طباعة هذه الصفحة

سنصل إلى الاكتفاء الذاتي في أفاق 2025.. رئيس الجمهورية:

اقتربنـا من تحقيـق استقـلالنا الغذائي

حمزة محصول

 الدولة القويّة اقتصاديا وفلاحيا تسيّرها الأرقام الصحيحة والدقيقة 

الإحصاء لا يعني إرادتنا في زيادة الضرائب ولكن لرسم الاستراتيجيات

قطاع الفلاحة ساهم بأكثر من 14,7% من الناتج الداخلي الخام في 2022 

4550 مليار دينار قيمة الإنتاج الفلاحي بزيادة 38% 

75% نسبة تغطية الاحتياجات الغذائية من إنتاجنا.. والفلاحة تشغل 2.7 مليون عامل 

تحقيق تقدّم سريع في الاتجاه الصحيح.. وإيجاد حلّ نهائي للعقار الفلاحي 

بلغنا نصف الطريق وإن شاء الله سنصل إلى الأهداف المسطرة

أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أمس، أن تحقيق الاكتفاء الذاتي في المنتجات الفلاحية الإستراتيجية بات في المتناول، عقب مساهمة القطاع بنسبة 14٪ من الناتج الداخلي الخام، ليدعو إلى تطبيق التدابير التقنية العصرية الموصى بها قصد تكثيف الإنتاج وتحقيق أزيد من 60 قنطارا في الهكتار بالمناطق الجنوبية.
أبدى الرئيس تبون تفاؤله بتطور الفلاحة بما يكافئ الإمكانيات الطبيعية التي تحوزها البلاد، من أراض خصبة ومياهٍ وخبرةٍ علمية، لكنه ربط بلوغ الهدف بالإصرار والصرامة في تنفيذ جميع التوصيات التقنية التي تسمح بإخراج القطاع من طابعه التقليدي إلى العصري.
جاء ذلك لدى إشرافه على افتتاح أشغال الجلسات الوطنية للفلاحة، التي انعقدت بقصر الأمم تحت شعار «من أجل أمن غذائي مستدام»، أين أكد قدرة الجزائر على «تحقيق الاكتفاء الغذائي النسبي»، وفي آجال قصيرة لا تتعدى 2024 أو 2025.
تفاؤل واستشراف رئيس الجمهورية، نابع من النتائج المرضية التي حققها القطاع في السنوات الثلاث الأخيرة، أين أخذ مستوى نمو متصاعدا وبمؤشرات جد مبشرة، فهو «ثاني القطاعات مساهمة في الناتج الداخلي الخام بنسبة 14٪ بعد المحروقات (29٪) سنة 2022».
ويقابل هذه النسبة، إنتاج إجمالي يقدر بـ4550 مليار دج، خلال نفس الفترة-يضيف الرئيس تبون- وهو ما يعادل 35 مليار دولار، بزيادة قدرها 38٪ مقارنة بنسبة 2021، أين حقق القطاع إنتاجا بقيمة 3500 مليار دج (25 مليار دولار).

