طباعة هذه الصفحة

نقلـة نوعية في التّعـاون الثّنائـي..خـبراء لـ “الشعـب“:

العلاقات الجزائرية الإيطالية..نموذج ناجح لشراكة رابح - رابح

سفيان حشيفة

نمو مطّرد للتّعاون بين البلدين يشمل عدّة قطاعات إنتاجية حيوية

 تشهد العلاقات الجزائرية - الإيطالية منحى تصاعديًا، وتطورًا ديناميًا فريدًا، جسّد الإرادة السياسية لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، ونظيره الإيطالي، السيد سيرجيو ماتاريلا، على رفع الشراكة بين البلدين الصديقين إلى آفاق أرحب.

 اتّفق أساتذة وخبراء اقتصاديّون على حدوث نقلة نوعية في التعاون الثنائي بين الجزائر وإيطاليا، مسجّلاً نموًّا مطردًا ليشمل عدة قطاعات إنتاجية حيوية، والتزامًا بتعزيز الشّراكة الاقتصادية واستغلال الفرص الاستثمارية المُتاحة في مختلف المجالات، يترجمه الزيارات المتبادلة لقادة ومسؤولي البلدين، كان آخرها زيارة الدولة التي قادت الرئيس تبون إلى روما، لترؤّس أشغال الدورة الخامسة للقمة الحكومية الجزائرية الإيطالية رفيعة المستوى.
وفي هذا الشأن، أكّد مدير معهد العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير بالمركز الجامعي المقاوم الشيخ آمود بن مختار في ولاية إيليزي، الدكتور خثير شين، إنّ جمهوريتي الجزائر وإيطاليا، توليان أهمية متزايدة لتنويع الشراكة بين البلدين، خصوصًا مع تفاقم التحولات الاقتصادية والجيوسياسية في العالم.
وأفاد الدكتور خثير شين في تصريحه لـ «الشعب»، إنّ التعاون بين الجزائر وروما ليس وليد اليوم، وإنما يمتد لعقود طويلة، ويعتمد أساسا على المصالح المشتركة وتبادل المنفعة لاسيما في قطاعات الطاقة والزراعة والصناعة.
ومع التحولات التي تشهدها سوق الطاقة العالمية - بحسب شين - برزت أهمية تعزيز هذه الشراكة لتشمل الانتقال الطاقوي، حيث تعمل الجزائر وإيطاليا، هذه الآونة، على تطوير مشاريع في مجال الطاقات المتجددة، مثل الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية، ممّا يعكس رغبة البلدين في تجاوز العلاقة التقليدية القائمة على تصدير الغاز، نحو شراكة أكثر استدامة تخدم الطرفين على المدى الطويل.
استثمار متنوّع
 أوضح الدكتور خثير شين، أنّ التعاون الاقتصادي بين الجزائر وإيطاليا يتّجه نحو التنويع وتعديد مجالات التعاون ذات الأهمية الإستراتيجية، على غرار القطاع الفلاحي الواعد، نظير امتلاك الجزائر مساحات زراعية شاسعة بحاجة إلى استصلاح وتكنولوجيا متطورة، من شأنها زيادة الإنتاجية وتحقيق الأمن الغذائي الوطني، كما يمكن لإيطاليا باعتبارها دولة رائدة في تقنيات الري والزراعة الذكية - أضاف شين - أن توفر الحلول اللازمة لتذليل العراقيل التي تعترض نمو وتقدم القطاع الزراعي الجزائري.
ووفقًا للخبير ذاته، تشكّل قطاعات البنية التحتية والصناعة مجالات هامة للتعاون أيضًا، خاصة أنّ الجزائر تعمل على تنفيذ مشاريع كبرى في البناء والنقل والسكك الحديدية والصناعات التحويلية والميكانيكية، ما يفتح الباب أمام الشركات الإيطالية للاستثمار ونقل التكنولوجيا، وهو ما سيعزّز من مكانة الجزائر كوجهة استثمارية جذّابة في العالم.
