طباعة هذه الصفحة

في اليوم العالمي للمصابين بالأمراض العقلية

أخصائيـون يشرّحون وضع الفئة ويقترحون الحلـول

سمير العيفة - آمال مرابطي.

 أرجع أخصائيون في الأمراض العقلية حالة الاختلال العقلي التي تصيب المريض إلى عدة أسباب منها النفسية، الاجتماعية والاقتصادية، وأكّدوا في اللقاء الذي جمعهم لـ “الشعب” بمناسبة اليوم العالمي للمصابين بالأمراض العقلية المصادف للرابع والعشرين أكتوبر من كل سنة على الدور الذي تلعبه الأسرة في دعم وتخفيف وطأة المرض على المختل خاصة أولئك الذين ارتبطت إصابتهم بعوامل نفسية.

ولتسليط الأضواء على الظاهرة التي استفحلت في المجتمع رصدت “الشعب” آراء المختصين حولها، والسبب الذي دفع بالأسرة إلى عدم تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقها ودورها في رعاية المصاب، وكذا العوامل التي تقف وراءها.
براهمية نورة الأخصائية النفسانية عن الموضوع:قالت «الجنون مرض عقلي يصيب الشخص فيفقده صفة التمييز بين الخير والشر ويسلبه القدرة على إدراك حقيقة تصرفاته والسبب اختلال وظائفه العقلية وفي بعض الأحيان لا يوجد علاج لمثل هذه المشاكل الصحية التي تجعل المرء خارج الواقع الذي يعيش فيه وغير واع لما يحدث من حوله».
وأضافت الأخصائية النفسانية: “هذا لا يعني أن كل الحالات ميئوس من علاجها، فبعضها كان نتيجة صدمات نفسية مرتبطة بعوامل اجتماعية بحتة، لذلك نعبر عنها نحن الأطباء بأنها اختلال مؤقت يمكن علاجه والشفاء منه، والملاحظ أن عدد الحالات في في تزايد مستمر،  وأضحت الشوارع في السنوات الأخيرة تمتليء بالمجانين، مرجعة السبب إلى اهمال وتماطل السلطات المعنية في اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل احتواء هذه الحالات.
وأرجعت الأخصائية النفسانية استفحال الظاهرة إلى جملة من المشاكل الاجتماعية كالبطالة وأزمة السكن والزواج وتدني القدرة الشرائية، بالإضافة إلى غياب التواصل بين الأفراد في الأسرة الواحدة وكذا الفشل بصفة عامة في مختلف مجالات الحياة، مؤكدة في سياق حديثها أن حالة اللااستقرار انعكست سلبا على صحة الجزائريين وتسببت لهم في اضطرابات نفسية وعقلية في لحظة عجزهم عن مواجهة ضغوطات الحياة.
وتبرز الإصابة  عند العجز عن تحقيق هذه المتطلبات على أرض الواقع يصاب المرء بصدمة دماغية تولد عنده اضطرابات عقلية متفاوتة الخطورة، منها ما يعالج بتوجيهات ونصائح بسيطة ومنها ما يتطلب بقاءهم  في المستشفى لأيام طويلة.”
كل هذه العوامل حسب الاخصائية النفسانية تخلق لدى الشخص شعورا بعدم الثقة في الآخرين، ما يجعله خائفا، قلقا ومرتبكا في سلوكه بصفة عامة، لذا تراه يعتزل الناس ولا يجلس في مكان واحد، فيما مرضى آخرون يكثرون من التدخين وتعاطي المخدرات وشرب الخمر للتخلص من هذه الاضطرابات... وذكرت الأخصائية النفسانية أن الأمراض النفسية إذا لم تعالج تتحول إلى أمراض عقلية يستعصى على المختصين علاجها.” داعية إلى استحداث مراكز جوارية للصحة العقلية لمساعدة الشباب والمراهقين الذين يعانون ضغوطات اجتماعية واقتصادية، واعتماد أخصائيين نفسانيين و اجتماعيين أكفاء للتكفل بهم من أجل تجاوز تلك الفترات الصعبة التي يمرون بها في حياتهم.
وبشأن الحالات المستعصية شدّدت الأخصائية النفسانية على ضرورة بناء مستشفيات خاصة بالأمراض العقلية لاستقبال كل هذه الحالات.
