طباعة هذه الصفحة

فنانون وناقدون سينمائيون لـ«الشعب»:

هكــذا تتحــوّل السينمــا إلى صناعــة حقيقيــة بالجزائــر

أمينة جابالله

الشاشة الفضيّة الجزائرية حققت من العدم مالا يحصى من النجاحات

يحدث مشروع القانون المتعلق بالصناعة السينماتوغرافية، حالة ترقب عارمة في الوسط الفني، حيث أن أهمية الموضوع وتشعبه يستدعي الوقوف عند العديد من النقاط والمحطات والمحاور التي يجب أن يؤخذ كل منها بعين الاعتبار، وفق الرؤية السديدة لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، الذي أقر بتأجيل مشروع القانون لإثرائه حتى «يكون محفزا ومشجعا حقيقيا للرغبة ويعطي القدرة على الإنتاج السينمائي، وفق نظرة إبداعية تعيد للجزائر بريقها بهذا النشاط الحيوي داخل المجتمع».
أمر السيّد رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون خلال مجلس الوزراء المنعقد مؤخرا بتأجيل مشروع القانون المتعلق بالصناعة السينماتوغرافية، وذلك من أجل إثرائه، مع الأخذ بعين الاعتبار، جملة من التوجيهات، على غرار عقد جلسات خاصة بقطاع السينما، بإشراك الفاعلين ومهنيي القطاع الجزائريين داخل الوطن وخارجه، كما شدّد السيد الرئيس حرصه على أن يتضمن القانون الجديد الخاص بالفنان آليات التكفل بالجوانب الاجتماعية لكل المبدعين الجزائريين، على اختلاف فنونهم، عرفانا بما قدموه ويقدمونه من صور جميلة عن الجزائر.
منوّها في ذات السياق «أن يكون القانون محفزا، ومشجعا حقيقيا للرغبة ويعطي القدرة، على الإنتاج السينمائي وفق نظرة إبداعية، تُعيد للجزائر بريقها، بهذا النشاط الحيوي داخل المجتمع، على أن يُراعي القانون مختلف التحولات والتطورات، في مجال العمل السينمائي، بما يتجاوب مع تطلعات الشباب الراغبين في التخصص بهذا المجال، مع ضبط آليات واضحة لتموين المشاريع السينمائية، بما يتوافق وقوانين الجمهورية».

هذه هي مشكلات السينما الجزائرية

يرى الكاتب والناقد السينمائي جمال محمدي أن واقع السينما وصناعتها في الجزائر يستحق أن ندرسه وفق رؤية علمية، بل يجب أن نتعظ منها ونستخلص العبر كي لا تتكرر الأخطاء نفسها، حيث أوضح في هذا الخصوص في تصريح لـ»الشعب» قائلا: «فيما يخص ماضي وواقع الصناعة السينماتوغرافية، نتفق جميعنا على أنه لا توجد صناعة سينماتوغرافية في الجزائر بمعناها الصحيح، أو بالمعنى المتكامل الذي يعتمد على كثرة الأفلام والقاعات السينمائية وشركات التوزيع، فهذا هو الشيء المعروف الآن بأن السينما الجزائرية، تراجعت منذ عشرات السنوات وبالضبط حتى نهاية التسعينيات».
وأضاف المتحدث أنه في الماضي كانت هناك مؤسسة وحيدة تهتم بالصناعة السينماتوغرافية، حيث كانت تنتج أفلاما ذات قيمة من حيث الكم والكيف من خلال الديوان الوطني للتجارة والصناعة السينماتوغرافية (oncig) التي تأسست سنة1967  إلى غاية 1974، مشيرا إلى أن هذا المركز كان ينتج أفلاما ذات قيمة وسمعة مثلت سنوات المجد السينمائي في الجزائر، لكن بعد تفكك المؤسسة الخاصة بالسينما وتعدد المؤسسات، والتي أصبحت في الجزائر كظاهرة (أكثر من 05 مؤسسات تهتم بالسينما)، وللأسف ـ يقول المتحدث ـ «ولا مؤسسة كانت تقوم بالصناعة السينماتوغرافية، وهو ما جعل الجهود والامكانيات تتشتت، كما لم تكن هناك في الماضي خطة واضحة وبرنامج محدد يُعني بالصناعة السينماتوغرافية الحديثة، وبالتالي تقهقرت السينما الجزائرية، وكل تلك الهياكل أصبحت تمول أفلاما ليس لها مردودية كبيرة وليس لها قيمة سواء فنية أو تجارية»..

