طباعة هذه الصفحة

قياداتهم تخطط لإعلان الدولة في سوريا

الأكراد ضحايا الحرب على “داعش” أم أكبر المستفيدين منها؟

من السذاجة حتى لا نقول من الغباء، الاعتقاد بان تحرّك أمريكا والحلفاء الذين تجرّهم وراءها من العرب والعجم صوب بلاد الرافدين وأرض الشام، جاء لأجل انقاذهما من براثم الإرهاب الذي تشكّل أساسا نتيجة الاحتلال الذي تعرض له العراق، ومحاولات تغيير النظام بالقوة في سوريا، فقبل ذلك كان البلدان يعيشان في أمن واستقرار برغم كل النقائص التي لا تخلو منها دولة في العالم .

الأكيد أن الحرب العالمية ضدّ ما يعرف بـ«داعش” تحمل الكثير من الأسرار والخبايا التي ستتّضح مع الأيام،
ولعل من أبرز هذه الخبايا التي تبدو ملامحها واضحة للعيان، هو العمل على نسف الوحدة الترابية لسوريا بغرض إنشاء دولة للأقليّة الكردية .
ولامجال هنا للشك، فكل المؤشرات تدعم هذا الاحتمال ويكفي دليلا، أن الحرب كلها أصبحت محصورة في مدينة “عين العرب “ أو “كوباني” السورية التي يقطنها الأكراد، ولا أحد يتحدث عن محاربة هذا التنظيم الإرهابي- الذي تشكّل بفعل فاعل - في العراق أو في مناطق أخرى، طبعا فالمؤامرة مرسومة بدقّة  لإظهار الأكراد كأكبر ضحية لإرهاب “الدولة الإسلامية” ولجور الأنظمة التي يعيشون تحت سلطتها، لهذا قد لا يتردد الغرب في مساعدتهم على تحقيق حلمهم التاريخي في الانفصال أو على الأقل الحصول على الحكم الذاتي كما هو الحال بالنسبة لأكراد العراق.
والكلام هذا ليس مجرد تخمين لأن العديد من القيادات الكردية السورية تسعى فعلا لتغيير خريطة الشرق الأوسط.
وقد تحدثت صحيفة “التايمز” قبل أيام، عن سعي قيادات كردية سورية لـ “إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط” من خلال إعلان مرتقب لمنطقة كردية تتمتع بحكم ذاتي في سوريا.
وكشفت الصحيفة، أن هذه القيادات عقدت اجتماعا في مدينة دهوك بإقليم كردستان العراق بهدف التوحد وراء كيان سياسي جديد في ثلاث مناطق داخل سوريا هي “عفرين” وعين العرب “كوباني” و«الجزيرة “ بهدف إنشاء منطقة كردية تتمتع بحكم ذاتي تعرف باسم “روج آف”.
عين على الدولة
يمثل الأكراد ما بين سبعة وعشرة في المائة من تعداد السوريين، ويعيش معظمهم في دمشق وحلب، وفي ثلاث مناطق متفرقة حول عين العرب، وبلدة أفرين، وبلدة قامشلي.
ومثلهم مثل اكراد العراق وتركيا  يقول أكراد سوريا بأنهم تعرّضوا على مرّ التاريخ والزمن للقمع والحرمان من الحقوق الأساسية والسياسية، وبأن مطلبهم الاستقلالي جوابه دائما بالرد العنيف.
والملاحظ أن المناطق الكردية لم تتأثر كثيرا بالصراع السوري في السنتين الأوليين، وتجنبت الأحزاب الكردية الكبرى اتخاذ أي موقف من أي من طرفي الصراع. وفي منتصف عام 2012، انسحبت القوات السورية من المناطق الكردية لتركز على قتال المتمردين في مناطق أخرى، ففرضت القوات الكردية سيطرتها على المنطقة، وأعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي سيطرته، ووطد صلته بأحزاب كردية صغيرة ليكوّن المجلس الوطني الكردستاني ويعلن إقامة الحكومة الكردية الإقليمية عام 2014.
