طباعة هذه الصفحة

الدينار الرقمي بعيون الخبراء:

إنهاء أزمة السيولة.. وتقويض السوق الموازية

محمد فرڤاني

تسهيلات متعدّدة الجوانب لمختلف القطاعات الاقتصادية

صنعت تصريحات الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، الحدث في المحيط الاقتصادي وفي عالم الخدمات المالية والبنوك، بعد أن كشف عن سعي البنك المركزي في الجزائر لاعتماد عملة رقمية تحمل تسمية «الدينار الرقمي الجزائري»، على هامش افتتاح ندوة حول التحدّيات المستقبلية للبنوك المركزية، بمناسبة الذكرى الـ60 لتأسيس بنك الجزائر، مبرزا نوايا الحكومة في رقمنة القطاع المصرفي والانفتاح القانوني على اعتماد العملة الرقمية إلى جانب خدمات رقمية أخرى يسجلها النظام المصرفي في الجزائر كل مرّة.

يعزّز تنفيذ مشروع الدينار الرقمي، مواكبة الجزائر للتطوّرات التي يعرفها عالم الاقتصاد اليوم مثل التعدين ومنصات الخدمات المالية ومزودي المحافظ الرقمية، بالإضافة إلى طرح بديل لمواجهة مخاطر العملات الافتراضية الخاصة، ويجمع المختصون في الشأن المالي أن الدينار الرقمي بإمكانه حلّ ومعالجة العديد من المشاكل الهيكلية التي يعرفها الاقتصاد الوطني، كمشكلة السيولة النقدية من خلال تقليص معدلات التسرّب النقدي، كما أن الدينار الرقمي يمكن أن يعمل على تسريع عمليات الدفع، وهو الأمر الذي تعوّل عليه الجزائر من أجل تعزيز تجارة التجزئة والتجارة الخارجية، بالإضافة إلى كونه أحد أوجه الحلول والاستراتيجيات التي ستحدّ من التعاملات التي تتمّ في السوق الموازية وتقلص من معدلات التهرّب الضريبي.
المشروع الذي يتواجد حاليا ضمن ورشة رقمنة المدفوعات، سيمكّن الدولة من تتبع المعاملات، ما يسهم في مكافحة عمليات تبييض الأموال والتجارة غير المشروعة، كما سيسهّل عملية التحوّل نحو الدعم الاجتماعي المباشر ممّا يقلّص من حجم الآثار الاجتماعية لذلك، ويخفّف من أعباء ميزانية الدولة.
يرى أستاذ الاقتصاد المالي بجامعة البويرة الدكتور علام عثمان، لـ»الشعب» أنّ إعلان الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، فيما يتعلّق بضرورة اعتماد الدينار الرقمي، يدخل في سياق الجهود والمبادرات المبذولة من طرف الدولة، الرامية لدفع وتيرة النمو الاقتصادي الداعم للتنمية الشاملة، ويأتي في مقدمتها المرسوم التنفيذي رقم 22-302 المؤرخ في 8 سبتمبر 2022، المتعلّق بقانون الاستثمار والذي  أقرّ نظاما خاصا موجّها للاستثمارات المهيكلة ذات القدرة العالية لصناعة الثروة واستحداث مناصب الشغل وإعطاء دفع للنشاط الاقتصادي من أجل تنمية مستدامة.
وأضاف علاّم أنّ مضمون تصريحات الوزير يتماشى مع توجّه الحكومة نحو إعطاء دفع قوي للاقتصاد الرقمي، لما يمكن أن يحققه من قيمة مضافة معتبرة، وما يقدّمه من تسهيلات متعدّدة الجوانب لمختلف القطاعات الاقتصادية.
وأوضح أستاذ الاقتصاد، أن انعكاسات هذا الإجراء على الاقتصاد الجزائري ستكون إيجابية، لخصها في عدد من النقاط أهمها، تعزيز الشمول المالي من خلال المضي قدما في رقمنه وعصرنة المنظومة المالية والمصرفية، وتوفير الخدمات المالية بسرعة أكبر وجودة أعلى وبأقل تكلفة للأفراد والمتعاملين الاقتصاديين والبنوك على حدّ سواء، بالإضافة إلى تيسير وتحديث المعاملات المصرفية والمالية من وإلى الجزائر، بما يساهم في تسريع وتيرة اندماج ومواكبة المنظومة المصرفية الجزائرية مع المنظومة المصرفية الدولية خاصة مع تطلّع الجزائر للانضمام لمجموعة «بريكس».