دعوة لتسريع وتيرة الإنتاج

وفي سياق عرضه، ذكر الناقد أن المشكل الذي يطرح الآن، هو كيف نقوم بإعادة إصلاح هذا القطاع وتسريع وتيرة الإنتاج من خلق صناعة سينماتوغرافية متكاملة كما هو متعارف عليه في البلدان العربية أو الدولية التي تعتمد الاحترافية ؟ ويرى المتحدث بضرورة رد الاعتبار للمؤسسات، على اعتبار أن مؤسسات الصناعة السينماتوغرافية يجب أن تتخلى عن ما يسمى بالتعددية في الهياكل، مشيرا إلى أن المبادرة الجديدة المتعلقة بخلق المركز الجزائري للسينما الجديد يمكنه أن يؤدي دوره على أكمل وجه، ويعود بإدماج كل المؤسسات التي تهتم بالسينما، وأن تكون هناك خطة واضحة ودراسات ميدانية، واجراءات مكملة ومرافقة للمشروع، وهو اعادة تشغيل قاعات السينما المتوقفة واعتماد سياسة انتاج الأفلام ذات التكلفة البسيطة، لكي يتم ادماج كل المهنيين وصناع السينما في هذا المجال، قائلا: «فإذا كان فيه مجهود يجب أن تكون هناك إرادة سياسية لإعادة انعاش هذا القطاع».
فيما تابع قوله: «ولإنعاش هذا القطاع، يجب أن تكون الانطلاقة من هيكلة مؤسسة وحيدة أو على الأقل مؤسستين، واحدة للإنتاج والثانية للترقية، بالإضافة إلى حظيرة قاعات السينما وتدعيم الأفلام غير المكلفة، وأن تكون هناك تشريعات، كما هو جاري حاليا على مستوى الحكومة أين يتم دراسة قانون الصناعة السينماتوغرافية بكل محاورها وأهدافها، فهذه المبادرة من شأنها أن تكون أرضية ثابتة وخلفية مفيدة وجد مهمة، ومرجعية لصناع السينما لكي نمضي إلى صناعة سينماتوغرافية متدرجة، ورد الاعتبار للأفلام التي تعالج القضايا الاجتماعية والتي تخدم الثقافة الوطنية التي تشع على الجزائر»، مضيفا أنه من هنا يمكن القول بأننا نمشي إلى صناعة سينماتوغرافية حقيقية، وكل هذه الاجراءات ستكون محفزا وتخلق مناخا ملائما لتحقيق هدفنا في الوصول إلى صناعة سينمائية متجددة.

الرهان على الطاقات الإبداعية

راهن المتحدث من باب التشجيع على أسماء بإمكانها أن تكون في مقدمة قاطرة الصناعة السينماتوغرافية في الجزائر، كما جاء على لسانه «أن قطاع السينما في الجزائر يتوفر على إمكانيات كبيرة أي مواهب وكفاءات كثيرة، والدليل على ذلك حين توقفت صناعة الأفلام المدعمة منذ عشرات السنوات، علما أن تلك الأفلام حصدت جوائز بالمقارنة مع أفلام أخرى أنتجها مخرجون شباب، شرفوا الجزائر بافتكاكهم لجوائز في مهرجانات دولية، بالإضافة إلى العديد من المنتجين الشباب الذين قدموا أعمالا سينمائية بإمكانيات منعدمة وبسيطة جدا وذاتية، وحققوا بذلك نتائج جد مرضية.
ومن جانب آخر، يرى الناقد الكاتب والناقد السينمائي جمال محمد بأنه عندما يدمج كل هؤلاء، إلى جانب كتاب السيناريو، مخرجين، تقنيين.. في الدورة الانتاجية ضمن استراتيجية تدخل في اطار التوجه الجديد للصناعة السينماتوغرافية، سيجعل المواهب الجزائرية تظهر وتقدم امكانياتها اللائقة والمشرفة داخل وخارج الوطن.

