طباعة هذه الصفحة

مـن قمع الشعب الصحراوي إلـى التواطـؤ مـع الصهاينـة

هكذا تورّط المخـزن في سفـك الـدم الفلسطيـني

محمد لعرابي

دعــم متواصـل لكيان عنصـري يقــترف مجـازر إبـــادة جماعيــة غـير مسبوقـــة

بينما تغرق المملكة المغربية في أزماتها الاجتماعية والسياسية العميقة، وتئن تحت وطأة الفساد والريع والمحسوبية، يواصل نظام المخزن هروبه إلى الأمام من خلال ازدواجية استعمارية فجّة.. استعمار مباشر لشعب الصحراء الغربية عبر الاحتلال والقمع والنهب، وتواطؤ غير مشروط مع المشروع الصهيوني في فلسطين، عبر موانئ وأراضٍ باتت معبرا للعتاد الحربي الموجه لقتل الأطفال وتدمير المستشفيات.. إنه نظام يعيد إنتاج منطق الهيمنة الكولونيالية القديم، مستخدما أدوات الدولة الحديثة في تزويق واقع الاحتلال والإذلال..

ولم ينجح المخزن، رغم كل حملات الدعاية والبهتان، في إقناع العالم بشرعية وجوده في الصحراء، ومع ذلك يواصل فرض هيمنته بالقوة، رافضًا كل المساعي الأممية لتنظيم استفتاء تقرير المصير، ويتوّرط علنا - على الجبهة الأخرى - في دعم كيان عنصري يقترف جريمة إبادة جماعية غير مسبوقة، بفلسطين، من خلال التطبيع الشامل الذي لم يعد يقتصر على الجوانب الدبلوماسية والاقتصادية، بل طال المرافئ، والمجال الأمني، والفضاء الأكاديمي، في مشهد يعرّي البنية الكولونيالية العميقة للمخزن.

الصحراء الغربيــة حــــرّة..

تُعد الصحراء الغربية آخر إقليم مدرج ضمن قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، وقد أدرجته المنظمة منذ عام 1963. وتأسيسًا على قرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، فإن الشعب الصحراوي هو صاحب الحق الوحيد في تقرير مصيره، وهو ما أكده الاستفتاء المتفق عليه بين جبهة البوليساريو والمغرب سنة 1991 برعاية أممية.
غير أن نظام المخزن، وبعد أن خسر الحرب عسكريًا، انتقل إلى استراتيجية التعطيل السياسي، فبدأ يرفض أي آلية تحقق للشعب الصحراوي حقه في الاختيار الحر، وعرض بدلاً من ذلك البهتان المسمى “الحكم الذاتي”، في محاولة للالتفاف على الشرعية الدولية وتكريس واقع الاحتلال بقوة الأمر الواقع.
ويُعد هذا المقترح مناورة لا تخرج عن المنطق الاستعماري نفسه، إذ لا يمكن تصور “حكم ذاتي” داخل دولة لا شرعية لها على الصحراويين، فالمغرب لا يملك أي سيادة قانونية على الصحراء الغربية، ولا يعترف به أي قرار دولي كقوة إدارية شرعية، وحتى محكمة العدل الأوروبية أكدت في عدة مناسبات أن “الصحراء الغربية كيان منفصل ومتمايز عن المغرب”، وهو ما يجعل أي اقتراحات مغربية خارج هذا السياق، مخالفة للقانون الدولي.

المخـزن.. القمـع الداخلـــي والابتـــزاز الخارجـي

يستند المخزن في فرض سلطته على الصحراء الغربية إلى أدوات قمعية وعسكرية، من اعتقالات واختطاف للناشطين، وحصار للمناطق المحتلة، ومنع للصحافة، وصولاً إلى التهجير القسري، وتغيير التركيبة السكانية عبر استقدام مستوطنين مغاربة.
وقد وثّقت منظمات دولية، منها “هيومن رايتس ووتش” و«أمنيستي”، انتهاكات جسيمة تمارس بحق الصحراويين، تشمل التعذيب في السجون، والتضييق على الحريات، وحرمان المعتقلين من أبسط حقوقهم. وقد تحوّلت الصحراء إلى سجن مفتوح في نظر النشطاء الحقوقيين، إذ تُدار المناطق المحتلة بقبضة استخباراتية أمنية لا تحترم حق الإنسان، ولا تعترف إلا بمناهج القرون الوسطى البائدة في التعامل مع الشعوب.
ولا يكتفي المخزن بالقمع الداخلي، وإنما يُحاول ترويج روايته عبر ضغوط دبلوماسية وابتزاز اقتصادي على الدول والشركات الدولية، إذ يشترط على كل من يريد الاستثمار في المغرب أن يُعلن صراحة عن موافقته على المنهج الكولونيالي، كما يُمارَس الابتزاز السياسي على دول جنوبية وشركات أوروبية لتفتح فروعها في العيون أو الداخلة المحتلتين، وذلك في انتهاك صارخ للشرعية الدولية.

