طباعة هذه الصفحة

رئيس اللجنة التنسيقية لمتابعة الابتكار وريادة الأعمال الجامعية.. أحمد مير لـ”الشّعب”:

الجزائـر حاضنـة الإبـداع والشركـات الناشئـة بإفريقيــا

حاورته: خالدة بن تركي

مشاريــع بحثية ترسّم مستقبل التعــاون الاقتصادي مـــع دول القــارّة

بلادنــا كونـت 65 ألــف إطـار إفريقـي..وتخصص 8000 منحة سنوية للطلبـة الأفارقـة

 أفاد رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمتابعة الابتكار وريادة الأعمال الجامعية، البروفيسور مير أحمد، في حوار خصّ به “الشّعب”، أنّ مشاركة قطاع التعليم العالي والبحث العلمي في فعاليات الطبعة الرابعة من معرض التجارة البينية الإفريقية 2025، التي احتضنتها الجزائر الأسبوع المنصرم، عكست دور الجزائر كجسر علمي واقتصادي نحو القارّة، بفضل رصيدها في تكوين الكفاءات الإفريقية وتوفير المنح، ما يعزّز فرص التعاون ويفتح آفاقا جديدة للشركات الناشئة في السوق الإفريقية.

-   الشّعب: تؤدي الجزائر دورا محوريا في دعم التعليم العالي والبحث العلمي على المستوى الإفريقي، فما أبرز أوجه هذه المساهمة التي ظهرت خلال معرض التجارة البينية الإفريقية؟
رئيس اللّجنة الوطنية التنسيقية لمتابعة الابتكار وريادة الأعمال الجامعية، البروفيسور مير أحمد: التعليم العالي والبحث العلمي، يمثل حلقة أساسية لتعزيز التعاون الإفريقي المشترك، ويكفي أن نستشهد بالكلمة الافتتاحية التي ألقاها رئيس الجمهورية، حيث أكّد أنّ الجزائر كوّنت ما يزيد عن 65 ألف إطار إفريقي، يشغلون اليوم مناصب عليا في بلدانهم، إضافة إلى تخصيص 8000 منحة سنوية للطلبة الأفارقة، ما يجعل الجزائر البلد الإفريقي الوحيد، الذي يفتح أبوابه بهذا الحجم لدعم الشباب الإفريقي علميًا وأكاديميا.
- كيف ساهم قطاع التعليم العالي والبحث العلمي في إنجاح المعرض وإبراز دور الابتكار الجامعي؟
 مشاركة قطاع التعليم العالي تمثّلت في عرض المشاريع المبتكرة للشركات الناشئة الجامعية، إلى جانب ابتكارات مراكز البحث، وقد لاقت هذه المنتجات اهتماما واسعا من الزوار الأفارقة، بل وأسفرت عن توقيع العديد من بروتوكولات التعاون، على سبيل المثال منتوج الشركة الناشئة “أناتوميس” المتمثل في الطاولة الذكية للتشريح، حيث أثار اهتماما كبيرا، وساهم في توقيع اتفاقيات مع ثماني شركات من دول إفريقية، استعدادا لتصديره واستعماله في تدريس طلبة الطبّ والصيدلة بكل من نيجيريا، جنوب إفريقيا، الطوغو، كوت ديفوار، السنغال، تونس، وغيرها.
- ما أبرز الابتكارات الجزائرية الجامعية والبحثية التي عُرضت في المعرض، وما قيمتها بالنسبة لإفريقيا؟
سجّلت مراكز البحث الجزائرية حضورا قويا، على غرار مركز البحث في المناطق القاحلة والصّحراوية، الذي عرض منتجات مبتكرة في مجال الأعلاف، قادرة على تقليص فاتورة الاستيراد الباهظة التي تتحمّلها العديد من الدول الإفريقية، إضافة إلى ذلك، برزت مشاريع جامعية متميّزة، مثل مشروع إعادة رسكلة بقايا الأسماك لاستخراج الجيلاتين من جامعة برج بوعريريج وجامعة الشلف، وهو ابتكار يمكن أن يخدم الصناعات الغذائية والدوائية. ومن بين الابتكارات اللافتة أيضا، الدراجة الكهربائية التي طورتها شركة ناشئة من المدرسة الوطنية للإعلام الآلي بسيدي بلعباس، والتي حظيت باهتمام مستثمرين من نيجيريا، بفضل بطارية مبتكرة تقلّل استهلاك الطاقة بنسبة 50 بالمائة. كما شاركت جامعة وهران للعلوم والتكنولوجيا بابتكار في مجال الأطراف الصناعية، وهو منتوج يجد صدى واسعا في إفريقيا بالنظر إلى الحروب ومخلّفات الاستعمار، التي خلفت آلاف المصابين الذين هم في حاجة ماسة لمثل هذه الحلول الطبية.
- ماذا ينتظر الطلبة والباحثين من هذه المشاركة على أرض الواقع؟
 من المهمّ التأكيد أنّ الطلبة الجزائريّين لا يزالون حديثي العهد بعالم ريادة الأعمال، كما أنّ الشركات الناشئة في الجزائر تعاني من محدودية حضورها الإفريقي، فقد أظهرت التجربة خلال السنوات الثلاث الماضية أنّ أغلب هذه الشركات ركّزت على السوق المحلية والوطنية فقط، وهو ما يعدّ نقطة ضعف في بعدها التسويقي ورؤيتها الاستراتيجية، غير أنّ هذا المعرض شكّل فرصة ثمينة لفتح الأسواق الإفريقية أمام هذه الشركات الناشئة، حيث تمكّنت إحدى الشركات الجامعية الناشئة من توقيع اتفاقية مع شركة من جنوب إفريقيا بقيمة ستة ملايين دولار، لتزويد السوق الجنوب إفريقية بمنتجاتها.
