طباعة هذه الصفحة

الشيخ الشهيد..منذ البداية رسم خط النهاية

بقلم الأسير: أسامة الأشقر

باستشهاده، يؤكّد الشيخ الشهيد خضر عدنان بأن الحر يكتب قدره بيديه، وبأن الحر هو الذي يحدد لأعتى القوى الغاشمة مصيره، وبأن أعتى الجيوش والأسلحة وأدوات القتل والقهر والسجن والاعتقال وإعادة الاعتقال لا تقهر إرادة الاحتلال، وأن قوى الظلام والبطش والجبروت غير قادرة على استئصال الرغبة بالحرية والانعتاق من نير الاستعمار.
منذ اللحظة الأولى لقراره الثوري بالإضراب عن الطعام رفضا وتحديا لاعتقاله الإداري، كان يدرك أنه يقاتل دولة بأكملها، وأن قراره هذا يقارب اللاّمعقول في حينه، حتى أن الكثير منا داخل الأسر وحتى خارجه وجد مساحة لاستهجان فعله البطولي الكاسر للنمطية والخارج في حينها عن العرف الاعتقالي، فلم يسبق أن أضرب أسير بشكل فردي قبله للمطالبة بحريته، وبقيت الحدود التي رسمها المحتل ماثلة في العقل الجمعي حتى للأسرى أنفسهم بأن هذا الفعل جنوني، وأذكر عشرات إن لم تكن مئات الحوارات والنقاشات التنظيمية والوطنية حول جدوى الإضراب الفردي رفضا للاعتقال الإداري، حتى جاء اليوم الذي حرر الشيخ خضر فيه نفسه، وانتصر على سجانه وأوهامنا كلنا.
واستطاع بفعله الإنساني الراقي أن يحدّد الشروط التي يطلق سراحه بها، وفرضها على المنظومة الأمنية الاستعمارية، وعندما حاول جهاز المخابرات الصهيوني” الشاباك” التلاعب مع الشيخ وأعاد اعتقاله أعلن الإضراب قبل ركوب المدرعة العسكرية الاحتلالية، فما كان من أجهزة الاحتلال الاستعمارية إلا أن تخضع لشروطه مرة أخرى، وتكرر الأمر لخمس مرات وفي كل مرة كان الشيخ ينتصر بإرادته وأمعائه.
من خلال ملحمته البطولية، يلخّص لنا الشيخ الشهيد خضر عدنان الإصرار والعناد الفلسطيني، فقد قال بأمعائه الخاوية ودمائه الطاهرة وإرادته الفولاذية، بأن التضحية بالروح لأجل أكثر القضايا قدسية هو خيار المقاتلين الأحرار. الشيخ الشهيد خضر عدنان رسم لذاته العنيدة منذ البداية خط النهاية، حتى أنه كان يقول ذلك في مختلف محطات حياته النضالية وقد كان يؤمن بقوله هذا، وكان يدرك بكل حواسه أنه ذاهب إلى قدر شعبه الذي هو قدره الشخصي أيضا.
الشيخ الشهيد قدّم أعظم الأمثلة الإنسانية جرأة وجسارة وبطولة، لكن صدى صرخاته وآلام أمعائه ورجفة جسده ما زالت تزلزل الأرض وتعلو في السماء، ما زال صدى صوته يتردّد عبر مكبرات الصوت في المسيرات والساحات والمساجد، ما زال هدير حنجرته خفاقا في الآفاق يعلو مع كل إضراب أسير أو استشهاد شهيد، وما زال يصر على الانطلاق في كل صباح في دروب الأفراح والأحزان لعائلات الشهداء والأسرى ليقدم واجبه وواجب شعب بأكمله لمن ضحّى وأفنى عمره لأجل فلسطين، ولأجل ذات الرفعة ارتقى شهيدا معلقا دماءه على المآذن وأجراس الكنائس، وصارخا صرخته الأخيرة تحيا فلسطين.