طباعة هذه الصفحة

نعم أستطيع..

أمين.. عقيلة وكمال.. إرادة كسرت قيود الإدمان

فتيحة كلواز

حياة أهدرها أصحابها على «لا شيء»

 «أينما تجد الامل.. تجد الحل» مقولة تنطبق على اشخاص استطاعوا تجاوز الإدمان وكسر قيود «عبودية» لا جدران لها، لأن اقفالها «أقراص مهلوسة» لا تفرق بين صغير أو كبير ولا امرة أو رجل، فالكل قد يقع فريسة لها إن وجدت نقطة الضعف والظروف الملائمة التي يفقد فيها الشخص القوة لمواجهة انكساراته.

أمين، عقيلة وكمال، وجدوا أنفسهم أمام واقع مُر كانت المخدرات وسيلتهم «الوحيدة» – طبعا بحسبهم- لتجاوز آلامه وأحزانه، كل واحد منهم له قصة يرويها عن المخدرات التي عرفوها مسكنا، وعاقروها مخدرا وتعافوا منها سما.

أمين.. هروب فعودة..

ستكون البداية مع أمين ابن «سانتوجان» أو حي بولوغين بالعاصمة، والدته معلمة بالطور الابتدائي ووالده متوفي منذ ان كان في سن العشر سنوات، هو الولد الوحيد بين أربع أخوات، كن بالنسبة له السند والظهر، فقد دللنه الى درجة كبيرة، حولته مع مرور الوقت الى طفل عنيد ومراهق متمرد وشاب مدمن لا يعترف إلا بمن يحقق له رغباته.
يقول أمين ان والدته بعد ان أيقنت ادمانه منذ خمس سنوات حاولت ثنيه وإعادته الى طريق الصواب، لكنه تعنت ورفض وأصرّ على الإدمان لأنه عاجز تماما أمام المخدرات ولا يرى حياته ممكنة بدونها، لذلك لم تجد أمه «جويدة» سوى إرساله الى خالته القاطنة بإحدى الدول الأوروبية، وهنا أكد أمين بألم قائلا: « لم ترسلني أمي الى خالتي من أجل صحتي أو لإبعادي عن رفقاء السوء، بل لتخفيني عن أعين الجيران ومعارفها أي أنني تحولت الى مجرد لطخة سوداء في حياة أمي ..حاولت جاهدة التخلص منها».
ويتذكر قائلا: «في ظرف قياسي حضرت والدتي أوراق سفري لأتوجه الى خالتي التي طلبت مني البقاء بعيدا عن المشاكل بسبب الإسلاموفوبيا في تلك الدولة، وقالت لي حرفيا «إن أردت تعاطي المخدرات أنت حر المهم ان تبقى بعيدا عن الأنظار»، وبالفعل غرقت في عالم المخدرات والكحول وكل الموبقات، تزوجت بمسنة أجنبية للخروج من بيت خالتي، لكن بعد سنة، حاولت الانتحار بجرعة زائدة من المخدرات».
«نقلت الى المستشفى وفيها تعرفت على شاب من جنسية أوروبية كان يتعافى من الإدمان، في الحقيقة لازمني وساعدني كثيرا في تجاوز محنتي، لكن في لحظة وجدت نفسي في مفترق الطرق عندما سألني عن سبب إدماني وأنا مسلم؟؟، نعم هو مسيحي تعجب من إدماني وقنوطي وأنا مسلم؟!، لذلك كانت تلك اللحظة نقطة تحوّل ومنعرج في حياتي التي أهدرتها على «لا شيء».
بعد رحلة علاج دامت سنة كاملة خرجت من مركز علاج الإدمان، وفي أول يوم طلبت العودة الى الجزائر، لأكون الى جانب والدتي وأخواتي، في الحقيقة إن وصولي الى الحي جعلني أسترجع أولى خطواتي مع المخدرات حتى رفقاء السوء استقبلوني بحرارة وأرادوا عودتي بينهم، لكن والدتي فضلت الانتقال الى برج البحري للعيش هناك بعيدا عن المشاكل وخوفا من انتكاسة تعيدني الى نقطة الصفر، وطلبت مني في كلمة أن أكون رجلا فقط لا أكثر ولا أقل».

عقيلة.. كرة تقاذفها الإهمال واللامبالاة..