- كيف يساهم تواصل الطلبة مع نظرائهم الأفارقة في دعم حضور الشركات الجزائرية بإفريقيا؟
 سمحت مشاركة الطلبة الجامعيّين بالاحتكاك المباشر بنظرائهم الأفارقة، والتفاوض معهم بشأن ولوج السوق الإفريقية، وقد ساهم هذا التفاعل في خلق شبكة تواصل واتصال مباشر مع شركات إفريقية، ما يتوقّع أن يتحول لاحقا إلى علاقات تعاون مستدامة تعزّز حضور الشركات الناشئة الجزائرية في القارّة، وتدعم ما يُعرف بالبعد والعمق الإفريقي للجزائر، كما منحت هذه التجربة للطلبة فرصة عملية للتعرّف على طرق التفاوض والتسويق، وفهم طبيعة السوق الإفريقية بشكل مباشر، وهذا سيساعدهم على تطوير أفكارهم وتحويلها إلى مشاريع قابلة للتوسّع خارج الجزائر، بما يدعم حضور بلدهم كشريك اقتصادي في القارّة.
- ما أهمية هذا التعاون في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز مكانته داخل الفضاء الإفريقي؟
 يعد هذا المعرض فرصة ثمينة للشركات الجزائرية، سواء من القطاع العام أو الخاص، من أجل تعزيز حضورها في السوق الإفريقية، ويتجلى ذلك من خلال توقيع الاتفاقيات والبروتوكولات المختلفة، حيث حازت الجزائر على نسبة معتبرة منها، وقد سجّل معرض التجارة البينية الإفريقية بالجزائر رقما قياسيا جديدا، إذ بلغت قيمة الاتفاقيات الموقّعة أكثر من 48.3 مليار دولار، غير أنه الآن يجب التركيز على آليات تنفيذ هذه المشاريع.
-   في رأيكم كيف يمكن للشركات الجزائرية الاستفادة من خبرة المؤسسات الكبرى لتعزيز وجودها في السوق الإفريقية؟
 من المنتظر أن تشرع الشركات الجزائرية، بمختلف أصنافها، في التواصل مع نظرائها الأفارقة من أجل تجسيد تلك الاتفاقيات على أرض الواقع، صحيح أنّ ذلك يشكّل تحديا، لكنه ليس مستحيلا، خاصة في ظل الخبرة التي تمتلكها مؤسّسات جزائرية كبرى مثل “سوناطراك” و«سونلغاز” و«كوندور”، والتي نجحت في التموقع داخل السوق الإفريقية، بما يمنح فرصة إضافية لباقي الشركات العمومية والخاصة للاستفادة من تجربتها والانطلاق بقوة نحو هذا الفضاء الواعد، ويظل الشعار الذي أطلقه رئيس الجمهورية في افتتاح هذا المعرض: “إفريقيا للأفارقة” أو “إفريقيا أولا”، موجّها أساسا لهذه الجهود وداعما لمسار التكامل الاقتصادي الإفريقي.
- ما هي أبرز الخطوات التي ترونها ضرورية لضمان استمرارية هذه الشراكات وتحويلها إلى مشاريع ملموسة؟
 من أهم الخطوات التي تساعد الشركات الناشئة للطلبة الجامعيّين على الاستمرار والتوسّع، هو مواصلة الدعم من حاضنات الأعمال والأساتذة والباحثين في الجامعات الجزائرية، كما أنّ الاحتكاك المباشر مع نظرائهم الأفارقة والعرب سيفتح لهم فرصا جديدة، ويمنحهم إمكانية البقاء فترة أطول والدخول إلى أكبر عدد ممكن من الأسواق الإفريقية.
لذلك، فإنّ دور حاضنات الأعمال الجامعية يبقى أساسيا في مرافقة هذه الشركات ومساعدتها على النمو، كما تمّ في هذا الإطار إطلاق ما يسمى بـ مسارات الأعمال الجامعية، وهي برامج خاصة بتسريع نمو الشركات الناشئة في مجالات مختلفة، لكن تبقى المشكلة الأساسية غياب رؤية واضحة وبعيدة المدى للتوسّع في السوق الإفريقية ولهذا، فإنّ هذه المسارات ستعيد برامج مبنية على انفتاح على السوق الدولية، وخاصة السوق الإفريقية التي تعدّ الأهم والأقرب.
- كيف تتصوّرون مستقبل الابتكار الجامعي والشركات الناشئة الجزائرية في السوق الإفريقية، خلال السنوات المقبلة؟
بخصوص مستقبل الابتكار الجامعي، فإنّ الجامعة الجزائرية تسير اليوم بخطى ثابتة نحو الانتقال من جامعة الجيل الثالث إلى جامعة الجيل الرابع، أي جامعة تقوم على الابتكار وتثمين نتائج البحث العلمي، حيث يتمّ تحويل هذه النتائج أولا إلى مشاريع ومنتجات مبتكرة تخدم الصناعات الوطنية وتدعم الاقتصاد، ثمّ تتطور لاحقا إلى شركات ناشئة أو شركات فرعية (سبينوف)، قادرة على دخول السوق الوطنية والتوسّع نحو الأسواق الإقليمية والإفريقية.