لأول مرة.. أرقام دقيقة

وبالنسبة لرئيس الجمهورية، تمثل زيادة الإنتاج الفلاحي في سنة واحدة (بين 2021 / 2022)، بـ10 ملايير دولار «أمرا معتبرا جدا»، يؤكد «أننا في الطريق الصحيح»، قبل أن يستطرد قائلا: «بلغنا نصف الطريق وإن شاء الله سنصل إلى الأهداف المسطرة».
واللافت في خطاب الرئيس تبون، إسهابه في الحديث عن الفلاحة بالأرقام، ليتضح أنه رفض في السابق التعاطي مع هذه اللغة لمتابعة وتوجيه القطاع «لأنها (أرقام) غير دقيقة وتقليدية موروثة عن عقود ماضية».
وما استدل عليه في كلمته، خلال افتتاح الجلسات، مرصود عن طريق الرقمنة وبوسائل تكنولوجية حديثة، على غرار الدرونز (الطائرات بدون طيار)، التي أصر على اعتمادها لقياس مساحة الأراضي المزروعة وإحصاء الثروة الحيوانية منذ جانفي 2020.
وكشف الرئيس في السياق: «أن الفلاحة تمكنت من تغطية الاحتياجات الغذائية للجزائريين بنسبة 75٪، السنة الماضية، وأصبحت تشغل 2.7 مليون عامل»، ليعلق قائلا: «الآن فقط بدأنا نعرف الأرقام الحقيقية، وما كانت في السابق كلها متداولة منذ عشرات السنين وبعيدة كل البعد عن الواقع».
وأضاف الرئيس تبون: «كانوا يقولون إننا نزرع 3 ملايين هكتار سنويا، ولكن بعدما أجرينا التحريات وجدنا أن المساحة المزروعة لم تتجاوز 1.8 مليون هكتار، أي أكثر بقليل من النصف وأن الأراضي غير مستغلة بالشكل الكافي».
نفس الأمر مع الثروة الحيوانية، بعدما استقرت الإحصائيات لسنوات عند رقم تقريبي يتأرجح بين 25 مليون إلى 29 مليون رأس، «اتضح أنها لا تتجاوز 19 مليون رأس بعد إحصاء دقيق استخدمت فيه التكنولوجيات الحديثة»، مستثنيا شعبة بودرة الحليب، التي مازالت في منأى عن التحكم بفعل غياب الإحصائيات الدقيقة عن الحليب المدعم وغير المدعم، ووجهة المادة الأساسية لهما.
حديث الرئيس تبون، عن استعمال الرقمنة، يحيل آليا إلى أن السلطات العليا للبلاد، صارت تمسك فعليا بواقع القطاع، ما يمكنها من اتخاذ القرارات الملائمة وفي التوقيت المناسب. ومثال ذلك، إدارة ملف الأعلاف بتحكم أكبر، بعد المعرفة الدقيقة بحجم الثروة الحيوانية، وتطهير الشعبة من الموالين الوهميين.

الرفع من إنتاج الحبوب

على صعيد آخر، ربط رئيس الجمهورية، الثورة التي باشرها لتطوير قطاع الفلاحة، بالتفكير العقلاني والبراغماتي على حد سواء. فمسألة الاكتفاء الذاتي ليست «مطلقة» بالنسبة له، «فحتى الدول العظمى لا تحققه في كثير من المواد».
غير أن القدرات الهائلة التي تزخر بها البلاد، تجعلها في أحسن رواق للتحول من مستورد للمواد الزراعية الإستراتيجية، (الحبوب) إلى مصدر لها. وقال في السياق: «كثير من الأشقاء يقولون كيف تستوردون الحبوب، يفترض أنتم تصدرونها.. ولهم كل الحق».
وأوضح الرئيس، أن «الجزائر تستهلك سنويا ما يقارب 9 ملايين طن من الحبوب، فيما بلغ الإنتاج في موسم الحصاد الماضي ما يقارب النصف (4.5 ملايين طن)، وارتفع بفضل تطبيق التعليمات التقنية، على غرار اعتماد الرش الظرفي ونوعية البذور وتكثيف زراعتها».
ومع ذلك، يلاحظ الرئيس تبون «غياب الصرامة المطلوبة في إنتاج الحبوب، رغم التحفيزات المقدمة، مثل زيادة سعر شرائها من الفلاحين من 3000دج إلى 6000دج للقنطار الواحد»، مشيرا أيضا إلى الأثر المالي المحسوس لها في ميزانية الدولة المخصصة للاستيراد.

خطر الندرة يتربص بدول أوروبية منتجة

رئيس الجمهورية لم يتوقف عند هذه العوامل، بل تطرق أيضا إلى واقع الحبوب في خارطة التحولات الجيوسياسية التي يعرفها العالم، «حيث أن خطر الندرة يتربص بدول أوروبية منتجة».
وأضاف، أن الرفع من إنتاج الحبوب يجعل «البلد يسير مرفوع الرأس، فكيف تدافع عن الدول المستضعفة عندما تكون خاضعا لآخرين بغذائك». وتابع، بأن «الدول المالكة للسلطة والقوة، هي المنتجة للأغذية»، ليدعو إلى «التطبيق الصارم للتدابير المطلوبة لزيادة مردودية الحقول».
وقال إن المعدل الوطني الحالي للإنتاج يناهز 23 قنطارا في الهكتار الواحد، «بينما المعدل الذي يخرجنا من التبعية نهائيا هو من 30 إلى 35 قنطارا في الهكتار الواحد»، لكن هذا الرقم لا ينطبق على المساحة الزراعية المتواجدة في الجنوب الكبير، لأن هذه الأخيرة بما فوق «60 قنطارا في الهكتار وأقل من ذلك يعتبر ضعيفا جدا».
وأوضح السيد الرئيس، أن الزراعة الصحراوية تحوز على ميزات لا تتوفر عليها أراضي الشمال، إذ «بإمكانها تطبيق الفلاحة على دورتين في السنة الواحدة»، وذكر بمزرعة نموذجية تم إنشاؤها مع أمريكيين سنة 1985، بورقلة «تمكنت من إنتاج 60 هكتارا في القنطار»، مشيرا إلى أن بعض الدول «تنتج 100 قنطار في الهكتار».

