طباعة هذه الصفحة

مـن الجـزائر لـفـلسطين دروس وعــبر

بقلم الأسيرة المحررة: دعاء الجيوسي

َ تحُل علينا هذه الأيام ذكرى انتصار الشعب الجزائري على الاستعمار الفرنسي بعد ملحمة طويلة خاضها ضده وباتت فيما بعد أيقونة ومهمازاً للكثير من حركات التحرّر حول العالم، وللثورة الجزائرية وانتصارها على الغزاة حيز خاص في وجداننا الفلسطيني لعدة أسباب أهمها الارتباط العاطفي بين شعبنا الجزائري والفلسطيني ولتشابه الظروف الموضوعية وربما الذاتية بين التجربتين.



في أواخر ستينات القرن الماضي عندما كانت حركة التحرّر الفلسطيني في مرحلة التوهّج كانت تجربة الثورة الجزائرية ملهماً أساسياً بالنسبة لها فتجد أن معظم فصائل المقاومة كانت وفي فترة المخاض قبل انطلاقتها تطرح فكرة تشكيل جبهة تحرير وطني ائتلافية على غرار جبهة التحرير الجزائرية وهذا نلمسه في باكورة أدبيات الجبهة الشعبية مثلاً بينما نجد أن مجموعات فدائية أخرى في أواخر الخمسينات حملت مسمى جبهة التحرير الفلسطينية في تماهي تام وتأثر واضح بالفكرة والحالة الجزائرية (التنظيم الذي شكله أحمد جبريل وشفيق الحوت عام 1958 حمل هذا الأسم) بينما تجد مجموعة أساسية من مقاتلي مجموعة أيلول الأسود مثلاً حمل أسماءً حركية (هواري، بن بيلا وغيرهم). أنا هنا لست بمعرض التدليل على مدى تعلق شعبنا الجزائري والفلسطيني ببعضها ولا الحالة الوجدانية التي تحضّر في النفوس إن ذكرت فلسطين في الجزائر أو العكس فهذا أمر ربما يجيده غيري أكثر مني أنا هنا لأفكر ويُفكر معي أخوتي في الجزائر وهم المُجَرِبُون لماذا وصل الحال بمشروع تحرّرنا في فلسطين إلى هذا الدرك أترى عدونا أكثر قوة وغطرسة من الاستعمار أم أننا لم نقدم ما يكفي من الدم بعد، أجزم أن عدونا هنا والعدو الذي قاتلناه في جبال أطلس واحد وأن الدم الذي نزفناه على أرض فلسطين يصنع بحراً لو جمع.. المشكلة أنا هنا فقدنا وللأسف قوة النموذج بعد أن غرقنا في كل شيء وأغرقنا كل شيء تحت شعارات ثبت عُقمها، حركتنا الوطنية اليوم تشابه حركة وثورة الجزائر من حيث القاعدة الفدائية والشعبية ولكنها وعلى مستوى الرأس تحتاج أحمد بن بيلا وهواري بومدين وصف من القادة الفدائيين الذين يموتون لأجلنا لا العكس.
 في ذكرى الظفر والنصر الذي أحرزناه في جزائرنا ستظل فصائلنا وقُوانا مقصرة وظالمة لنفسها ولنا طالما ظلت تبحث عن نماذج بعيدة وتحاول سحبها على تجربتنا وستظل بعيدة عن الانتصار ما ظلت بعيدة عن سبر أغوار الثورة الجزائرية ودراسة تكتيكاتها والحيثيات الدقيقة والتفصيلية لتكوينها الطبقي والاجتماعي وآفاقها الأيدلوجية، صحيح أن عالم اليوم لا يُشبه عالم الخمسينات والستينات ولكنه يسير الآن نحو شيء مشابه لما كان في تلك الحقبة وهو أمر ربما يُعزز ما طرحته آنفاً. في ذكرى انتصار الدم على سيف في جزائرنا الأبية ألف قبلة من ساكني زنازين عسقلان والنقب ونفحة وكل السجون الصهيونية لم نزل يوماً بسراديب سجون “سركاجي”، و«مزرعة أمزيان”، و«الجباسة” وكل ورد البلاد وأرزها وزغاريد نسائها على قبور شهداء الجزائر وفلسطين وأمتنا العربية.. تحية لجزائرنا وثورتها وإنا على الدرب سائرون.