طباعة هذه الصفحة

الإمام ابن باديس حارب سياسة التغريب.. وزير المجاهدين:

الجزائر الجديدة جعلت البحث العلمي منطلقا وأساسا

سهام بوعموشة

محطة مفصلية تذكر أبناء الجزائر بجهود أحد علمائها الأجلاء

أشاد وزير المجاهدين وذوي الحقوق، العيد ربيقة، بجهود العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس، في الدفاع عن اللغة العربية والدين الإسلامي والهوية الجزائرية، واختار سلاح العلم طيلة حياته كمبدإ، وذلك في ندوة تاريخية نظمها المتحف الوطني للمجاهد، أمس، بمناسبة الذكرى 83 لوفاة هذا العلامة، وذكرى يوم العلم.

أكد وزير المجاهدين وذوي الحقوق، أن «الجزائر الجديدة جعلت البحث العلمي منطلقا وأساسا لكل برامجها». وذكّر الوزير بالأشواط التي قطعتها الجزائر منذ استرجاع السيادة الوطنية في التربية والتعليم، ودعا الشباب للأخذ بالقيم والمبادئ النبيلة التي تحلى بها السلف.
وأشار الوزير إلى رسالة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بمناسبة يوم العلم، العام الماضي، يدعو فيها الشباب لحسن التحصيل والمبادرة إلى التواصل الحضاري والتمسك بوطنيتنا العلمية، التي يجب أن تبقى على مستوى عال من اليقظة أمام الحركية التي يشهدها العالم، والعمل بكل ما أمكن لتفادي هزيمة الفكر والانفتاح الإيجابي على اللغات والحضارات والتحكم في التقنيات.
ووصف الوزير، العلامة ابن باديس بأحد رموز الجزائر الشامخة ورائد نهضتها، وقال: «يوم العلم محطة نستحضر من خلالها رمزا من رموز الجزائر، هذا الرجل العظيم، الذي أضاء من روحه مشكاة الحق والعلم والمعرفة، مدرسا وخطيبا وواعظا وفقيها وإعلاميا ومفكرا ومناضلا وسياسيا، وكلها محاميد وصفات اجتمعت في إرادة رجل واحد».
وأضاف ربيقة، أن ابن باديس كان أمة بمفرده اختار سلاح العلم والحق، فحمله طيلة حياته كرسالة ومبدإ وقيمة ومبتغى، فعمل بلا هوادة على تمكين بنات وأبناء الجزائر من التعليم الذي حرمهم منه الاستعمار.
وأشار الوزير، إلى أن إحياء ذكرى العلامة ابن باديس، هي حفظ لحقه وتقديرا لأثره الكبير في الأمة الجزائرية، واعترافا بما بذله من جهد كبير في سبيل الدفاع عن الدين الحنيف واللغة العربية وهوية الجزائر.
وأكد ربيقة، أنها محطة مفصلية تذكر أبناء الجزائر بجهود أحد علمائها الأجلاء. لقد ظهر الأثر الطيب لجهود العلامة المصلح بإنشاء المدارس للناشئة تتلقى فيها دروس الدين والأخلاق وقواعد اللغة العربية والتاريخ الوطني، وتأسيس النوادي للشباب ليجتمع فيها شتاتهم وتتحقق فيها طموحاتهم نحو ما ينفع وطنهم، واستقطب الجمهور في المساجد لتهذيب نفوسهم وتصحيح عقائدهم وتقويم سلوكهم.
وأشار ربيقة، إلى أن هذا الثالوث بمثابة الدعائم الأساسية، التي بنى عليها الإمام جهاده الإصلاحي الذي تواصل إلى غاية وفاته، مخلفا رصيدا سياسيا وثقافيا غذى أجيالا من الجزائريين. وأضاف: «تسجل الأمة الجزائرية للشيخ ابن باديس ولجمعية العلماء المسلمين الجزائريين دورا رائدا في الحفاظ على هوية الأمة ومكونات الشخصية الوطنية، وبفضل هذه الجهود بقى حيا في ذاكرة أمته».
وأشار ربيقة، إلى أن يوم العلم مناسبة تستوقفنا عند تضحيات أبناء وبنات الجزائر عبر السنين من أجل الحفاظ على مقومات الوطنية.
وقال: «أهنئ بمناسبة يوم العلم أولئك الذين مازالوا يزاولون رسالتهم الشريفة، رسالة العلم الجليلة في كل المستويات والقطاعات، ولاسيما القائمين على تلقين المعارف في محو الأمية وتعليم ذوي القدرات الخاصة».