دعم مطلق للفلاحين.. ولا منع لاستيراد العتاد الفلاحي

على صعيد آخر، وأمام المنحنى التصاعدي الذي يأخذه قطاع الفلاحة، أكد رئيس الجمهورية حرص الدولة على دعم الفلاحين بكل الإمكانيات اللازمة، «فنحن لم نمنع استيراد العتاد الفلاحي، سواء كان جديدا أو قديما (أقل من 5 سنوات)، وبكل أنواعه».
ووجه بتجهيز الفلاحين في الهضاب العليا بآلات الرش المؤقت تحسبا لفترات الجفاف، ليعلن مرة أخرى عن استعداد الدولة لتقديم قروض بنكية بنسبة 90٪ لتمويل مشاريع الزراعة الصناعية في الجنوب، والموجهة لإنتاج الزيت والسكر.
وبشأن هاتين الشعبتين، شجع رئيس الجمهورية الفلاحين على زراعة الشمندر والسلجم الزيتي، اللذين يستخدمان في إنتاج المادتين، ناهيك عن الأعلاف الموجهة للماشية. وكشف في السياق، عن إنتاج أول قارورة زيت مائدة جزائرية 100٪، بحلول شهر ماي المقبل، معتبرا أن الأمر يجب أن يحفز باقي المتعاملين الوطنيين، ومن ثم التوجه نحو الأسواق الخارجية لتصدير هذه المادة الحيوية.
وتأتي هذه الضمانات المقدمة من قبل السلطات العليا للبلاد، لمواصلة الدفع بالديناميكية الإيجابية للقطاع، يقول الرئيس تبون: «شخصيا أشعر أن الفلاحة تخطو خطوات صحيحة»، مشيرا إلى أن تحقيق الأهداف المرسومة والمتمثلة في الاستقلال الغذائي، يمكن إنجازه في آجال معقولة «شرط الالتزام بالسرعة المطلوبة، لأننا في سباق مع الزمن».
ودعا في المقابل، إلى جعل 2023، سنة لحل جميع المشاكل المرتبطة بالعقار الفلاحي والملكية نهائيا، موضحا «أن موروثة عن حقبة الثورة الزراعية أواخر السبعينات وحان الوقت للخروج من هذه الوضعية». كما يدعم رئيس الجمهورية، الشباب وأصحاب الشركات الناشئة، على اقتحام الشعب الفلاحية باستخدام التكنولوجيات الحديثة والمعارف العلمية.

التحكم في الأسواق

ارتفاع الإنتاج الفلاحي أو وفرته على مدار السنة يسمح بالتحكم في السوق، وهو ما تحقق «حاليا في شعبة البطاطا»، حيث لا يتوقف الأمر على إنتاجها في الحقول للاستهلاك النهائي، بل أيضا إنتاج النسبة الأكبر من الحاجيات الوطنية من بذورها، يؤكد الرئيس تبون، مشددا على ضرورة التحكم في بقية الشُّعب، على غرار اللحوم الحمراء والبيضاء، من خلال تشجيع المشاريع المنتجة «للصيصان وخلق غرف لضبط السوق عن ارتفاع الأسعار (التبريد)».
ودعا رئيس الجمهورية، الفلاحين الجزائريين، إلى اقتحام جميع المجالات، بما فيها الأشجار المثمرة والمنتجة للمكسرات كالجوز واللوز والفستق، وزراعتها على مسار السد الأخضر، «الذي لا يجب أن يكون شريطا غابيا فقط»، داعيا إلى تطوير شجرة الأرغان المقاومة للبيئة الصحراوية.
وفي إشارة إلى قطاع الغابات، أمر رئيس الجمهورية بعدم منع الغابة عن المواشي أو مربي النحل أو الدواجن، حتى تساهم كل شعبة بنسبة معينة في الإنتاج الإجمالي الوطني ومنه الهدف الإجمالي المتمثل في بناء اقتصاد وطني خارج قطاع المحروقات.
وذكر في السياق، باستيراد كميات من اللحوم الحمراء قبل شهر رمضان المبارك، من أجل المساهمة في تخفيض الأسعار، داعيا المربين إلى الاجتهاد أكثر في رفع عدد رؤوس الثروة الحيوانية حتى لو تعلق الأمر باقتناء سلالات جديدة.