أما فيما يخص الطريقة التي تتعامل بها الأسرة مع المصاب بالمرض العقلي أشارت نورة براهمية لـ “الشعب” قائلة: “أكبر مشكلة يواجهها المرضى هي نظرة المجتمع الضيقة لهم، خاصة الأولياء الذين أصبحوا عاجزين تماما عن التعامل مع أبنائهم المرضى لأنهم يعتبرون المرض العقلي عارا وفضيحة لها أضرار وخيمة على الأسرة، و بمجرد إصابة أحد أفرادها بالمرض يُحبس في البيت أو يتيه في الشارع وهو واقع تعوّدنا عليه أينما توجهنا.
المحيط ...أول أسباب المرض
أكّدت الاخصائية النفسانية براهمية أن المريض يصبح تحت تأثير تخيلات غير طبيعية، تفكير غير سليم وغير منتظم، هلوسات، توهمات، هياج، خمول، قلة الكلام، فقدان المتعة تجاه أي شيء، نضوب الأفكار، عدم الرغبة في الاختلاط بالمجتمع.. اضطراب في وظيفة مركز السيطرة الدماغية الذي يتلقى المعلومات من الخارج ويصنفها ثم يرسلها إلى أقسام الدماغ التي توجه الأفكار والعواطف والأفعال،- موضحة أن هذه الأعراض ليست ناتجة عن مشاكل اجتماعية فقط  بقدر ما هي عامل فيزيولوجي مثل التغيرات المصاحبة للبلوغ الجنسي والنضج والحمل والولادة، وما يرافق ذلك من انفعالات شديدة وإخفاق الفرد في مجابهة مشاكله، أيضا يمكن أن يكون خلل في الجهاز العصبي نتيجة للأمراض والتغيرات العصبية المرضية والجروح في الحوادث وإرهاق الأعصاب، الصراع النفسي من الطفولة الذي ينشط مرة أخرى في مرحلة المراهقة نتيجة لأسباب مترسّبة، الإحباط الذي يصاب به الفرد في البيئة التي يعيش فيها والمحيط ومشاكل الحياة اليومية والعوامل والضغوط الاقتصادية، وكذا الفشل في الزواج والخبرات الجنسية الصادمة وما يصاحب ذلك من مشاعر الإحباط والشعور بالإثم وكذلك الرسوب المفاجئ في الامتحانات وأيضا الفشل في العمل، كما أن العلاقات الأسرية المضطربة، والجو العائلي الأسري غير الصحي والمشاكل العائلية تتسبب في الخلل النفسي ما يؤدي إلى حالات الجنون خاصة لدى المراهق.
ويظهر المرض العقلي كما تفيد الأخصائية في أي مرحلة عمرية ويصيب كلا الجنسين، وأكثر من هذا، فقد يطال الأطفال في سن معين، وعادة ما يتجلى ذلك في الكلام العشوائي والأفكار المنحرفة والسلوك العدواني، والإدراك غير الطبيعي، وفقدان علاقات الصداقة بين أقرانهم، وتسجيل تصورات غير واقعية وأفكار خيالية، قلة الانتباه والتركيز، والقيام بحركات وأفعال شاذة، مؤكدة في سياق حديثها أن الأمر يستدعي خضوعهم لعلاج عند أخصائي نفساني، أو إقامة في المستشفى لفترة يحددها الطبيب المعالج.
ويرتكز العلاج على أسباب إزالة المرض وتخفيف قلق المريض وإعادة ثقته بنفسه، وحثّ أفراد عائلته المحيطة على الاهتمام به وإرشاده إلى السبل والأساليب المثالية المساهمة في شفائه.
كما أشارت لاضطراب النشاط الحركي الذي يظهر على المريض كالبطء والجمود والحركات الشاذة، أو أن يبدو عليه زيادة في النشاط وعدم الاستقرار والهياج والتخريب.
كما تظهر اضطرابات في التفكير بأفكار غير مترابطة ومشتتة.
انفصام الشخصية والسلوك الإجرامي
وربطت الأخصائية النفسانية إصابة المريض بانفصام في الشخصية بارتكاب الجرائم المقترحة من طرف المصاب بطريقة عشوائية وبدون تخطيط مسبق، ما يدفع المختل عقليا إلى قتل عدد كبير من الضحايا، وهو يتلذذ بذلك وكأنه يشعر بنشوة الانتصار، لذلك فإن مرتكب الجرائم المختل عقليا أو المريض بالانفصام لا يضع فى حسبانه الهروب من موقع الجريمة، لأن إدراكه للواقع غير سليم دائما، فقد يجلس بجوار ضحيته دون مبرر أو سبب واضح.
