جزائـــر الأحرار تكـــرس القيم الإنسانية النبيلة
تكريم المؤرخين.. اعتراف بجهود من صانـوا أمانـة التاريخ
تخليص التاريــخ مــن مدرســة الكولونياليــة وموجــات التحامـل
المستعمــر ارتكب المجـازر لإنهـاء النضـال فأوقدت شعلـة الثـــورة
المجاهــد ليس ماضيا فحسب بل ضمير الوفـاء للوطـن
أبرز وزير المجاهدين وذوي الحقوق، العيد ربيقة، أن مجازر الثامن ماي 1945، بسطيف، قالمة وخراطة، أراد لها المستعمر أن تكون خاتمة النضال الوطني، فتحولت إلى شرارة أوقدت ثورة نوفمبر المجيدة، لتقدم نموذجا عن شعب لا يتردد قيد أنملة حين يتعلق الأمر بحرمة الأوطان. ونوّه الوزير بجهود المؤرخين الجزائريين في صون التاريخ الوطني من التحريف، ودعاهم إلى مواصلة التوثيق والبحث والكتابة التاريخية.
أكد ربيقة أن “أصدق أشكال الوفاء للشهداء والمجاهدين، أن نعلي من شأن الذاكرة الوطنية ونحفظ قيمها ونصونها”. جاء ذلك في كلمة له، أثناء افتتاح فعاليات إحياء اليوم الوطني للذاكرة، المنظمة بقصر الأمم تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، تحت شعار: “يوم الذاكرة... يوم مشهود لعهد منشود”.
وقال وزير المجاهدين، في الاحتفالية التي جرت بحضور وزراء، باحثين وممثلين الأسرة الثورية، ووفد من البرلمان الفرنسي، إنه “في مثل هذا اليوم من شهر ماي، تكون قد مرت ثمانون سنة على واقعة من أنبل المواقع التي خطها الشعب الجزائري بدماء بناته وأبنائه، حين هبّ ليلقي في سمع الاستعمار الفرنسي كلمته الفاصلة المعبرة عن وجوده واستقلال كيانه وحقه في الحياة الكريمة”.
وأضاف، أن مجازر 8 ماي 1945 التي ارتكبت في سطيف، قالمة وخراطة، لتشمل كل مناطق الوطن الأخرى، وسمت جبين الجزائر بوسام العزة والمجد، “رغم أن المستعمر أرادها أن تكون خاتمة النضال فتحولت إلى شرارة أوقدت الثورة التحريرية المباركة، لتقدم نموذجا عن شعب معطاء لا يتردد أبدا يوم الزحف حينما يتعلق الأمر بحرمة الأوطان وبكرامة الإنسان”، قال الوزير.
وأكد ربيقة، أن “استقلال الجزائر جاء نتيجة لتراكمات من التضحيات داخل نطاق الرغبة الصارمة في بناء وطن حصين ضد كل أنواع التفريط في مقوماتنا الوطنية، لتبقى تضحيات وملاحم الآباء والأجداد نبراسا يهتدى به، ونحن نشق طريقنا في الجزائر المنتصرة نحو المستقبل الواعد”.
ونوه الوزير بجهود الباحثين والمؤرخين في إعلاء الحقيقة التاريخية، فقال: “نقف في هذا الموعد الوطني الخالد وقفة وفاء واعتراف، ونستحضر لحظات نستلهم فيها من بطولات شهدائنا ومجاهدينا، ونحيي جهود مؤرخينا وحراس ذاكرتنا الجماعية، الذين ما توانوا عن النبش في حفريات الآثار ودفاتر الزمن، واستعادة المحطات الكبرى، التي رسمت ملامح الجزائر الحرة المستقلة”.
وأبرز وزير المجاهدين، أن أصدق أشكال الوفاء للشهداء والمجاهدين، الإعلاء من شأن الذاكرة الوطنية وحفظ قيمها وصونها. وأضاف قائلا: “رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، يولي أهمية بالغة لقضايا الذاكرة والتاريخ باعتبارهما ركيزة أساسية في بناء الهوية الوطنية وتعزيز السيادة الثقافية والتاريخية للجزائر المنتصرة”.
وذكر ربيقة برسالة رئيس الجمهورية للأمة بمناسبة اليوم الوطني للذاكرة، بقوله: إن “الجزائر لا تقبل إطلاقا أن يكون ملف الذاكرة عرضة للتناسي والإنكار”، كما أكد “حرصه الدائم على صون الذاكرة الجماعية لأمتنا العريقة وهويتنا الأصيلة وثقافتنا الغنية، ووجوب تلقين قيمها من منطلق إيمانه العميق بأن التاريخ ليس مجرد سجل للماضي بمقدار ما هو دعامة للهوية وللوعي الوطني”، أضاف الوزير.