لكن نقطة التحول، هي هجوم “تنظيم الدولة الإسلامية “في العراق في جوان الماضي، وسيطرته على مدينة الموصل، وهزيمته لوحدات الجيش العراقي والاستيلاء على أسلحتها ونقلها إلى سوريا.
فمند ذلك التاريخ ركز مقاتلو “داعش” حربهم للاستيلاء على المناطق الكردية في سوريا، وفي منتصف سبتمبر الماضي، شنوا حملة على المنطقة المحيطة بمدينة عين العرب (كوباني) شمالي سوريا، وأجبروا أكثر من 160 ألف شخصا على النزوح إلى تركيا.
وقد رفضت الحكومة التركية الهجوم على مواقع “ الدولة الإسلامية” قرب حدودها، أو السماح لمواطنيها الأكراد بالعبور إلى الأراضي السورية لمواجهة التنظيم، مما أجج الاحتجاجات الكردية، وهدد حزب العمال الكردستاني بالانسحاب من مباحثات السلام مع الحكومة.
بين مطرقة  “داعش” وسندان الانفصال  
ثمة صراع متأصل بين الدولة التركية والأكراد، الذين يمثلون ما بين 15 و 20 ٪ من السكان..
وعلى مدار أجيال، وقعت صدامات بين الطرفين بسبب حركات التمرد التي شنها الأكراد خاصة في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، الأمر الذي جعل أنقرة تعيد توطين الكثير منهم، وتمنع الكثير من الأسماء والأزياء الكردية، كما حظرت استخدام اللغة الكردية، وأنكرت في بعض الأحيان وجود الهوية العرقية الكردية، وأشير للأكراد باسم “أتراك الجبال”.
وفي عام 1978، أسس عبد الله أوجلان حزب العمال الكردستاني، الذي نادى بتأسيس دولة مستقلة في تركيا، ثم بدأ الحزب العمل المسلح بعد ست سنوات من تأسيسه..
وفي تسعينيات القرن الماضي، تراجع حزب العمال الكردستاني عن مطلب الاستقلال، واكتفى بالمطالبة بمزيد من الاستقلال الثقافي والسياسي، لكنه استمر في القتال.
وفي عام 2012، بدأت محادثات السلام بين الحكومة التركية والحزب، بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار لمدة سنة. وطلب من مقاتلي حزب العمال الكردستاني التراجع إلى شمالي العراق، لكن الاشتباكات استمرت.
ورغم اعتبار أنقرة أن “الدولة الإسلامية” تشكل تهديدا لها، إلا أنها لم تسمح لأكرادها بالعبور والقتال في سوريا خشية  أن يتخذوا منها قاعدة لإطلاق هجمات عليها، أو تشكيل تحالف وإعلان دولة كردية في سوريا تكون حافزا للمطالبة بدولة لاكراد تركيا، وهكذا وجدت أنقرة نفسها بين مطرقة “داعش “ وسندان الرغبة الكردية الجامحة في الاستقلال، ما جعلها تجد صعوبة كبيرة في التعاطي مع الوضع في كوباني .
من هم الأكراد؟
يسكن الأكراد المنطقة الجبلية الممتدة على حدود تركيا، العراق، سوريا، إيران، وأرمينيا، يقدر عددهم ما بين عشرين وثلاثين مليونا، ولم تكن لهم أبدا دولة مستقلة.
وفي العقود الأخيرة، زاد تأثير الأكراد في التطورات الإقليمية، إذ قاتلوا من أجل الحكم الذاتي في تركيا، ولعبوا دورا هاما في الصراعات والأزمات التي شهدتها دولتا العراق وسوريا، آخرها المشاركة في مقاومة تقدم تنظيم “الدولة الإسلامية “ لأسباب يقول البعض أنها ترمي إلى الحصول على الإنفصال وإقامة الدولة الحلم .
تاريخيا، عاش الأكراد حياة قائمة على الرعي في سهول ما بين النهرين، وفي المناطق الجبلية المرتفعة الموجودة الآن في جنوب شرقي تركيا، شمال شرقي سوريا، شمالي العراق، شمال غربي إيران، وجنوب غربي أرمينيا..
