طباعة هذه الصفحة

بورتريه

المجاهـدة وافية بلعربـي

الإيمان بالجزائر..لا يحول ولا يزول

 تعتبر الفنانة المجاهدة الراحلة وافية بلعربي إحدى “جميلات الجزائر” التي يشع نورها في تاريخ المسرح الجزائري، حيث ناضلت بالكلمة فوق الركح كعضو في الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، وساهمت في إثراء الحركة المسرحية بالجزائر بعد الاستقلال.

أعمال فنية صنعت الفرجة
ولدت الفنانة حاج بلاحة وافية المعروفة بوافية بلعربي بقرية “كريشتل” (شرق وهران) في 13 ماي 1933 وسط أسرة فقيرة، وكانت تلميذة نجيبة، لكن الاستعمار الفرنسي حرمها من مواصلة دراستها ممّا جعلها تشعر بالظلم والقهر ومرارة التمييز بين الجزائريين الأصليين وأبناء المعمرين الفرنسيين، حسبما ذكره نجلها الأكبر، عز الدين الهمامي.
ودفع هذا الوضع المأسوي بوافية التي ترعرعت بحي “المدينة الجديدة” للالتحاق بالفرقة الفنية التي أسستها جبهة التحرير الوطني في 1958، ملبية بذلك نداء قيادة الجبهة للفنانين من ممثلين ومغنيين، للانضمام للفرقة للتعريف بالهوية الوطنية التي حاول الاستعمار طمسها، وبالثورة المجيدة ونضال الشعب الجزائري لاسترجاع السيادة الوطنية، حسبما ذكره المؤرّخ محمد بلحاج.
وكانت الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني تضم العديد من عمالقة الفن الجزائري آنذاك على غرار مصطفى كاتب وأحمد وهبي وطه العامري ويحي بن مبروك، الذين كان لهم شرف إيصال صوت الجزائر المكافحة ورفعه إلى العالمية من خلال أعمال مسرحية منها “نحو النور” و«الخالدون” و«أولاد القصبة” عرضت بعدة دول منها الصين والاتحاد السوفياتي سابقا، وغيرها من الدول الصديقة التي كانت تساند الثورة المظفرة، وفق ذات المؤرخ.
وتشير مراجع إلى أنّ الفنانة الراحلة كانت شغوفة بالفن منذ سن مبكر، إذ جمعت بين الغناء والمسرح. كما التحفت بالعلم الوطني فوق خشبة مسرح تونس عندما كانت الجزائر تئن تحت وطأة الاستعمار.
مسيرتها بعد الاستقلال
 واصلت هذه المجاهدة مسيرتها الفنية بعد الاستقلال عندما أصبح العلم الوطني يرفرف في الجزائر الحرة المستقلة، إلى أن وافتها المنية في 8 سبتمبر 1998 عن عمر ناهز 65 سنة بعد مشوار حافل بالعطاء، دام قرابة خمسة عقود من الزمن.
رفعت الفقيدة وافية بلعربي التحدي في معركة البناء والتشييد بالجزائر، التي تحيي هذا العام الذكرى 61 لاسترجاع السيادة الوطنية، حيث كرّست حياتها في خدمة المسرح الذي ساهمت في إثراء مشهده بأعمال فنية صنعت الفرجة منذ التحاقها بالمسرح الوطني في 1963.
وبعد أن التحق المسرحي الكبير الراحل ولد عبد الرحمان كاكي بالمسرح الجهوي الذي كان تابعا للمسرح الوطني في تلك الفترة، أدت الفنانة عدة أدوار في جميع مسرحياته، منها “القراب والصالحين” و«القراقوز” بجدارة واحترافية عالية، وفي أعمال أخرى منها “الأمخاخ” و«حوت يأكل حوت” و«الحساب تلف” و«العلق” و«الخبزة” و«المنتوج” و«المايدة” و«لي كلا يخلص” و«البئر المسموم”، حسبما ذكره الناقد المسرحي، بوزيان بن عاشور.
وكانت الراحلة سيدة الخشبة بدون منازع حيث تعاملت مع كثير من المسرحيين الكبار، على غرار محمد أدار وبوعلام حجوطي وعبد القادر علولة، ووقفت فوق الركح أمام كبار الممثلين وأمتعت الجمهور بأداء راق ممّا جعلها من الشموع التي لا تنطفئ، وفق ذات الناقد.
مدرسة فنية لجيل من المسرحيّين
 من جهته، قال الفنان محمد أدار الذي اشتغل معها في مسرحية “الخبزة” التي أدت فيه دور الأم، أنّ وافية كانت جادة في عملها ومبدعة حيث كانت لها - كما قال - “قدرة تلوين الأدوار بدون الخروج عن النص”، ونجحت في أداء دور المرأة الفقيرة والبرجوازية والعربية والأوروبية.
وشاركت وافية في أغلب إنتاجات المسرح الجهوي إلى جانب زميلتها الراحلة يمينة غسول، حسبما ذكره المسرحي سعيد بوعبد الله، الذي أكد أنها “ما تنتهي من مسرحية حتى تشرع في عمل آخر بأداء رائع، مما جعلها قدوة ومدرسة فنية لجيل من المسرحيين، كانت لا تبخل عليهم بالنصائح والإرشادات. وكانت وافية سخية وبيتها مفتوحا لكل الزملاء”.
وتعتبر الفنانة وافية بلعربي التي كانت متواضعة جدا فخرا للمسرحيين لما قدمته للفن إبان ثورة التحرير المجيدة، حيث كان عطاؤها الفني سواء في المسرح أو السينما “متميزا”، علما بأنها شاركت أيضا في عدة أفلام، على غرار “المفتش الطاهر يسجّل هدفا” و«الشمس”، مثلما أشار إليه المسرحي عزري غوتي الذي كان مديرا للمسرح الجهوي “عبد القادر علولة”.
وتبقى الفنانة وافية بلعربي التي ظلت وفية للخشبة علامة فارقة في تاريخ المسرح الجزائري ممّا يتعين على الباحثين إثراء رصيدها الفني بالدراسة الأكاديمية، من خلال تنظيم ملتقيات وتخصيص بحوث جامعية لأعمالها وشخصيتها المعطاءة، وإعادة عرض وتوزيع المسرحيات التي أنتجتها الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني من طرف الفرق الشابة، حسب المؤرخ محمد بلحاج الذي دعا إلى إطلاق اسمها على أحد الصروح الثقافية بوهران، تكريما لهذه الشخصية الفنية والمجاهدة.