طباعة هذه الصفحة

المسرح الأمازيغي بالجزائر محور ندوة بوهران

شقّ من الهوية الوطنية في حاجة إلى دراسة وأرشفة

وهران: حبيبة غريب

كثيرة هي الأسئلة التي يطرحها الباحثون والأكاديميون اليوم حول المسرح الأمازيغي في الجزائر، الذي وبالرغم من تجربته الفتية، أصبح له مهرجانا وطنيا ومهرجانات محلية عديدة، وأضحى محلّ اهتمام وبحث ودراسة على مستوى مخابر أرشفة المسرح، بمختلف جامعات الوطن، كونه فن قائم بذاته يستلزم الغوص في شتى جوانبه من نص وأداء واقتباس وترجمة وإخراج، وجزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية الوطنية.

فتح مختبر أرشفة المسرح الجزائري التابع لقسم الفنون الدرامية لجامعة وهران 1 «أحمد بن بلة» النقاش حول المسرح الأمازيغي الجزائري، من خلال تنظيمه لملتقى وطني بعنوان «المسرح الأمازيغي بالجزائر: تجارب ورؤى»، نظمته فرقة أرشفة المسرح الأمازيغي التابعة لذات المختبر، واحتضن فعالياته المسرح الجهوي عبد القادر علولة بوهران، تزامنا مع الاحتفالات الوطنية بيناير.

قراءة في المسرح الامازيغي
تناول ثلة من الباحثين والأساتذة الجامعيين والمهتمين بالمسرح خلال مداخلاتهم وجلسات النقاش، أربعة محاور، هي «المرجعيات التاريخية والأنثروبولوجيا واللسانية للأمازيغية»، «بدايات ومناهل المسرح الأمازيغي في الجزائر»، «الترجمة والمسرح الأمازيغي في الجزائر»، و»تجارب معاصرة من المسرح الأمازيغي في الجزائر والمهجر».
وعلى هامش أشغال الملتقى أشارت الدكتورة طامر انوال من مختبر أرشفة المسرح في تصريح لـ»الشعب»، أن «هذا الأخير عرف مشاركة باحثين وأساتذة من مختلف مناطق الوطن ممثلين لجامعات: وهران1، وهران2، قسنطينة، الجزائر3، باتنة، عنابة، تلمسان، بجاية، تيزي وزو، بسكرة، أم البواقي، تيبازة، المدية، ميلة، تبسة، والبويرة، نظم ببرنامج حضوري وآخر افتراضي في نفس الوقت، وذلك لأهميته وكثرة الاهتمام الأكاديمي به».
وأضافت د. طامر أن «الملتقى كان مناسبة احتفالية علمية وفرصة لطرح إشكالية أو تيمة متجذرة ومتعدّدة المناحي، وقراءة في حال المسرح الأمازيغي في إطار هوياتي، يعكس خطابا وأداء يستحق الدراسة والارشفة والتثمين».
وكشفت المتحدثة في هذا السياق، أن «اللقاء جاء للإجابة على طرح طالما راود الأكاديميين وهو: لماذا لا نكتب عن مسرح ناطق بالأمازيغية؟ مشيرة في نفس الوقت: «إننا لا نتحدّث عن اللغة واللسان وفقط، بل عن هوية وتجذر للمسرح الجزائري بخلفية امازيغية»، فالأمر، حسب قولها «متعلق بأبعاد هوياتية، تاريخية خاصة بكل أطياف ومناطق الوطن».
وتناول المتدخلون سواء خلال الملتقى الحضوري أو الافتراضي طرح «الترجمة من المسرح العالمي إلى المسرح الأمازيغي، وضرورة توثيق الأعمال المسرحية، وكذا الدفع بحركة النقد الأكاديمي إلى الاهتمام بالمسرح الأمازيغي ودراسته، حيث تعلّق الأمر بالإجابة على الطرح حول: ما هو المسرح الناطق باللغة الامازيغية، وهل هو مسرح بمميزات وخصائص وهوية تميزه عن المسارح الأخرى»..
وتبين خلال أشغال الملتقى، أن «المسرح الأمازيغي يعرف بالتزامه الجاد وتناوله لمختلف قضايا الإنسان والمجتمع بخلفية هوياتية، تتجلى في مقارباته الفنية عن طريق مسرحة ملامح هذه الهوية، وذلك من خلال توظيفه للأساطير والخرافات والتاريخ، والصور المشهدية المستمدة من الأيقونات البصرية المتوارَثة رغبة في تعميم الوعي بأمازيغية، الانتماء، وأيضا اتخاذ المسرح أداة للتواصل الشعبي، وتوطيد الشعور بالانتماء للتاريخ للوطن وللأرض».