واليوم يشكلون مجموعة متميزة، يجمعها العرق والثقافة واللغة، رغم عدم وجود لهجة موحدة. كما أنهم ينتمون لمجموعة مختلفة من العقائد والديانات، وإن كان أكثرهم يصنفون كمسلمين سنة.
الانفصال...  حلم بعيد المنال
في مطلع القرن العشرين، بدأ الكثير من الأكراد التفكير في تكوين دولة مستقلة، باسم “كردستان”. وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وضع الحلفاء الغربيون المنتصرون تصورا لدولة كردية في معاهدة سيفر عام 1920
إلا أن هذه الآمال تحطمت بعد ثلاث سنوات، إثر توقيع معاهدة لوزان التي وضعت الحدود الحالية لدولة تركيا، بشكل لا يسمح بوجود دولة كردية.
وانتهى الحالة بالأكراد كأقليات في دولهم السابق ذكرها. وعلى مدار السنوات الثمانين التي تلت، فشلت كل محاولة كردية لتأسيس دولة مستقلة.
الأكراد العراقيون ..الأكثر حظا
يمثل الأكراد ما بين 15 و 20 في المائة من السكان العراقيين، وتاريخيا، كان لأكراد العراق امتيازات مدنية مقارنة بالأكراد المقيمين في الدول المجاورة.
وثار الأكراد في شمال العراق ضد الحكم البريطاني في فترة الانتداب، لكنهم قمعوا. وفي عام 1946، أسس الملا مصطفى بارزاني الحزب الديمقراطي الكردستاني كوسيلة سياسية للنضال من أجل الاستقلال في إقليم كردستان العراق.
وبعد ثورة عام 1958، اعترف الدستور الجديد بالقومية الكردية، لكن الحكومة المركزية رفضت خطة بارزاني للحكم الذاتي، فأعلن حزبه القتال المسلح عام 1961 وفي عام 1970، عرضت الحكومة اتفاقا على الأكراد بإنهاء القتال ومنحهم منطقة حكم ذاتي. لكن الاتفاق انهار واستؤنف القتال عام 1974. وبعد عام، انقسم الحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث أسس السياسي المعروف جلال طالباني الاتحاد الوطني الكردستاني.
و خلال الحرب العراقية الايرانية  دعّم اكراد العراق ايران و يقول البعض ان هذا  الموقف كلّف الاكراد غاليا  اذ تعرضوا سنة 1988 لحملة انتقامية من بينها الهجوم بالغازات السامة على حلبجة التي كانت من أسباب إعدام صدام حسين .
وبعد هزيمة العراق في حرب الخليج عام 1991، اشتعلت انتفاضة واسعة في مناطق العراق ومنها كردستان استغلتها الولايات المتحدة وحلفائها  لفرض منطقة حظر جوي على شمال العراق، مما سمح للأكراد بالتمتع بحكم ذاتي.
واتفق الحزبان الكرديان على تقاسم السلطة،لكن الصراعات احتدمت، واشتعل صراع داخلي عام 1994، دام لأربع سنوات.
وتعاون الحزبان مع قوات الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، التي أطاحت بصدام حسين، وشاركا في كل الحكومات التي شكلت منذ ذلك التاريخ ..
وبعد هجوم تنظيم” الدولة الإسلامية” في جوان الماضي، أرسلت الحكومة الكردية قوات البيشمركة إلى مناطق الصراع التي كان يسيطر عليها الأكراد والحكومة العراقية، ثم طلبت من البرلمان الكردي الإعداد لاستفتاء على الاستقلال.
لكن من غير الواضح إذا ما كان الأكراد سيواصلون خططهم للحكم الذاتي، أو يدفعون باتجاه كيان مستقل في حكم فيدرالي عراقي.

ق -د