وبدورها، تعتبر السياحة من القطاعات المرشّحة للاستفادة من التعاون الجزائري - الإيطالي، حيث تمتلك الجزائر إمكانات طبيعية وتراثية هائلة، لكنها لم تستغل بعد على نحوٍ أمثل، فضلا عن ذلك، تستطيع روما ذات الخبرة العالمية في السياحة والتّرويج لها، أن تلعب دورًا مهمًا في مساعدة الجزائر على تطوير بنيتها السياحية، وجذب استثمارات أجنبية في هذا المجال، خصوصا في السّياحة الصحراوية والثقافية، بحسب قوله.
ولوج أسواق أوروبا
 ويرى الأستاذ خثير شين أنّ الجزائر تستطيع استغلال هذه الشراكة لتوسيع نفوذها الاقتصادي في أوروبا، في حين يمكن لإيطاليا الاعتماد على الجزائر كمحطة رئيسية للوصول إلى الأسواق الإفريقية، لاسيما وأنّ بلد الشهداء يمتلك موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا، وله اتفاقيات تجارية هامة مع عدة دول في القارة السمراء.
وبالرغم من الفرص الكبيرة التي توفّرها هذه الشراكة المتميزة، لا تزال هناك بعض التحديات التي يجب معالجتها لضمان تعميق أكبر للتعاون الاقتصادي بين البلدين.
كما تعكس زيارات قادة ومسؤولي البلدين، وجود إرادة سياسية قوية لتعزيز التعاون بين الدولتين الصديقتين، سترتقي بالعلاقات الجزائرية -الإيطالية إلى مرحلة جديدة أكثر تنوّعًا واستدامة، خاصة مع استمرار الحوار بين الحكومتين، والعمل الدؤوب على إزالة العوائق التي قد تعترض الاستثمارات الجديدة، بما يخدم المصالح المشتركة لكلا البلدين وفق قاعدة رابح -رابح.
إلى ذلك، تعدّ إجراءات تحسين مناخ الاستثمار والأعمال في الجزائر، وتسهيل التدابير الإدارية والجمركية، وتعزيز الربط اللوجستي البحري مع روما، من العوامل المساعدة في زيادة الجاذبية واستقطاب الاستثمارات الإيطالية داخل التراب الوطني، ومنه الدفع بعجلة التعاون الاقتصادي إلى مستويات أعلى.  
وتأتي هذه الديناميكية الجديدة في العلاقات بين الجزائر وإيطاليا في سياق عالمي يشهد تغيرات اقتصادية وسياسية معقدة، تُحتّم مواصلة تعزيز التعاون وتعميقه أثره أكثر بين الطرفين، يذكر الدكتور خثير شين.
قرب وثقة متبادلة
من جهته، أكّد أستاذ الاقتصاد بجامعة ولاية غرداية، الدكتور رشيد شنيني، أن العلاقات الاقتصادية الجزائرية الإيطالية، اتسمت بالقدم والتقدم نتيجة القرب الجغرافي، والبُعد المتوسطي المشترك، والروابط التاريخية، والثقة المتبادلة، وتعدّد الشّراكات وتنوّعها، مبرزًا أنّها شهدت تطوّرا أكبر في السنوات الماضية في مجالات الصناعة والزراعة والصناعات الغذائية التحويلية وغيرها.
وأوضح شنيني، في تصريح خصّ به «الشعب»، أنّ التجارة بين البلدين انتعشت في المرحلة الأخيرة، حيث رفعت الجزائر من تصدير المحروقات إلى إيطاليا (الغاز الطبيعي، النفط)، وتَعزّز تموينها أكثر، ممّا جعلها من أكبر مزودي روما بالغاز الطبيعي بنسبة تتجاوز 40 بالمائة من الاستهلاك الداخلي، وهذا عبر خط أنابيب «ترانسميد» الممتد من حاسي الرمل عبر تونس إلى صقلية.
ومن جانبها، تستورد الجزائر من إيطاليا الآلات الصناعية، والمواد الكيميائية، وقطع الغيار، والسلع الاستهلاكية المختلفة وغيرها.
أما في مجال الصناعة، فارتقى التعاون بها إلى أعلى المستويات، مثل تشييد الاستثمار الإيطالي الضخم الخاص بإنتاج المركبات السياحية والنفعية للعلامة فيات(FIAT) - مجمع ستيلانتيس بولاية وهران، الذي ستبلغ طاقته الإنتاجية 90 ألف سيارة بنهاية سنة 2026، في حين تنشط بقطاع الأشغال العمومية شركة ساليني إمبريغيلو(Salini Impregilo) وشركة فينكانتيري (Fincantieri) في مشاريع البنية التحتية على غرار بناء الموانئ والسدود، يضيف الدكتور شنين.