طباعة هذه الصفحة

اقتضـاب وإسهـاب

بقلم الأسيرة المحرّرة: دعاء الجيوسي

 السّجن عالم المتناقضات، وعلم استنباط الانعكاسات، والسجن هو عالم يعلّمك فضيلة الاختزال في الجزء المحسوس من حياتك مأكلاً وملبساً ونوماً، ويعلمك لعبة الاسترسال في شِقك المعنوي والشعوري واللغوي، وعن هذا الأخير سوف أتحدث كما علمني السجن، سوف أُسجل الكلمة بلغتكم ومرادفاتها بلغة السجون.

أمّي..وجه السّماء وظله، آخر المتصوفة تجليها وكشوفها تخيف، امرأة تكلم السماء عند الصبح ويأتيها الجواب في المساء.
أبي، رجل من زمن الأولمب يتذوق الشعر والموسيقى كأبوللو، نبيل في أحزانه كالملك بريام، وسيم حباه الله بشطر حسن الدنيا الذي تركه إبن يعقوب.
أخي: رجل تأخذه الدنيا فيغرق في بحرها، وهو كالمهلهل تماماً يقول دعوني وشأني، وعند الملمات يُشعل حرباً لا تنتهي لأجلي هكذا خبرته.
السياسة: حرب بتراء تأكل عُمرك ثم تنتهي فجأة بلا ديات تُدفع ولا دماء تُعقل.
الوطن..أفسح بلاد الله، سهل تكسوه خضرة، وباحة سرمدية لا قُضبان تُقسمها ولا أسلاك تُحدد مساحتها.
الأطفال..يمام بري لا يهرم، وآخر ما ظل من عهد الأنبياء على الأرض.
الرفيقات: كأس قهوة وسيجارة ورشفة ماء في ليالي الشبح الطويلة.
الشهداء: أطفال كبروا قبل موعدهم ثار فضولهم فقطعوا الزمن ركضاً.
الزنزانة: أخر جدار في الدنيا تُلصق ظهرك إليه.. حافة الكون، وطريق باتجاه واحد يمضي إلى الهاوية.
العمل العسكري: حلم صاخب، كومضة شهاب زرعت النور في قلب من رآها ثم مضت.
الفدائيين: رماة لم ينزلوا عن الجبل يقبعون هناك منذ بدء الخليقة، ما خذلوا نبياً ولا صَّدَقوا دعياً.
البحر: إناء كبير سقته أمهات الشهداء دمعاً حتى فاض ماءً.
الهواء: يد خفية تحمل الرطوبة للرئتين فتغرسها هناك، وهي المتهم الأول ببذر أمراض الربو وأزمات التنفس في الصدور.
عيادة السجن: أول منازل الآخرة وأقصر الطرق إليها.
السجان: وحش قفز من أرض اليونان إسمه هاديز يحرس أرض الموتى ويأكل لحمهم.
القيد: آول إكسسوار ألبسه، وآخر عهد لي بحياة الترف.
المرض: زائر فظ يصفعك على وجهك ويصرخ قُم أنت لا تزال في عداد الأحياء، وغداً لن تكون كذلك.
الألوان: أي حيز يحتل عينيك إلا اللون البني فهذا هو أحد أوجه جهنم، ويبدو أنه لونها الأثير.