لا تختلف قصة عقيلة عما عاشه أمين في تفاصيلها، لكنها فتاة وجدت نفسها في الشارع بسبب زوج والدتها الذي رفض وجودها في بيته لأنها كما وصفها «غير محترمة»، تتذكر عقيلة أول مرة طردت من بيت والدتها وكيف وجدت نفسها واقفة أمام بيت والدها الذي مُنعت من دخوله بسبب زوجته التي صرخت «إنها لا تتحمل وجودي في بيتها، لسنوات وأنا كالكرة بين أبي وأمي، وفي بعض الأحيان أقاربي، حالة «التشرد» التي عشتها من 13 سنة الى 17 سنة انتهت بلجوئي الى احدى الصديقات التي أخبرتني أنني أعاني حالة اكتئاب شديدة ونصحتني ببعض المهدئات التي اكتشفت لاحقا وبعد إدمانها أنها أقراص مهلوسة.»
وقالت «أصبحت حرفيا لا أستطيع البقاء بعيدا عنها كانت بالنسبة لي الوحيدة القادرة على إعادة التوازن الى عقلي وجسدي، لكن الأمر لم يتوقف عند استهلاكها فقد وجدت نفسي منخرطة في مجموعة تتاجر في المخدرات تستهدف تلاميذ الثانويات، وبالفعل عملت معهم شهور الى حين الإمساك بي، ودخولي إصلاحية البنات أو مركز إعادة التربية لعدم بلوغي سن 18 سنة.»
وتروي يوميات سجنها «كانت البداية صعبة أصبت بحالات هلوسة واضطراب شديد بسبب فقدان جسدي للمخدرات لكن استطعت في الأخير تجاوز كل ذلك، والخروج من السجن بعد أربع سنوات الى مجتمع لا يعترف بعضويتي داخله لعدم امتلاكي الاهلية، فقد حكم عليا حكما نهائيا بأنني لا أصلح لأن أكون عضوا داخله لأنني دست على الاعراف والتقاليد التي تميزه، لذلك فضلت العيش في عزلة تامة عن معارفي، حيث انتقلت الى احدى الولايات الداخلية للعمل بعيدا عن أي شبهة أو رفقاء سوء خوفا من الانتكاسة والعودة الى دهاليز المجتمع المظلمة».

كمال: فقدت احترامي لنفسي
 
على عكس أمين وعقيلة، يعيش كمال وسط عائلة مستقرة حيث يملك والده مخبزة بإحدى أحياء العاصمة، ما جعل حياته طبيعية تسير يومياتها بسلاسة بعيدا عن المشاكل، لكن التحاقه بالجامعة وانخراطه في احدى المجموعات الشبانية جعله يتعرف على شباب يتعاطون المخدرات تمكنوا بعد مرور شهور من تعارفهم من جره الى الإدمان والتعاطي. يقول كمال: «كان الامر في البداية مجرد تجربة أرغمني فضولي على خوضها، لكن مع مرور الوقت أصبحت أسيرا لها، لم يشعر أحد بإدماني، فقد كنت أحرص على إظهار اللباقة والاحترام.»    
«خاصة وأن والدي يغدق علي بالعطايا والهدايا لأنني كنت «المازوزي» كما يصفني أبي، الى أن دخلت في مناوشات مع أخي، انتهت بتقطيع جسمه بقطعة زجاج أمسكتها بكل قوتي وبدأت في ضربه بها، لا أدري ما الأمر الذي جعلني أفعل ذلك، فقد فقدت السيطرة على نفسي حتى وصل بي الأمر الى جرح أخي، ولولا والدي ربما كانت النهاية سيئة.»
ويواصل «في تلك اللحظة، ظن والدي وأسرته أنه أصيب بانهيار عصبي ما جعلهم يتوجهون الى المستشفى حيث أكد الأطباء إدماني وأنني أعاني نقصا في الجرعة اليومية»، ذهل والده وأصيبت والدته بجلطة بعد علمها بإدمانه ولولا ستر الله لكانت في عداد الأموات.
يتحدث كمال: «بسببي، عاشت عائلتي حالة من الخوف والهلع، وبسببي كادت أمي تفقد حياتها لذلك أجبرني والدي على دخول مركز مكافحة الإدمان، مع تستره على ايذائي أخي، الذي سامحني على فعلتي وطلب مني وعدا قاطعا بترك هذه السموم.»
ويواصل: «بالفعل، ومنذ سنتين تقريبا تغيرت حياتي رأسا على عقب، واستعدت ثقة والداي اللذان نصحاني بالسفر الى الخارج لإكمال دراستي والابتعاد عن المحيط الذي جعلني أفقد احترامي لنفسي».

لحظة أمل

أمين، عقيلة وكمال، عينة من شباب ملكوا القوة للتوقف والرجوع الى الحياة في لحظة فارقة صنعت منعرجا وتحولا جذريا في تعاملهم مع الإدمان، فمن مخدرات كانت بالنسبة لهم ملجأ من كل انتكاسات الحياة، الى سموم قاتلة تودي بمدمنها الى الهلاك، «نعم أستطيع» كلمتين حملت لهم أدوات التحول والتغيير من السيئ الى الاحسن، ومنحتهم في لحظة أغلقت فيها الأبواب الامل في غد أفضل، بل هم مستعدون لمواجهة مجتمع يرفض «أرشفة» التجارب السيئة لأفراده.