معرفة التاريخ.. حق الأجيال الصاعدة
على صعيد آخر، حث وزير المجاهدين على تمكين الأجيال الصاعدة من حقهم في معرفة التاريخ الوطني، ودعم المؤرخين والباحثين ومراكز الدراسات والذاكرة وتعزيز العلاقات بين التاريخ والمؤسسات التربوية والجامعية والإعلامية والثقافية، والانفتاح على التجارب العلمية للشعوب، التي ناهضت الاستعمار ضمن رؤية استراتيجية ترقى بمفهوم حركات التحرر الوطني، التي قوضت الاستعمار بالأمس إلى مفهوم حركات تخليص التاريخ من تدليس المدرسة الكولونيالية وموجات التحامل على الذاكرة”.
وقال وزير المجاهدين، إن القطاع يكرم اليوم رموزا من ذاكرة حية، صانوا أمانة التاريخ وضحوا من أجل أن تبقى الجزائر واقفة، شامخة، مستقلة ومنتصرة، وهو إقرار بجميل.
وأوضح ربيقة، أن “المجاهد ليس ماضيا مجيدا فحسب، بل ضمير حي يذكرنا دائما بأن الوطن لا يبنى إلا بالتضحية والوفاء، وهو مدرسة حية لتربية الأجيال ونقل رسالة الذاكرة نحو القيم النبيلة، التي حررت الجزائر بالأمس من الاستدمار”.
وتوجه إلى المؤرخين قائلا: “أنتم حماة الذاكرة، نهيب بكم أن تواصلوا السير على درب التوثيق والتفسير والدراسة والبحث والكتابة، فالذاكرة التي لا تروى تتلاشى والتاريخ الذي لا يدون يسرق، فأنتم الحصن الأخير لهذه الأمانة؛ أمانة الشهداء الأبرار والمجاهدين الأخيار”.
ودعا الوزير المؤرخين إلى أن يكونوا جسورا بين الماضي والمستقبل وينقلوا الرسالة بأمانة ويزرعوا في عقول شبابنا معاني الانتماء والفداء والسيادة والانتصار. وفي هذا الصدد، أثني على جهود المؤرخين والباحثين الوطنيين الذين حافظوا على شعلة الذاكرة حية مشعة رغم كل التحديات.
تكريم رواد الدراسات التاريخية الحديثة
وأشرف وزير المجاهدين وذوي الحقوق، العيد ربيقة، على هامش فعاليات إحياء اليوم الوطني للذاكرة، على تكريم مجاهدين وشخصيات وطنية، في إطار إحياء اليوم الوطني للذاكرة المخلد لذكرى مجازر 8 ماي 1945، وذلك ترسيخا لثقافة العرفان تجاه رموز النضال والكفاح والعلم.
ويأتي هذا التكريم، بحسب وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، “عملاً بالمشروع الخلاق لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، في تحصين الذاكرة الوطنية، وتأكيدًا لعناية الدولة بمسألة الذاكرة التي ترتكز على تقدير المسؤولية الوطنية في حفظ إرث الأجيال من أمجاد أسلافهم”. كما يثبت “اعتزاز الأمة بماضيها المشرف، وبتضحيات شعبها الأبي، وفاءً للجزائر التي تفتخر بأصالتها وتعتز بأبنائها وتنتصر لتاريخها”.
ومن بين الذين تم تكريمهم بالمناسبة: الرائد عمر صخري ورابح زيراري المدعو “الرائد عزالدين”، والمجاهد دحو ولد قابلية، والمجاهد والمفكر محمد الصالح الصديق، والباحثون في التاريخ: ناصر الدين سعيدوني وعلي تابليت ومحمد شنيتي.
كما حظي شيوخ ومؤرخون متوفون بالتكريم، على غرار: عبد الرحمن الجيلالي وأبوالقاسم سعد الله وجمال قنان، إلى جانب رائد الدراسات التاريخية الحديثة ناصر الدين سعيدوني، والمؤرخ علي تابليت عميد ترجمة الدراسات التاريخية الحديثة، ومحمد البشير شنيتي كبير مؤرخي الدراسات القديمة، والمرحوم موسى لقبال رائد الدراسات في تاريخ المغرب الأوسط، وأيضا ناجي لازلو المؤرخ الكبير من دولة المجر وعضو الجمعية الدولية لأصدقاء الثورة والذي كانت له أبحاث ودراسات علمية حول تاريخ الجزائر.
وشهد الحفل أيضًا تكريم رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي، ووزير المجاهدين وذوي الحقوق العيد ربيقة، من قبل الوفد البرلماني الفرنسي، وذلك “تجسيدًا لقيم التواصل الحضاري التي لطالما دعت الجزائر إلى تكريسها”.