 مشروع القانون كافٍ للنهوض بالسينما الجزائرية

كما عبر جمال محمدي عن رأيه من حيث محتوى مشروع القانون المزمع صياغته، قائلا: «بكل مصداقية يمكننا القول إن ما جاءت به مسودة مشروع القانون المتعلق بالصناعة السينماتوغرافية عبر 105 مادة وفي أحكامه العامة التي يستهدفها هذا القانون، خاصة ما تعلق منها بتحديد الأسس والقواعد العامة المتعلقة بالصناعات السينماتوغرافية وأنواع الإنتاجات والأفلام، إلى جانب توزيع واستغلال هذه الأفلام بجميع أنواعها وفي جميع وسائل الإعلام ووسائط النشر.. من هذا الجانب يمكن القول إن هذه المقترحات الأولية ستكون كافية للنهوض بالسينما الجزائرية من جديد في جانبها القانوني والشكلي»..، منوّها بضرورة الحرص على تطبيق روح القانون الذي يعني المنافسة الشريفة والاستشارة الموسعة والشفافية التي تعطي الجميع فرصة تصوير أفلامهم على قدم المساواة، ويلبي تطلعات وأمال الفنانين ومهنيي السينما المبدعين..
وأوضح ذات المتحدث أن الحلول الجدية التي يراها كفيلة بإعادة الاعتبار واحياء السينما في الجزائر مجددا،  يتمثل في القرار السياسي أولا، ثم إعادة هيكلة هذا القطاع بما يخدم الصناعة السينماتوغرافية بطرق وأساليب مهنية وأكثر حرفية، من خلال تنويع وكثرة الانتاج، وهذا الأمر يتطلب ـ حسبه ـ اعتماد استراتيجية جديدة في انماط الانتاج وطرق وآليات التوزيع والتسويق، من خلال اعتماد آليات وميكانيزمات مهنية بدءا بتوفير الحد الأدنى من القاعات السينمائية، وتذليل الصعوبات من حيث استصدار رخص التصوير.
آثار أمجاد الصناعة السينماتوغرافية  
ومن جهته، أشار الفنان عبدالحميد رابية أن الصناعة السينمائية في الجزائر بعد الاستقلال وبالضبط من الستينيات إلى أوائل التسعينيات كانت تعتمد على 03 مؤسسات انتاجية إلى جانب حوالي 450 قاعة سينما، وبوجود عدد كبير من مخرجين ذاع صيتهم عالميا، قائلا «كل مخرج يعتبر مدرسة انتاجية بمفرده نظرا لتكوينهم الذي تلقوه من عدة مدارس لها صيت في ذات المجال أشهرها بولونيا والاتحاد السوفياتي آنذاك، وفرنسا وألمانيا وغيرها، فأولئك المخرجين كانت لديهم خبرة كبيرة في مجال السمعي البصري، حيث استطاعوا أن ينتجوا أفلاما في القمة مازالت إلى اليوم تحتل الصدارة في قائمة الأفلام الكبيرة والقوية، والتي يمكن اعتبارها تحف بل أيقونات في الأفلام الكلاسيكية»..