التطبيع.. الوجـه الآخر للعقليـة البائـدة

في خضم هذا المشروع الاستعماري الذي يشنه المخزن على الصحراء، اختار النظام المغربي الانخراط في تحالف استراتيجي مع الكيان الصهيوني منذ توقيع اتفاقيات “أبراهام” سنة 2020. لكنّ التطبيع المغربي لم يكن محصورًا في الجوانب البروتوكولية، بل انزلق نحو أشكال متقدمة من التعاون الأمني والعسكري واللوجستي، إلى درجة التواطؤ المباشر في جرائم الاحتلال.
أصدرت حركة BDS تقريرًا موثقًا يُظهر استخدام موانئ مغربية في تمرير شحنات أسلحة إلى الكيان الصهيوني، تحديدًا عبر ميناء طنجة المتوسط وميناء الدار البيضاء، حيث تم شحن أجزاء من مقاتلات “F-35” إلى ميناء حيفا، ثم استُخدمت هذه الطائرات في القصف الجوي الوحشي على قطاع غزة، والذي يودي يوميا إلى مقتل المدنيين العزل، لا يستثني أطفالا ولا شيوخا.
وأكدت BDS انه منذ نوفمبر 2024، “أصبحت طنجة مركزا رئيسيا في عمليات شركة ميرسك بالبحر الأبيض المتوسط، تستقبل السفن المحملة بالمعدات العسكرية، ليعاد شحنها نحو موانئ الاحتلال الصهيوني”، وذكرت - في هذا الإطار - بالتقارير التي أشارت إلى أن “نقل شحنات مماثلة بشكل مستمر منذ ما لا يقل عن خمس سنوات ضمن سلسلة توريد طائرات F-35 إذ تم نقل ما لا يقل عن 1009 شحنة، بوزن إجمالي يفوق 68 ألف طن”، مشيرة إلى أنه لا يخفى على أحد دور هذه المقاتلات في حرب الإبادة على غزة، وفي العدوان على لبنان واليمن وسوريا وإيران، علما أن النشاط المخزني التطبيعي يُعد انتهاكًا لاتفاقيات حظر تصدير الأسلحة والمساعدة على ارتكاب جرائم حرب، ويضع المغرب في موضع شراكة جنائية دولية مع الكيان الصهيوني، لا مجرد تواطؤ سياسي.

من اخـتراق بنيــوي شامــل

ولم يقف التطبيع عند حد المرافئ والسلاح، بل امتد إلى الفضاء الجامعي والثقافي، في محاولة لاختراق بنية الوعي المغربي، خاصة لدى الشباب. وقد حذرت منظمات طلابية من محاولات “أسرلة” المجال الأكاديمي، وفرض الشراكات مع جامعات صهيونية، فيما اضطر صهاينة إلى الانسحاب مؤخرًا من مؤتمر لعلم الاجتماع انعقد بالرباط، بعد احتجاج أكاديمي واسع.
وتسارعت إجراءات فتح سفارة صهيونية بالرباط، واستقبلت المملكة عشرات الوفود الاقتصادية والأمنية، في سياق يُظهر التحول الخطير في العقيدة الرسمية للنظام المغربي: من دعم القضية الفلسطينية ـ ولو شكليًا ـ إلى تقديم خدمات استراتيجية لكيان عنصري، على حساب أطفال يقتلون دون ذنب ارتكبوه.

الهـروب إلـى الأمـام.. لمـاذا؟!

