تواصل الشّراكة الجزائرية - الإيطالية توسّعها، بعد القمة الحكومية الأخيرة التي أسفرت عن توسيع خارطة التعاون الاقتصادي، محققة وثبة تاريخية؛ لأنها انتقلت من العلاقات الاقتصادية التقليدية إلى تعميق التبادل وتنويع التعاون في أكثر من قطاع، مبنية على ثقة واحترام المصالح، ومرتكزة على مبدأ ربحية الشريكين، واتخذت هذه الشراكة شكل تكتل مصغر مهم بين ضفتي المتوسط، مرشح لأنّ يتعزز في ضوء العديد من الاتفاقيات المبرمة في إيطاليا، تتصدرها شراكة سونطراك وإيني، وتوسيع التعاون في القطاع الزراعي والصيد البحري وكذا المجال التكنولوجي.
جذبت أشغال الدورة الخامسة للقمة الحكومية الجزائرية-الإيطالية رفيعة المستوى اهتمام المتابعين، وتُوّجت بتوقيع مجموعة من الاتفاقيات الحيوية، تمحورت حول تعزيز التعاون في مجال الطاقة، إلى جانب قطاعات استراتيجية مثل الموارد المائية، الزراعة المستدامة، الصناعة، النقل، والتنوع الثقافي والعلمي. وقد أبرزت هذه الخطوة تصاعد أهمية السوق الجزائرية كوجهة استثمارية واعدة، لما تتيحه من فرص كبيرة للمستثمرين المحليين والدوليين، كما تعكس حرص الجزائر على تنويع شراكاتها الاقتصادية وتحالفاتها الاستراتيجية.
الاتفاق المبرم في القطاع الزراعي والصيد البحري، ليس الأول من نوعه بالنسبة للشريكين، فقد وقّعت الجزائر العام الماضي صفقة فلاحية ضخمة، ناهزت حدود 420 مليون أورو، وتمثلت في المشروع الاستراتيجي لزراعة الحبوب، والمندرج في إطار الأمن الغذائي، بالإضافة إلى افتكاك الشريك الإيطالي لحصة مهمة من سوق الصناعة الميكانيكية والنقل والصناعة التحويلية، ولعل ما يعزز الشراكة الثنائية وجود تعاون في تكنولوجيا المعلومات والاتصال وكذا جانب البحث العلمي، وفي 7 جويلية الجاري، وقّع مجمع سوناطراك اتفاقًا بقيمة 1.35 مليار دولار لتطوير حقول النفط والغاز، أعقبه توقيع بروتوكول تفاهم جديد مع شركة “إيني” الإيطالية. وتجدر الإشارة إلى أن صادرات الغاز الجزائري نحو إيطاليا تبلغ حاليًا قرابة 3 مليارات أورو سنويًا، مع توقعات بزيادتها في المستقبل القريب.
مجالات الاستثمار ما زالت مفتوحة بين الشريكين النموذجيين في حوض المتوسط، عقب التوقيع خلال هذه القمة على مذكرة تفاهم بين الشركة الإيطالية لتعزيز الاستثمار والوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار بما يسمح بترجمة المزيد من المشاريع الاقتصادية الإستراتجية بين شركات عمومية وخاصة، وعكست هذه الدورة التاريخية مستوى عاليا من العلاقة الموثوقة مع الشريك الايطالي الصديق، ليس في مجال الطاقة والطاقات المتجددة وحدها، بل في مختلف القطاعات الإنتاجية، في ضوء الاتفاقيات القطاعية المبرمة، وما أفضى إليه ملتقى رجال الأعمال الجزائري-الايطالي بفتح أبواب أوسع على التعاون وبناء المشاريع الاقتصادية المنتجة بما يمدد من العلاقات الثنائية التاريخية، علما أن هذه الشراكة جددت روح التعاون والتوافق، مسطّرة خارطة واعدة من المشاريع المختلفة والمنتجة والمستدامة.
وينتظر أن تشكّل جملة الاتفاقيات الإستراتيجية المبرمة حلقة وصل مهمة ونقطة تحوّل في العلاقات الثنائية، باعتبارها شراكات إستراتيجية تفتح الفرص وتعد بكثير من التنوع والتطور الاقتصادي، بما يحقق الربحية للطرفين.ولا يخفى أنّ الجزائر ما زالت تنظر إلى إيطاليا كدولة أوروبية موثوقة بالنظر إلى علاقات الصداقة القوية التي تربط الطرفين، فقد انتقلت من العلاقات الاقتصادية التقليدية والمتمثلة في الطاقة، لتتجه نحو زخم من التنويع والتبادل المثمر في عديد المجالات، وينتظر أن تتوسع لترقى إلى طموحات البلدين، والبداية تتجه كذلك نحو بناء محور للطاقة الخضراء من خلال تموين الجزائر للشريك التقليدي ولدول أوروبية بالهدروجين عبر إيطاليا.في الوقت الراهن، توصف الشراكة الجزائرية - الايطالية بأنها موثوقة، لأنّ إيطاليا تعد أكبر شريك للجزائر وأصبحت تحتل موقعا متميزا في السوق الجزائرية باستثمارات باتت تنمو بسرعة أكبر، ومرشّحة للتوسع مثل الصناعة الميكانكية على غرار علامة فيات المتموقعة في سوق السيارات بالجزائر في خضم سلسلة من المشاريع العملاقة، وكما سمحت هذه القمة بلقاء أكثر من 500 مؤسسة جزائرية وإيطالية، وتعد فرصة للاحتكاك والتشبيك الاقتصادي يلعب فيها القطاع الخاص دورا مركزيا من أجل تشجيع الشراكات البينية، في ظل وجود حرص على تسريع عملية التنفيذ من خلال تخصيص آلية للمتابعة على مستوى وزارة الخارجية عبر لجنة لتفعيل هذه الشراكات.