طباعة هذه الصفحة

كرّمها رئيس الجمهورية نظير نشاطاتها المتميّزة

حليمة خالد..من الهندسة إلى البحث العلمي ومرافقة المرأة الرّيفية

زهرا - ب

 كرّمها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، مؤخرا، نظير نشاطات متميّزة قامت بها في قطاع الفلاحة، في سبيل التعريف بنبات الكينوا ودوار الشمس ومرافقة المرأة الريفية، عشقها الطفولي لمناظر واحات النخيل مخضرة، وعمل الفلاحين بتفان، حفّزها على دخول عالم الفلاحة طالبة، ثم باحثة، ثم مسؤولة على محطة بحث تساهم اليوم في تطوير الشعب الإستراتيجية.

المهندسة حليمة خالد، مديرة محطة التجارب الفلاحية التابعة للمعهد التقني للزراعة الصحراوية، أو سفيرة «الكينوا» كما تعرف وطنيا ودوليا، فهي تعد من الأوائل الذين عملوا على زراعتها بالجزائر، وتوسيع نطاقها، وتشجيع استهلاكها، لأنّ هذه الحبوب قادرة على مكافحة الجوع في العالم بسبب محتواها الغذائي الكامل.

 حليمة خالد..مهندسة دولة في الفلاحة، وهي الآن مهندسة رئيسية في الفلاحة ومديرة محطة التجارب الفلاحية التابعة للمعهد التقني للزراعة الصحراوية بولاية المغير، 38 سنة، طالبة دكتوراه بجامعة حمة لخضر بولاية الوادي، من مواليد ولاية تقرت، ترعرت بعيدا عن والديها القاطنين بجامعة ولاية الوادي عند جدتها بولاية تقرت، حيث تولّت تربيتها وهي في عمر العام ونصف، درست ببلدية المغرين، في مدرسة أو عبيدة بن جراح، من 1990 إلى غاية 1996، انتقلت إلى المتوسط وتحصّلت على شهادة التعليم الأساسي في 1999، ثم التحقت بثانوية خالد بن الوليد بنفس البلدية، ودرست فيها من 1999 الى غاية 2004.
لم تتحصّل حليمة خالد على شهادة البكالوريا، إلا بعد محاولتين فاشلتين، شكّلتا صدمة لها ولمن كان يعرف حليمة المتفوّقة في الدراسة، ولكن ذلك لم يمنعها من المثابرة والتقدم لاجتياز الامتحان المصيري لثالث مرة، بعد مراجعة للنفس، ونالت شهادة البكالوريا بتقدير قريب من الجيد.
تقول حليمة خالد لـ «الشعب»، إنّها خلال دراستها بالثانوية التي تبعد عن مقر سكناها بحوالي 3 كلم، كانت مناظر أشجار النخيل الخضراء تأسرها، وهي تقطع المسافة الفاصلة بين سكنها والثانوية مشيا على الأقدام لمدة 25 دقيقة، في تلك المدة الزمنية الفاصلة كانت تستمتع بمشاهدة الواحات وعمل الفلاحين الدؤوب بحب للأرض، ويوما بعد يوم ترسّخ ذلك المشهد في رأسها وحفّزها على إكمال دراستها الجامعية بالمدرسة العليا للعلوم الفلاحية حاليا والمعهد الوطني للفلاحة بالحراش سابقا، الذي التحقت به سنة 2004 وتخرّجت منه سنة 2009.
بقيت حليمة بعدها دون عمل حوالي عام ونصف، ثم التحقت بالمعهد الوطني للبحوث الزراعية محطة تقرت سنة 2011 إلى غاية 2013، وحين تمّ فتح مسابقة للانضمام كمهندسين للمعهد التقني للزراعة الصحراوية نجحت في هذه المسابقة وبدأت تعمل فيها منذ مارس 2013، كمهندسة فلاحية بسيطة تقوم ببعض الأنشطة مثلما ذكرت، وتم ترقيتها إلى منصب مديرة للمحطة سنة 2016، وهي تشغل هذا المنصب لحد اليوم.