السؤال المركزي الذي يطرح نفسه: لماذا يغامر النظام المغربي بهذا التورط الخطير مع الكيان الصهيوني؟ والإجابة تتعلق بطبيعة المخزن ذاته، وليس بتحولات ظرفية، فنظام المخزن كولونيالي النشأة، قائم على التحالف بين البلاط الملكي، والرأسمالية الريعية، وجهاز إداري وأمني خاضع تمامًا لمصالح المركز. وقد فشل هذا النظام في بناء نموذج اقتصادي أو سياسي يحظى بإجماع شعبي، ما جعله يعتمد على أدوات السيطرة التقليدية.. شراء الولاءات، القمع، والاحتماء بالدعم الخارجي.
ومن هنا، فإن التحالف مع الكيان الصهيوني ليس مجرد صفقة آنية، بل امتداد طبيعي لنظام يعتبر السيطرة على الأرض، وقمع الشعوب، وتبادل المصالح مع الاحتلالات، أدوات مشروعة لبقائه.
إن الربط بين قضية الصحراء الغربية والقضية الفلسطينية ليس افتعالاً، بل ضرورة تحليلية وتاريخية. فكلتا القضيتين تشتركان في الطابع الاستعماري: المغرب يحتل الصحراء بالقوة، والكيان الصهيوني يحتل فلسطين بالقوة، وكلاهما يرفض العودة إلى حدود ما قبل الاحتلال، ويشتركان في القمع الممنهج لأصحاب الأرض، بداية من سجن نشطاء الصحراويين إلى قتل الصحفيين الفلسطينيين، إضافة إلى أن الكيانين معا (الكيان الصهيوني والدمية المخزنية) يمارسان النهب الاقتصادي.. من فوسفات بوكراع إلى غاز غزة.
وفي هذا السياق، يصبح الدفاع عن الحق الصحراوي في تقرير المصير متلازماً مع الدفاع عن فلسطين، كما أن فضح تورط المغرب في التطبيع يصبح ضرورة نضالية لتفكيك أدوات الاحتلال وتوسيع دائرة الوعي بمخاطر “تطبيع الاحتلالات” على شعوب المنطقة برمتها.

حريـة الصحراويــين.. الحق

ولقد أكدت حكومة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وجبهة البوليساريو، في بيان رسمي صدر من بئر لحلو بتاريخ 30 جويلية 2025، أن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير يمثل الحل “العادل والتوافقي” الوحيد الممكن لإنهاء النزاع القائم، باعتبار أن هذا الحل تم الاتفاق عليه منذ عام 1991 بإشراف الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية، بعد حرب ضروس دامت 16 سنة، لكنّ النظام المغربي الذي يروّج لفكرة “حل لا غالب فيه ولا مغلوب”، يتنكر للحل الحقيقي الذي لا غالب فيه إلا الحق، ولا مغلوب فيه إلا المشروع الاستعماري. ذلك أن الاتفاق الأممي نص صراحة على تنظيم استفتاء لتقرير المصير، وهو ما ظل المغرب يعرقله منذ أكثر من ثلاثة عقود، عبر التحايل والتضليل ومحاولات فرض بهتان “الحكم الذاتي” كأمر واقع، وهو مقترح مرفوض قانونيا وأخلاقيا، لأنه يسعى إلى فرض السيادة بالقوة بدل احترام إرادة الشعب الصحراوي.

المخـزن.. نظـام العــار

إن نظاما مثل المخزن، غارق في الفساد والابتزاز السياسي، لا يمكن أن يكون طرفا نزيها في أي قضية تحرر. فقد كشفت صحافة مغربية وأجنبية عن تورط مسؤولين حكوميين، بمن فيهم رئيس الحكومة، في صفقات مشبوهة وتحكم احتكاري في قطاعات استراتيجية كالمحروقات والطاقات المتجددة، وسط غياب تام للمحاسبة.
وفي الجانب الاجتماعي، تسجل كل التقارير فشل المخزن في توفير حياة كريمة لمواطنيه، وهو ما دفع آلاف الأطفال إلى الهجرة القسرية نحو سبتة ومليلية، في مشهد يختزل انعدام الأمل والانهيار الداخلي لدولة باتت تفضل عقد الصفقات مع الاحتلال على إصلاح أوضاع مواطنيها.
إن قضية الصحراء الغربية ليست نزاعا هامشيا، بل هي قضية استعمارية جوهرية في إفريقيا والعالم. وموقف المخزن منها يكشف عن الطبيعة البنيوية لنظام قمعي يستمد شرعيته من التوسع والقمع، لا من الإرادة الشعبية.
أما تورطه في دعم الإبادة الجارية في فلسطين، فهو فصل جديد من الخيانة الجماعية التي تمارس باسم “السيادة”، في حين أن السيادة الحقيقية تُبنى على احترام إرادة الشعوب لا على سحقها.
إن إسقاط الاحتلال المغربي للصحراء لا يمكن أن ينفصل عن المعركة الكبرى لإسقاط التطبيع مع الكيان الصهيوني. فهما وجهان لنفس الاستعمار، وإن اختلفت الجغرافيا. وفي كلتا الحالتين، المعركة واحدة، والحق لا يُغلب، وإن طال أمد الظلم.