طباعة هذه الصفحة

البروفيسور فضيل دليو لـ”الشعب”:

تــفــوُّق الجزائريــين بالجامعات الأجــنبـية مَعلم بارز في وسـائل الإعلام

حوار: فائزة سعد لعمامري

أحد أعلام الجامعة الجزائرية، عاد من أوروبا مُحمّلا برسائل علمية وطاقة إنتاج كبيرة، فهو صاحب الفضل في دخول تخصص الاتصال إلى الجزائر، لُقِّبَ بـ«أبو الاتصال” و«أبو المنهجية”.. أصدر عشرات المؤلفات المتخصصة في الإعلام والاتصال وعلم الاجتماع، وتقلّد عدة مناصب في قطاع التعليم العالي، ومازال إلى اليوم يؤدي رسالته السامية في التعليم الجامعي بقسنطينة.. إنه البروفيسور “فضيل دليو”، الذي التقيناه فكان لنا معه هذا الحوار الشَيق..

-  بداية، معروف أنك نشأت في عائلة مجاهدة بإحدى قرى ولاية جيجل، قبل انتقالك إلى قسنطينة وتتلمذك على يد عم الوالدة الفاضلة.. العم الذي تتلمذ على يدي العلامة ابن باديس.. كيف أثّرت البيئة التي نشأت فيها على تكوين شخصيتك؟ وهل كان لها تأثير في إصرارك على التحصيل العلمي؟
 مساري التعليمي لم يبدأ في قسنطينة، بل في أحد مساجد مسقط رأسي الذي كان إمامه مجند شباب الثورة التحريرية المباركة، “عمّ الوالدة” رحمه الله، ثم التحقت بالتعليم الابتدائي بعد استشهاد جدي ووالدي على يد قوات الاحتلال. وبالطبع كان لهذه البيئة المقاومة ثقافيا وعسكريا، وللظروف القاسية التي عانت منها الأم الصابرة على تنشئتي بمعية أخي، أثرها البالغ في تكوين شخصيتي، فقد كان لأم اليتيمين دور حاسم، وقرار متابعة التحصيل العلمي قرارها، وكان مبعثه كونها من البنات القلائل اللواتي تتلمذن حينها مع الذكور حيث كانت ترافق عمها إلى مسجد القرية لحفظ ما تيسر من القرآن بمعية تلامذته، كما أنها حرصت على مساعدتي شخصيا بحكم معرفتها القراءة والكتابة بالعربية؛ وذلك على حساب حاجيات أخرى رغم  ضيق سبل العيش حينها... ففعلت عدوى رفع تحدي أم اليتيمين فعلتها، وما زالت لحد الآن. ولقد تيقنت لاحقا، وبعد مراجعة عدة محطات في مسار العائلة الصغيرة، أن اللطف الإلهي وتوفيقه يرعيان أمهات اليتامى اللواتي يتمسكن بالأيتام ويمتنعن عن الزواج..

- تكوينك بدأ في الجزائر وتواصل في أوروبا، واليوم أنت أحد أعلام الجامعة والبحث العلمي الجاد والمثمر، يلقّبونك بـِ”أبو الاتصال والمنهجية”.. هناك عدد معتبر من العلماء والأعلام الجزائريين المتواجدين بالوطن أو بالخارج، وانطلق تكوينهم القاعدي من الجزائر، فهل يمكن اعتبار هذه القامات العلمية والفكرية مؤشرا على قوة ورصانة التكوين القاعدي في الجزائر؟
 أظنني لا أستحق ما يقال عني، فقد يكون لي إسهام متواضع في القيام بمشاريع بحث وطنية، وفي فتح دراسات عليا في عدة جامعات جزائرية، وفي توفير مادة علمية محيّنة ومتخصصة، وفي النقل الهادف لبعض المعارف الغربية إلى اللغة العربية، لكن، أحسب أن ذلك يقع في حدود متطلبات مهنة الأستاذ الباحث الجامعي، وبالطبع، كلٌّ حسب طاقته وإمكاناته. أما بالنسبة لدور التكوين القاعدي فالمنظومة التربوية – رغم عدم استقرارها - وكذلك التعليم العالي، فكونهما مجانيين ويشجعان على التنافس، يتيحان فرصا ثمينة لأبناء عامة الشعب للتفوق العلمي وتحسين وضعيتهم الاجتماعية، فقد كان لهما دور مهم في بروز قامات علمية وفكرية جزائرية خارج الجزائر وداخلها، وشخصيا استفدت من هذا التكوين في مساري التعليمي والبحثي، حيث عشنا في السبعينيات داخل أقسام التعليم وخارجها جوّ نقاشات علمية منعشة.. وأظن أن تفوق الطلبة والباحثين والأساتذة الجزائريين في المؤسسات الأجنبية ما زال مَعلما بارزا في وسائل الإعلام إلى يومنا هذا.