زهور ونيسي: ابن باديس اهتم بتعليم الفتيات

أكدت الوزيرة السابقة والأديبة زهور ونيسي، أن ابن باديس لم يكن متعصبا في أفكاره، كان يوقع مقالاته باسم الفتى الصنهاجي، لأنه ينتمي إلى قبيلة صنهاجة الأمازيغية. وأضافت، أن العلامة ابن باديس كان يريد إرسال بعثة نسائية إلى سوريا لدى حفيدة الأمير عبد القادر، للدراسة في معهد البنات.
وقالت المتحدثة: «هو انفتاح كبير تجاه البنات. أحترم ابن باديس، لأنه اهتم بتعليم البنات، آنذاك جند الأولياء منهم والدي لترك بناتهم يدرسن، وسنّ مادة في القانون الأساسي للجمعية يعفي الفتيات من دفع تكاليف الدراسة وهو تشجيع لتمدرسهن».

ساهم في تكوين 2000 تلميذ وحارب التجنيس

وأبرز الدكتور مولود قرين، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة يحي فارس بالمدية، دور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في محاربة سياسة التغريب التي انتهجتها الإدارة الاستعمارية، واهتمت بالوحدة وتعليم الجزائريين ذكورا وإناثا.
وتحدث قرين، عن دور الحركة الإصلاحية في الجزائر في نشر الوعي الثقافي والفكري بين الجزائريين. وأشار إلى أن حركة الإصلاح في الجزائر، لا ترتبط بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين فقط، بل إن جذورها تعود إلى أواخر القرن 19 ومطلع القرن 20، وما هي إلا امتداد لجهود علماء ناضلوا في الجزائر منذ أواخر القرن 19 مثل عبد القادر المجاوي، عبد الحليم بن سماية، مولود موهوب وغيرهم من الرجال، الذين وضعوا الأرضية الخصبة لميلاد الجمعية.
وأوضح الباحث، أن الحركة الإصلاحية بصفة عامة وجمعية العلماء بصفة خاصة، لنشر الوعي بين الجزائريين اشتغلت على محاور في مقدمتها نشر التعليم في أوساط الناشئة الجزائرية.
وأضاف، أنه إذا اطلعنا على أدبيات الحركة الإصلاحية والجمعية، خاصة الصحافة، مثل جريدة المنتقد، جريدة الشهاب التي أصبحت فيما بعد مجلة، البصائر وغيرها من جرائد الجمعية وكلها دعت إلى ضرورة تعليم الناشئة الجزائرية، ومارست التعليم ميدانيا عبر المدارس العربية الحرة، التي كانت منتشرة في أغلب مناطق الجزائر.
وأشار قرين، إلى الدور الكبير الذي أداه عبد الحميد بن باديس، في المجلس الأخضر بقسنطينة منذ عودته من تونس في 1913، وساهم في تكوين حوالي 2000 تلميذ. وأسست الجمعية أيضا مجموعة من المراكز التعليمية، وابن باديس، كان يستعين بأشهر العلماء الذين يثقون فيهم، ففي الغرب الجزائري أرسل البشير الإبراهيمي، وفي الجنوب الجزائري أرسل مبارك الميلي، وفي الأغواط أرسل الشيخ رديفي حتى يكون هناك توازن في مراكز التعليم في كل أنحاء الجزائر.
وأضاف، أن المحور الآخر الذي اشتغلت عليه الحركة الإصلاحية للجمعية، هو الدفاع عن الهوية الوطنية، خاصة اللغة العربية، ودعت إلى اعتبارها كلغة رسمية إلى جانب اللغة الفرنسية، وحاربت التجنيس، ففي 1936 أصدر ابن باديس فتوى صريحة تحرم التجنيس وتعتبر المقدم عليه كافرا مرتدا. وأشار الى أن الشيخ العقبي، رفض الصلاة على أحد المتجنسين وهو رابح زناتي.
