني أربعين سنة بالأرقام تعني: 480 شهرا، تحمل في داخلها ٣٣٦٠ أسبوع، أي بمعنى أكثر دقة ووضوحا معاناة تجرعها يونس خلال 14608 يوما، دقت فيها ملايين الساعات وتعاقبت فيها تليريونات الثواني،،، فأصبح صاحب الرقم القياسي الذي لم تسجله موسوعة غينس،، ولكن سجلته ذاكرة النضال الفلسطيني، وذاكرة الأحرار في كل العالم، وفي أبسط القول أنه دخل السجن فتى نشد الحرية لوطنه أولا،، فتبدل سواد شعره بمشيب الشيوخ ولم تتبدل إرادته وعزيمته، أمام كل لحظة باغتته فيها معاناة متعددة الأصناف في سجنه الذي لم ينفك عنه لحظة من نهار أو سنة من ليل، مر عليه خلالها أيام تمنى الكثير من الأشياء أبسطها: أن يرى كل صباح وجه أمه التي انتظرته كلما استنشقت أملا ووزفرته واقعا مؤلما، خلال أنفاسها الطويلة المنحوته على وجهها القمري، لتعبر عن حكاية أم ملأ الشوق فؤادها بتفاصيل غيبها المنون قبل الارتواء كصبر الصائمين قبيل نطق الأذان، لم يقرأها يونس كل يوم لكنه نحت معها الشطر الثاني من نفس الحكاية على قلبه المشع بأمل الانتصار وكسر قيد الاحتلال ناشدا حريته ثانياً وإن طال انتظارها، خارجا إلى دنيا افتقدها منذ أزمان عدها وأمه بالانفاس وليست بالسنين، لم تبق كما كانت في سيرتها الأولى، فغاب عنها من الأحبة الكثير، وشاخ فيها جميع من أحب، فكيف لا وهي ذات الأيام القاسية التي شهدت على تآكل حديد القيد وتبدله عدة مرات، ويونس وأخوة القيد والسجن يشهدون لبعضهم على آلامهم العميقة والصامتة، خانقة الآه في جوف الصدر خافية العبرة في المقل، وبهذا تخلد ذاكرة النضال الفلسطيني إسم كريم يونس في سفر الأبطال الصامدين بأنه عميد الأسرى وامبراطور الصبر.