الحافز الأكبر

 حرّك الطموح حليمة للتفوق في ميدان ظلّ حكرا على الرجل، فهي مثلما قالت «من الناس الذين لا يفشلون، ويتحدّون الواقع والعوائق، للمضي قدما إلى الأمام»، كما كانت «صاحبة مبادرات وتتشجّع دائما لتقدّم المزيد، ولا تكتفي بإنجاز المطلوب، بل تقدّم أعمالا أكبر».
ولعل الحافز الأكبر الذي جعل حليمة تنجح في مجال الفلاحة، هو برنامج الكينوا، الذي دخل الجزائر سنة 2014 بمناسبة السنة الدولية للكينوا عبر مشروع إقليمي يضم الجزائر، تونس، مصر، إيران، باكستان، اليمن، الإمارات، وهذا المشروع أكّدت أنه حفّزها لتقديم المزيد للقطاع وللبحث في المجال الفلاحي، وبدأت تبدع في نبتة الكينوا التي منحتها شهرة أكبر وطنيا ودوليا وعربيا مثلما قالت، لأنّها تعمل حاليا على تطوير هذه الشعبة في الجزائر.
ودخلت مؤخرا في إطار مشروع إقليمي آخر مع جامعة ورقلة، حول «كينوا 4 ماد»، يعني البحر الأبيض المتوسط، تشارك فيه دول مثل ألمانيا، فرنسا، تونس والجزائر، يعنى بتطوير شعبة الكينوا في المنطقة المغاربية.
وتنفيذا لهذا المشروع تتولى تقديم دورات تدريبية للفلاحين بالحقول، قبل تنظيم اللقاء التقييمي للمشروع في فرنسا أو إسبانيا واختتامه في ألمانيا بعد عام ونصف.
وتعد حليمة خالد الممثلة الرسمية للاحتفالات باليوم العالمي للكينوا، الذي ينظّم في 7 جويلية من كل عام، ونظّمت أول احتفال في زرالدة، واختارت ولاية مستغانم لاحتضان احتفالات هذه السنة، وأسّست رفقة مهندسين عرب مؤخرا، ملتقى الكينوا العرب، ترأّست أوّل لقاء له في الأردن شهر فيفري المنصرم.
وشاركت في دورات تدريبية في الصين 2015 حول رفع كفاءة الري، ونفس موضوع الدورة في لبنان، كما شاركت في ورشة عمل بتونس حول الزراعات الملحية، وفي لبنان أيضا.

مجتمع داعم ومحيط مشجّع

 حليمة داخل الوطن، رافقت المرأة الريفية، وعملت في مشروع صناعة الكمبوست باستغلال مخلفات النخيل، ونظّمت عدة دورات تدريبية للنساء الريفيات حول ترقية المنتوج المحلي، والاهتمام بالزراعات الواحاتية والمحلية، في الظروف الملحية للتراب والمياه.
وتقول إنّه «بالرغم من أنّ المجتمع الجزائري محافظ، ولكن في منطقة واد ريغ حيث ترعرعت، يشجّع أهل المنطقة المرأة بما يسمح به الدين والأخلاق، على الدراسة وتحمل المسؤولية منذ الصغر»، وتؤكد أن دعم عائلتها وأخوالها حفّزها للنّجاح في قطاع الفلاحة، وحتى المحيط المهني من الزملاء وفلاحي منطقة وادي ريغ الذين لديهم نظرة متفتّحة ويحترمون الغير مثلما ذكرت، كان له دور في تحقيق طموحاتها.

الجزائر منحت المرأة حريّتها

 تؤكّد حليمة أنّ الجزائر بلد رائع جدا، منح المرأة مساحتها وحريتها، في الدراسة، في العمل، وهذا ما سمح للمرأة بالدخول اليوم في عدة مجالات أثبتت وجودها فيها بخبرتها وقدرتها وكفاءتها العالية، ومثال على ذلك المعهد التقني للزراعات الصحراوية الذي لديه خمس محطات، أربع منها يتولى الإدارة بها نساء.
ترى حليمة في المرأة مكمّلة للرجل في قطاع الفلاحة، بل أكثر من ذلك بعض الشعب الفلاحية، لا تنجح حسبها إلاّ بانخراط المرأة فيها لأنها هي من تثمّن المنتوج، مثل شعبة الكينوا التي تعمل على تطويرها منذ 8 سنوات، إذ نجحت العديد من النسوة من تحويلها إلى أطباق وحلويات لذيذة، وأخريات نجحن في زراعتها وحصدها، وصناعة الكسكس منها، وهذا التثمين للمنتوج هو مكمّل للشعبة، لأن الرجل عندما يحصد الكينوا، يعجز حسبها عن تصفيتها وتنقيتها، وهنا يأتي دور المرأة، التي أثبتت قدرتها ليس في هذا النوع من الزراعة فقط بل في فرز التمور وبعض الزراعات المحلية، منها تثمين مخلفات الواحة، وتثمين بعض أنواع التمور التي لا توجّه للبيع وتحول إلى منتجات للاستهلاك كالرب، الخل، وتباع بسعر أعلى من المادة الأولية، وهذا رفعا لقيمة المنتوج وقيمة مضافة للقطاع، خاصة في الواحات.
تؤمن حليمة خالد أنّ حب المهنة والإخلاص هو سر التفوق والنجاح، ولو استسلمت للظروف مثلما قالت «لكان ما يحطّمها أكثر ما يشجّعها»، لكن حبها للمهنة وأن ترتقي بالجزائر إلى مصاف الدول المنتجة، جعلها تعمل لأن تكون أنموذجا يقتدى به، ويحرّكها لبذل المزيد من الجهود، خاصة وأننا نملك من القدرات والإمكانيات ما يحقّق ذلك.