وقال أيضا، إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أدركت أهمية التاريخ والذاكرة في إحياء النهضة الجزائرية والأمة، لذلك دافع ثلة من العلماء الجزائريين عن تاريخهم وتفنيد مزاعم المدرسة التاريخية الفرنسية الاستشراقية التي وصلت إلى درجة نفي الأمة الجزائرية قبل الاحتلال الفرنسي!.
ومن أبرز المؤرخين الجزائريين الذين اهتموا بتاريخ الجزائر ويتهمون بالحركة الإصلاحية الشيخ بلقاسم الحفناوي في مطلع القرن 20، في كتابه المشهور «تعريف الخلف برجال السلف»، وأيضا مبارك الميلي في 1927، ألف كتابا مشهورا بعنوان «تاريخ الجزائر في القديم والحديث»، وكتاب الجزائر لتوفيق المدني الذي ألفه في 1931، وعبد الرحمان الجيلالي بموسوعته «تاريخ الجزائر العام» في أربعة أجزاء وغيرهم...
وأكد قرين، أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كان لها أثر كبير جدا على المجتمع الجزائري في جميع الميادين، بفضل الجمعية كل مشاريع التغريب الفرنسية كان مصيرها الفشل، كانت الحصن الذي تحطمت على أسواره مشاريع التغريب الفرنسية، خاصة الإدماج والفرنسية، وجعلت الجزائري يعتز بعروبته وانتمائه وتاريخه واستطاعت تكوين جيل الذي وجدته الثورة الجزائرية محضرا ذهنيا وفكريا وثقافيا، وجعلتهم مستعدين للشهادة والجهاد، وشكلوا النواة الأولى لجيش التحرير الوطني.
وأضاف: «ما أحوجنا اليوم لتعاليم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ولآثارها وما خطته من أطر مرجعية فكرية، خاصة فيما يتعلق بالدفاع عن الهوية الوطنية والاهتمام بالذاكرة والوحدة الوطنية».

الاستعمار عمل على إضعاف العربية بتعويضها بالدارجة

وأكد الدكتور دحمان تواتي، أستاذ محاضر في المركز الجامعي مرسلي عبد الله، بتيبازة، وعضو المجلس العلمي بالمتحف الوطني للمجاهد، أن الاستعمار الفرنسي، عمل على إضعاف اللغة العربية بتعويضها بالدارجة، وحارب الدين بمحاولة تدجين الجهاد بالخرافية، والقضاء على الهوية الجزائرية بأبعادها الثلاثة التاريخ، اللغة والدين، الاستعمار، وعمل على قطع الجزائريين مع صلاتهم الحضارية، وحارب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بكل الطرق، لأنه أدرك قيمتها في تحصين الأجيال والحفاظ على الدين واللغة العربية.
وتطرق أيضا إلى دور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، في إحياء الوطنية الجزائرية، وأبرز أن جمعية العلماء ركزت على التاريخ والدين واللغة، لأنها أدركت أن مخطط الاحتلال قام على أساس إلغاء الهوية الوطنية في أبعادها التاريخية واللغوية والدينية.
وأكد أن جمعية العلماء بحثت في التاريخ، ولهذا ظهرت مصنفات المبارك الميلي، وتوفيق المدني بهدف إحياء التاريخ في نفوس الجزائريين وجعلهم يثقون في أنفسهم ويعرفون أن لهم وجود قبل الاحتلال الفرنسي، وهذا الوجود فيه عظمة وشموخ.