- نتحدّث قليلا عنك.. رغم تقلّدك عدة مناصب إدارية مهمة وغزارة علمك، يسجّل كل العارفين بالبروفيسور “فضيل دليو” تواضعه الجم وبساطته وأمانته العلمية.. ونحن نعلم أنّ أحد أبرز مشاكل الجامعة اليوم هي السرقة العلمية وربما الكِبْر أيضا، وهي مشكلة تتعلق بأخلاق الباحث وأخلاقيات البحث العلمي، أين الخلل؟ هل هو في طبيعة التنشئة الاجتماعية أو في التكوين البيداغوجي؟
 أظن أن معظم المناصب التي انتخبت فيها أو كلفت بها كانت ذات طابع بيداغوجي (لجان) وعلمي (مجالس) وأخلاقي (مجالس) أكثر منها إداري.. أما فيما يخص الأخلاقيات التي سجلتموها فهي لا تخلو من مبالغة ظرفية وشخصية، وقد تعود جلها لطبيعة المنشأ الاجتماعي والمسار التكويني وتغليب ذلك على التطبع ببعض الدوافع الترقوية –إداريا وعلميا- والتي قد تدفع باتجاه تجاوز بعض الضوابط الأخلاقية المرتبطة في الضمير الجمعي لجيلنا بالعلم، فالأخلاق قضية تؤكدها جميع الشرائع الدينية والمواثيق البشرية، وهو أمر حاسم في تطور الأمم وديمومة تفوقها الحضاري... وهذا بالطبع لا يعني العصمة من الزلات الأخلاقية بل الغلبة في الممارسة والمغالبة النفسية.   

- هناك من يعبّر عن استيائه من غياب النخب العلمية بآرائها ومواقفها عن واقع مجتمعاتها وقضايا أمّتها، هل تعتقد أن للنخب العلمية واجبا يجب أن تؤديه خارج مراكز البحث؟.. لنقل.. أين ترى موقع النّخب؟
في حقيقة الأمر هي ليست غائبة، ولقد أحسنتِ التعبير عنها في صيغة الجمع نظرا لتعقد المجتمع وتنوع احتياجاته، فهي نخب متعددة المشارب والتخصصات والأداء، وهو ما يتوافق مع الفكر السائد في علم اجتماع السياسي منذ سبعينيات القرن الماضي، فبعضها ذو حضور ملفت للنظر وبعضها الآخر يعمل بعيدا عن الأضواء وبعضها الثالث يتم تجاهله أو يفضل الانكفاء الذاتي لتقديره عدم جدوى المبادرة والمشاركة... أما مراكز البحث فهي كيانات وسيلية مفيدة في حالة عدم تحولها إلى غاية في حد ذاتها.

- إذا طلبت منك نصيحة للأجيال القادمة انطلاقا من تجربتك في الحياة العلمية والعملية العظيمة وحتى الشخصية، ماذا تقول؟
 يمكن تلخيصها في عبارة: “الأخذ بالأسباب المتاحة والتوكل على الله”، أي الأخذ بمقولة “اعقلها وتوكل”، فمن أهم ما خبرته شخصيا أن التوفيق ملازم -إن عاجلا أو آجلا- لباذل الجهد في الأمور النافعة. وعمليا، فمن أهم الأسباب النافعة: فقه الأولويات وتنظيم الوقت تبعا لذلك، مع بذل الجهد والمثابرة وعدم استعجال الأمور والتسلح بالعدة اللغوية خاصة الإنجليزية، وبممارسة الرياضة وتجنب رفقاء السوء.