الترجمة في المسرح الأمازيغي
وناقش المتدخلون في محور الترجمة في المسرح الأمازيغي البعض من «التجارب الخاصة بترجمة التراث المسرحي العالمي إلى الكتابة الركحية، النابعة من الحاجة إلى طرح الانشغالات باللغة الامازيغية، والتعبير عن الذات في محليّتها وإنسانيتها، مسلطين الضوء بذلك على خاصية هذا المسرح ودوره «كوسيلة من وسائل التواصل الجماهيري الجامع، وأداة لبناء متخيل هوياتي، قائم على استثمار المعيش الكائن، والراسخ في الذاكرة الشعبية، وعلى الممكن المراد تحقيقه».
للإشارة اندرجت فعاليات الملتقى في إطار مشروعي البحث التكويني بعنوان «المسرح الأمازيغي بالجزائر، تجارب وآفاق»، والأنثروبولوجيا الرمزية: التعابير الثقافية والمحلية»، اللذان تعكف عليهما حاليا فرقة المسرح الأمازيغي المختبر أرشفة المسرح بجامعة وهران وفق ما صرحت به د. طامر انوال .
وكان من أهدافه «الجمع بين القراءات اللسانية والإبستيمولوجية للمفاهيم والمقاربات التاريخية لبدايات المسرح الأمازيغي في الجزائر، إضافة إلى الوقوف عند خصوصية هذه التجربة المسرحية الفتية، وتثمين جهود الفاعلين في الكتابة والإخراج والتمثيل والسينوغرافيا»..

كتاب يجمع الرؤى والاطروحات
ودائما من خلال تصريحاتها على هامش أشغال الملتقى، كشفت د. طامر انوال أن «الملتقى كان مناسبة لوضع أولى اللبنات للدراسات الأكاديمية، والتي ستجيب مستقبلا على إشكالية: «كيف يمكن وضع استراتيجية لدراسة هذا الزخم التجريبي، من خلال أعمال متعدّدة وخاصة للعديد من الفرق المسرحية التابعة سواء المسارح الجهوية أو التعاونيات والفرق الخاصة، وأيضا محاولة أرشفة هذه التجارب داخل إطار أكاديمي جامعي».
 وأكدت د. طامر أن «الحاجة إلى معرفة تلك الرؤى الجمالية الركحية والنصية والجهود الفنية، ستظل دوما قائمة على مستوى البحث العلمي، من أجل بلورة مسرح أمازيغي، يدافع عن جذوره، وانتمائه للأرض والتاريخ من أجل رسم وتوثيق واقع وآفاق المسرح الأمازيغي بالجزائر في بعده الوطني وخدمة للهوية الثقافية الجزائرية في أبعادها المتنوعة والغنية».
وكان هذا الملتقى الأول «جامعا للتجارب والرؤى الجمالية والنقدية، الداعمة للمسرح الأمازيغي»، كونه حسب ما أشارت د. طامر انوال الخطوة الأولى في مشروع التأسيس لتاريخ المسرح الجزائري، بغنى يجمع كل الجزائريين»... فنحن كما قالت «حين نتحدث عن المسرح الأمازيغي نتحدث عن المسرح التارقي والشاوي والميزابي والقبائلي وغيرها، وقد خرجنا من الملتقى بتوصيات واقتراحات قيمة، وبكتاب يجمع كل التجارب والرؤى باختلافها وتنوعها خدمة للمسرح الجزائر ي».

مسرحية «روزا حنيني» أو الجانب التطبيقي للملتقى
شكّل تقديم مسرحية «روزا حنيني» من تأليف وإخراج أحمد خوذي، على ركح مسرح الجهوي وهران عبد القادر علولة في طبعتها الأمازيغية، الشقّ التطبيقي للملتقى الوطني «المسرح الأمازيغي بالجزائر: تجارب ورؤى»، حيث تسنى للمشاركين فيه وخاصة طلبة الفنون، الاطلاع ميدانيا على ما نوقش نظريا في اليوم السابق..
وتعالج أحداث مسرحية «روزا حنيني» المقتبسة من كتاب «مفتش يطلبكم» للكاتب الانجليزي «ج، ب بريستلي»، والتي حازت مؤخرا على الجائزة الأولى في مهرجان المسرح الأمازيغي 2022، في قالب درامي اجتماعي، تعالج معاناة المستضعفين في الأرض الذين يتعرّضون لمختلف أنواع الظلم والاستبداد من طرف العائلات الثرية التي تطغى على حياتها المصالح وحب الما، و هذا من خلال المأساة التي عاشها فتاة فقيرة أجبرتها الحاجة إلى تحمل القهر والذل، وظلم كل أفراد عائلة ثرية، حيث انتهى بها المطاف إلى الانتحار لتبدأ فصول المسرحية بتحقيق مفتش غامض في الأمر، مع عائلة رجل الأعمال الثري التي ظلمت الفتاة المسكينة.
ويشمل تحقيق المفتش كل أفراد العائلة، ليتبين أن الفتاة كانت تعمل بمصنع العائلة، حيث تمّ طردها بعد مطالبتها بحقوقها المهنية والاجتماعية، لتجد نفسها في الشارع دون أي إعانة، وتبدأ رحلة البحث عن عمل آخر، أين يتمّ طردها بسبب ابنة العائلة وتتواصل معاناتها وهي في الشارع من جديد، وقد غيرت اسمها إلى روزا حنيني، لتقع فريسة ابن العائلة، وبعد أن حملت منه استنجدت بوالدته التي طردتها لتقرّر في الأخير وضع حدّ لحياتها..