ويسمح التوجّه الجديد لبنك الجزائر، فيما يخصّ العملة الرقمية من تطوير وتعميم منظومة وشبكات التجارة الالكترونية، ورقمنة العمليات التجارية عن طريق توسيع شبابيك الدفع الإلكتروني في مختلف المعاملات التجارية.
وأشار علاّم إلى أن الدينار الرقمي سيساهم في تجنّب الوقوع في أزمات نقص السيولة وما يترتب عنها من تذبذب في المعاملات والأنشطة الاقتصادية، وسيساعد هذا الإجراء في دعم الجهود الرامية لمكافحة الفساد بمختلف أشكاله من خلال إعطاء شفافية أكبر عن حجم وحركة المعاملات المالية، كما أنه يتوافق مع المعاهدات الدولية المصادق عليها من طرف الجزائر - يضيف محدثنا ـ وهي المتعلّقة بالوقاية من تبييض الأموال، والإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة والتعاون الدولي بشأن تسليم الأشخاص المطلوبين قضائيًا لارتكاب جرائم تبييض الأموال، بالإضافة إلى تقليص حجم الاقتصاد غير الرسمي والسوق الموازية والحدّ من التهرّب الضريبي.
في مقابل ذلك، أوضح أستاذ الاقتصاد المالي بجامعة البويرة، أن هناك عدة تحديات يجب أخذها بعين الاعتبار من أجل ضمان نجاح هذا الإجراء، في مقدمتها مرافقة هذا الإجراء بجملة من التشريعات والقوانين ذات الصلة لمعالجة كل الاختلالات الممكنة وتحديد الإجراءات الردعية المتعلقة بها، بالإضافة إلى تطوير وتوسيع البنية التحتية الرقمية، وتعزيز قدرات المورد البشري العامل في القطاع في مجال التحكّم في التكنولوجيا المالية.
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور مراد كواشي، أن العملة الرقمية تشبه إلى حدّ بعيد العملات المشفرة مثل البيتكوين كونها عملة غير مادية، يتمّ تبادلها بشكل رقمي فقط، من دون الحاجة إلى استعمال السيولة النقدية في شكلها التقليدي المتمثل في الأوراق والقطع المعدنية.
ويرى البروفيسور مراد كواشي، أن فائدة العملات الرقمية تكمن في أنها تمكننا من حلّ المشاكل المرتبطة بالعملات التقليدية في المبادلات التجارية بين الأفراد والشركات والحكومات، فالدينار الرقمي لا يحتاج إلى وسائل نقل من أجل نقله ولا وسائل حماية من أجل تأمين عملية النقل إلى غير ذلك، كما أنه من المستبعد حدوث أزمات في توفر السيولة إذا استدعى الأمر بتبادل الأموال في شكلها الرقمي.
وفيما يتعلّق بالسوق الموازية، أوضح الخبير الاقتصادي كواشي، أن هذه السوق ضاربة بجذورها في الاقتصاد وفي المجتمع الجزائري ولا يوجد رقم دقيق للكتلة المتداولة فيها، والأكيد أنها مبالغ ضخمة جدّا، وربما تتجاوز حتى السوق الرسمية، وأضاف أنه من غير الممكن القضاء على هذه السوق بين عشية وضحاها والحكومة تعمل على التقليل من آثارها وحصرها، والدينار الرقمي هو أحد أوجه الحلول التي تستخدم لتقويض هذا السوق، لكن لا يمكن أن نعتمد على هذه الآلية لوحدها من أجل القضاء على السوق الموازية، بل يجب اعتماد إستراتيجية واضحة، كالسعي نحو تحويل السوق الموازية إلى سوق رسمية كالترخيص بفتح مكاتب الصرف.