صناعة السينما أساسها معطيات وتجارب ونتائج

وفي ذات السياق، يرى رابية أنه لا يمكن أن نصنع سينما من العدم ومن اللاشيء، «القاعات تقلص عددها بعد أن كان تعدادها يفوق المائتان، ولأسباب عديدة ومتشعبة تحولت إلى مرافق للبلديات، فكيف يمكننا أن نتكلم عن صناعة سينمائية في ظل هذه الظروف؟ لاسيما والعديد من الولايات خاصة الداخلية منها، ما تزال إلى غاية اليوم تنتظر تجسيد مشاريع ذات العلاقة بقاعات سينمائية وهياكل تعنى بالمواهب الذين لا يمكن حصرهم  ولا عدهم».
فيما تابع أن الصناعة السينماتوغرافية تحتاج إلى استديوهات جديدة وإمكانيات جديدة ورؤية مشتركة لصناع الأفلام الجزائريين، مع العمل على كسب الجمهور الذي غاب مجبرا عن حقول السينما التي كانت تحتوي همومه وتعالج مشاكله من عدة زوايا، والتي تعكس جليا صورته إلى حد ما على الواقع، وجاء على حد قوله أيضا «أعتقد أن ما تعانيه الصناعة السينماتوغرافية ليس بمنأى عن ما تعانيه الصناعة السياحية أو الصناعة الاقتصادية، فالثقافة عموما تحتاج إلى تمويل وإلى دارسة وتخطيط وإلى مختصين بإمكانهم تقديم الإضافة المناسبة واللائقة في القطاع، ونأمل أن تستثمر جهود القائمين عليها اليوم في النهوض بها وإيصالها إلى مرافئ آمنة، وبإذن الله ستصل مادامت هناك نية وعزيمة».
وأضاف رابية «إذا أردنا أن نصنع شبابا سينمائيا يكتب سيناريو، يتقن فنيات الاخراج، ويؤدي الأدوار، من المفروض أن نهيئ لهم حقهم في معطيات من أرض الواقع وتقديم لهم الدعم العلمي والأكاديمي، وفق ما يجب أن تقتضيه حلقات التكوين، ومن خلال هذا المنبر أتمنى أن يساهم مخرجين وممثلين ورجال السينما من دائرة الصناعة السينماتوغرافية، في إثراء الورشات التكوينية في السينما التي تقام فعالياتها في عدة ولايات من الوطن، لأنهم مكسب وخبرة وإضافة نوعية مشرفة».

السينما الجزائرية.. تنحني ولا تنكسر

نوّه الفنان عبد الحميد رابية إلى أن السينما الجزائرية حققت من العدم مالا يحصى من الجوائز، ونالت تكريمات في العديد من المهرجانات والأيام السينمائية داخل وخارج الوطن، وبإمكانها أن تبلغ مرادها في تحطيم أرقام قياسية وذلك بتظافر الجهود، أولا بتطبيق كل من قانون الفنان وقانون الصناعة السينماتوغرافية اللذان يعتبران مهد المسيرة الفنية للأجيال القادمة التي من حقها أن تشهد ميلاد مناخ مناسب، يخولها لتفجير طاقتها بدون منغصات أو خوف من مآل مسدود أو مصير مجهول لموهبتها الفنية، وحتى لا تشعر بأنها كانت تصقلها جزافا وبدون أي نتيجة مرضية، هذا من جهة ومن جهة أخرى حتى يساهم المخرجين الكبار مثل لخضر حمينة وغيرهم في تقديم خبراتهم داخل الوطن.
مضيفا، بأن المجتمع بدون ثقافة وبدون سينما وبدون سمعي بصري مجتمع جامد وميت،  «وكوني أنتمي بكل فخر إلى صناع الفن في المسرح والتلفزيون والسينما، أعتقد أنه من واجبي وضع الأصبع على الجرح، وأن أشيد بدور الإبداع في واقعنا، وفق ما يقتضيه موروثنا الوطني، و أن أنوه لمزايا هذا المجال فهو ليس مجال تجاري ولا مجال مقايضة ولا مجال لتسويق بضاعة مؤقتة، وإنما هو مجال حيوي انساني بحت، مجال لبناء المعرفة وترسيخ القيم، مجال لحصد بذور الإبداع من مواهب اليوم، والتي من المرتقب أن تصبح ذات خبرة في المستقبل القريب».
واختتم عبد الحميد رابية تصريحه بقوله «ونحن في انتظار أن يتم إصدار قانون الصناعة السينماتوغرافية، أدعو القائمين على القطاع الثقافي إلى النظر في مآل القاعات السينمائية، لاسيما رفع الغبن عن بعض الفضاءات الثقافية ومراجعة برامج ومناهج مدارس التكوين الفني في كل من مدرسة برج الكيفان وأولاد فايت، إلى جانب العمل على الاستثمار في الطاقات الشبانية التي تلقت تكوينات في التمثيل والاخراج وفي سائر التقنيات الفنية، وأن يمنحوها فرصا في إثبات وجودها ضمن العالم الذي جاءت من أجله»..