قرار حكيـم يحفـــظ مقـدّرات البـلاد وينعــش الأســواق
تكملــة منطقيـــة وصحيحـة للإصـلاح الاقتصــادي
كشف أستاذ الاقتصاد بالمركز الجامعي علي كافي، الأستاذ الدكتور بودالي محمد، عن بوادر التحوّل العميق في الرؤية الاقتصادية للدولة الجزائرية، خصوصاً ما تعلّق بإصلاح منظومة التجارة الخارجية وإعادة الاعتبار لها، وإعادة ضبط ميزان المدفوعات بما يحفظ احتياطات البلاد من العملة الصعبة.
وقال بودالي لـ«الشعب” إن الخطوات الجبّارة التي خَطَتها الدولة في السنوات القليلة الماضية، مكّنت من إرجاع الاقتصاد الوطني إلى سكّة الإنتاج والتنوّع، في خطوةٍ تترجم السياسة الواضحة لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون في تفكيك منطق الريع القائم على المحروقات، والانتقال ببلادنا إلى اقتصاد حقيقي متحرّر من التبعية والمديونية الخارجية.
وأوضح بودالي أن فكرة إنشاء هيئة لتنظيم الواردات لم تكن خبط عشواء أو قراراً ارتجالياً، بل كانت نتيجةً للاضطراب الكبير الذي شهده مجال التجارة الخارجية، والذي كاد أن يُعيد الجزائر - بحسب قوله - إلى دوّامة الاستدانة الخارجية بسبب استنزاف احتياطات الصّرف.
وبلغة الأرقام، أوضح أستاذ الاقتصاد بالمركز الجامعي بتندوف أن هذا الاحتياطي بلغ ما يقارب 201 مليار دولار سنة 2013، قبل أن يسجّل تراجعاً إلى 104 مليارات دولار سنة 2017، ليسجّل بعدها انخفاضاً جديداً ويلامس عتبة 87 مليار دولار عام 2018 في وقتٍ كانت فاتورة الاستيراد تناهز 60 مليار دولار، ما خلق أزمة مالية خطيرة وضعت الاقتصاد الوطني بين مطرقة النفقات العمومية المتزايدة وسندان انخفاض موارد البلاد من العملة الصعبة.
وقال بودالي إن هذا التراجع في الاقتصاد الوطني، كان سببه السياسات السابقة التي لم تُحسن توجيه الموارد إلى قطاعات إنتاجية وتعزيز الاستثمار بالبلاد، بل ذهبت إلى التمويل غير التقليدي وطبع النقود بسبب عجز احتياطي الصرف عن مسايرة النفقات العمومية.
وأشاد المتحدّث بالسياسة الحكيمة والخطط الاقتصادية الناجعة التي اعتمدتها الدولة في بداية العهدة الأولى من رئاسة تبون للبلاد، والتي ارتكزت بالأساس على تقييد الواردات، تنظيماً وتوجيها لتلبّي الحاجيات الحقيقية للسوق الوطنية، مع الحرص على تجنّب استنزاف احتياطات البلاد من العملة الصعبة في استيراد الكماليات أو المنتجات المتوفّرة محلياً.
وأشار محدّثنا إلى أن هذه التدابير الثورية، لقيت مواجهة من بعض الأطراف المستفيدة من فوضى الاستيراد، والتي حاولت خلق أزمات ندرة ورفع وتيرة المضاربة لثني الحكومة عن المضي في طريق الإصلاحات الاقتصادية، غير أن الحكومة –يواصل القول- قابلت هذا العبث بإرادة سياسية صلبة مكّنت من رجوح كفّة المصلحة الوطنية والحفاظ على قوت الجزائريين كخيار وطني ثابت.
وعاد بودالي ليؤكّد مرّة أخرى على أن قرار رئيس الجمهورية استحداث هيئتين للاستيراد والتصدير، يُعدُّ تكملةً منطقية وصحيحة للإصلاح الاقتصادي، خصوصاً بعد أن أثبتت التجربة قدرة الجزائر على ولوج الأسواق الخارجية بمنتوجات وطنية تتمتّع بالجودة والقدرة على التنافسية، وقال “الجزائر التي شهدت تطوّراً ملحوظاً في عدّة قطاعات أبرزها الفلاحة، قد تجاوزت مرحلة الاكتفاء الذاتي من العديد من المنتجات، وأصبحت مؤهّلة للدخول في مرحلة التصدير على غرار ما تم تسجيله في المنتجات الفلاحية، الاسمنت والحديد والصلب”، مبرزاً أهمية دخول منجم غار الجبيلات في مرحلة الاستغلال الفعلي، والذي سيعطي دفعةً قوّية ودعماً إضافياً لجهود الدولة الرامية إلى تعزيز النموّ الاقتصادي والرفع من قيمة الصادرات خارج المحروقات.
وتحدّث بودالي بإسهاب عن الأهداف التي تسعى الحكومة إلى تحقيقها مع نهاية العام الجاري، مؤكّداً عزم الدولة على بلوغ عتبة 13 مليارا دولار كحجم للصادرات خارج المحروقات، وهو هدف وصفه محدّثنا بـ«الواقعي” في ظل المشاريع الاستثمارية الكبرى التي سجّلتها الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار بعد صدور القانون الجديد، والذي أسّس لمناخ استثماري أكثر جذباً وتحرّراً من القيود البيروقراطية.
وعرّج المتحدّث ليسلّط الضوء على النتائج الايجابية الكبيرة والدور المحوري الذي تلعبه الهيئتان في تبسيط إجراءات التصدير والتخلّص من العراقيل الإدارية التي لطالما أثقلت كاهل المصدّرين الجزائريين، وهو ما سيفتح الباب أمام تعزيز تنافسية المنتجات الوطنية في الأسواق الأجنبية، مجدّداً التأكيد على أن السلع الجزائرية باتت تحظى بسمعة جيّدة بفضل دعم الدولة الاستثنائي للمنتجين خاصةً الموارد الطاقوية والعقار الصناعي، مما ساهم في تخفيض تكاليف الإنتاج وقيمة السلع الجزائرية في الأسواق الدولية مقارنةً بمثيلاتها الأجنبية.
وتابع بودالي قائلاً إن إرجاء العرض المتعلّق بهاتين الهيئتين إلى مجلس الوزراء القادم، مع إضفاء المزيد من الإثراء على النصوص والآليات القانونية المتعلّقة بهما، يدخل في إطار التمكين من إجراء دراسة معمّقة وقراءة اقتصادية هادئة لهيئتين استراتيجيتين تؤسّسان لاقتصاد منتج ومتوازن، اقتصاد يضمن للجزائر الريادة الإقليمية في التصدير، ويعزّز مكانتها كفاعل ومؤثّر في منظومة التجارة الدولية، ويصون في الوقت ذاته مقدّرات البلاد وثرواتها الحيوية.