ونبّهت الأخصائية براهمية نورة إلى الخطورة التي يشكلها المختل عقليا في الشوارع خاصة عندما تنتابه نوبات المرض، وقد يقوم بقتل من حوله إذا توفرت فى يده آلة حادة أو سلاح.. مشيرة إلى أن أعداد المرضى فى تزايد مستمر، نتيجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة، خاصة أن المستشفيات غير قادرة على استيعاب كل المرضى، وهو ما يشكّل خطورة شديدة على المجتمع، فى ظل عدم الاهتمام  واستغلال الأخصائيين الاجتماعيين لهذا الغرض.
…لابد من تدخل السلطات المعنية
ونحن نتجوّل في الشوارع يصادفنا العدد الكبير للمصابين بالأمراض العقلية بتصرفاتهم المزعجة كالسب والشتم والكلام البذيء الذي يتلفظون به، حيث أصبح المواطن يعيش هاجس الذعر والخوف بسبب تواجدهم في الشوارع وتخلي الأسرة عنهم، وما ينجر عن ذلك من أخطار وحوادث قد تكون مميتة.
وأمام هذا الخطر، لابد من إيجاد حل لهذه المشكلة، لأن هذه الفئة رفع عنها القلم، ومن باب الإنسانية والإحساس بالمسؤولية لابد من مدّ يد المساعدة بنقلها إلى مراكز مختصة ومستشفيات الأمراض العقلية، ولاحظت نورة براهمية أن هناك غيابا كليا للمتابعة الصحية الاجتماعية، حيث لا توجد خلايا اجتماعية صحية.
وختمت حديثها قائلة: “لابد من الاهتمام بهذه الفئة المريضة التي تتطلب من جميع الجهات المعنية الاهتمام والرعاية، بإخضاعها للعلاج وعدم تركها في الشوارع تجابه جميع الأخطار، وكذا لحفظ كرامتها كبشر لأنه لا يعقل تركها  تزرع الرعب في كل مكان، ما يجعلها عرضة لردات فعل عنيفة من البعض، لذلك لا بد من تدخل السلطات المعنية من أجل أمن الجميع”.
الفرق كبير بين الاختلالات العصبية و النفسية
ومن جهته أكّد حسين فضلة طبيب مختص في جراحة الأعصاب وأستاذ بجامعة باجي مختار في اتصال لـ«الشعب”قائلا: “هناك خلط بين الأمراض العصبية والاختلالات النفسية فليس كل مريض عصبي يعاني من اختلالات نفسية والعكس صحيح، فالأمراض العصبية هي عبارة عن إصابات في الجملة العصبية وهي تنقسم إلى قسمين، المحيطية والمركزية أما الأمراض النفسية فهي عبارة عن أمراض تظهر أعراضها الأساسية على الشخص المصاب على شكل اكتئاب، بمعنى آخر أن أعراض الأمراض العصبية قد تخلف حالات نفسية معقدة نتيجة الخلل العضوي العصبي.
وبالتالي فإن مشكلة الخلل العقلي لدى الفئات الاجتماعية بالنسبة له تعود إلى الأمراض العصبية لكن أغلب الحالات التي تصادفنا هي حالات نفسية منفردة لا علاقة لها بالاختلالات العصبية التي تعني نوعا من الهيجان، مؤكدا أن حالات الخلل العصبي عادة لا تكون حالات عدوانية، فقد يصاب المريض عصبيا بفقدان الذاكرة ويدخل في حالات من اللاوعي كما قد يفقد الكلام والنطق نتيجة مشكلة في الدماغ غالبا ما تكون بسبب بعض الزوائد على مستوى المخ ما يتطلب استئصالها عن طريق الجراحة أو تخثر للدم على مستوى الرأس.
وكما سبق وأن ذكرنا نؤكد أن الاختلالات العصبية قد تخلف أعراضها النفسية على المريض في بعض الأحيان ما يفهم منه أن المريض يعاني من اضطراب نفسي نتيجة خلل عصبي لكن أغلب الاختلالات العصبية لا تخلف حالات عدوانية أو جنونية، وقد يصاب المريض بخلل في الذاكرة قد تؤدي إلى النسيان شبه الدائم، عدم التركيز، والهذيان.