طباعة هذه الصفحة

مع تدشين المقطع الأخير من الطريق السيار شرق ـ غرب

إعدادات النّموذج الاقتصادي الجديد.. جاهزة

سيف الدين قداش

تعمل الجزائر على تعزيز أهميتها الاستراتيجية في النسق الاقتصادي العالمي، من خلال تطوير وتعزيز قدرات بنيتها التحتية، ولقد نجحت في استكمال إنجاز الطريق السيار شرق-غرب بشكل نهائي، وإنهاء طريق الوحدة الإفريقية الذي يربط الجزائر بلاغوس في نيجيريا، حيث أنجزت الجزائر أزيد من 2300 كلم على أراضيها مع نهاية عام 2022، وهذا من شأنه أن يربطها مع ست ودول في الساحل ووسط إفريقيا..

تمضي الجزائر قدما في تطوير طرقها مع إنجاز طريق تندوف - الزويرات على مسافة 733 كلم، والذي من شأنه أن يصبح طريقا عالميا يربط الجزائر والمنطقة المغاربية مع دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا «إيكواس - سيداو»، ويعزز صادرات الجزائر إلى دول موريتانيا، السنغال، النيجر، كمرحلة أولى، ومن شأن هاته الطرق ربط موانيء الجزائر وتوفير السلع للدول الحبيسة جغرافيا مثل النيجر، مالي وتشاد وحتى بوركينافاسو، خاصة مع انضمام الجزائر إلى الشراكات الاستراتيجية الكبرى في إطار الحزام والطريق الصيني ومجموعتي «بريكس» و»شنغهاي».
يقول البروفيسور فارس هباش، إن شبكة الطرقات تعتبر الشرايين الأساسية في تحريك دواليب عجلة التنمية الاقتصادية، فهي تمثل الأوعية الحيوية في نقل الأفراد والبضائع. ومن هذا المنطلق، كان توجه السلطات الجزائرية في الأشهر الأخيرة نحو تكثيف جميع الجهود لاستكمال الشطر الأخير للطريق السيار شرق غرب الرابط بين ولاية الطارف انطلاقا من محول الذرعان غربا وصولا إلى بلدية رمل السوق الحدودية مع تونس على مسافة 84 كلم ليكتمل بذلك الطريق السيار الذي يربط الشرق الجزائري بغربه على مسافة 1.216 كلم وعلى مسافة 1.720 كلم باحتساب الطرق الجانبية والمنشآت الفنية، وبذلك تعد الجزائر ثاني أكبر بلد في إفريقيا من حيث شبكة الطرقات بطول 128 ألف كلم، بعد جنوب إفريقيا التي تأتي في المرتبة الأولى. حيث أن الجزائر وفي ظل تبنيها للنموذج الاقتصادي الجديد الذي يرتكز على تنويع مصادر الدخل وخلق الثروة، تسعى جاهدة إلى خلق بيئة مشجعة على الاستثمار، تضمن انسيابية حركة وتنقل الأشخاص والبضائع، ومن هذا المنطلق، جاء تدشين هذا الشطر الأخير من الطريق السيار ليعطي دفعا أكبر للمبادلات الاقتصادية والتجارية، البينية منها أو الدولية، وبالتحديد مع تونس، حيث تشهد السّنوات الأخيرة حركية اقتصادية معتبرة بين البلدين، ومن ثم فإن اكتمال الطريق السيار سوف يعزز هذه الحركية والتبادل التجاري من خلال تخفيض المدة الزمنية للنقل وزيادة عدد وحجم المبادلات، ناهيك عن فتح فرص أكبر لنقل البضائع التي تحتاج إلى سرعة في نقلها نتيجة طبيعتها الخاصة مثل السلع سريعة التلف.
وعلى العموم، يشير هباش إلى أنه يمكن إبراز أهمية استكمال هذا الشطر من الطريق السيار بصفة خاصة وتطوير شبكة النقل البري بصفة عامة في عدد من النقاط، منها توفير الوظائف حيث أن شبكات النقل تتطلب جهودا متعددة، مثل السائقين والفنيين والمهندسين والعاملين في الصيانة. وهذا ـ يقول هباش - من شأنه أن يسهم في توفير وظائف للعديد من الأفراد ويعزز من الطلب الفردي كمرحلة أولى، ثم الطلب الكلي كمرحلة ثانية، ثم إن الطرقات ـ يضيف هباش ـ تسمح بتسيير التجارة من خلال توفير وسائل نقل فعّالة تسهم في تسهيل حركة البضائع والمواد بين المناطق المختلفة، مما يعزز التبادل التجاري البيني والدولي ويساهم في تنمية الاقتصاد، وهو ما يسمح بزيادة الإنتاجية، فتحسين شبكات النقل ـ يؤكد محدثنا - يقلل من تكاليف النقل والتوزيع والتسليم، مما يساهم في زيادة الإنتاجية والكفاءة للشركات والصناعات المختلفة، كما تمكن شبكات النقل البري الحديثة الأفراد والبضائع من الوصول إلى المناطق النائية بسهولة أكبر، مما يقلل من مشكلة العزل ويسهم في تحفيز التنمية الاقتصادية.
ومن جانب آخر، يرى هباش أن شبكات النقل الجيدة والحديثة  تساعد في تقليل زمن الانتظار والتكدس المروري، مما يقلل من استهلاك الوقود وانبعاثات العوادم وبالتالي تقليل التلوث وتكاليف العلاج والرعاية الصحية، إضافة إلى أن وجود شبكات نقل موثوقة وحديثة يجعل المناطق أكثر جاذبية للاستثمارات، حيث أن جودة  الوصول والتواصل يشجع الشركات على اختيار مواقع مستدامة لأعمالهم، ما ينتج عنه تحسين الإنتاجية والكفاءة بحكم أنها تسمح بتقليل زمن الشحن والتسليم، مما يساهم في تحسين الإنتاجية وتلبية احتياجات السوق بشكل أفضل.
وبخصوص البنى التحتية، يرى هباش أن توفير شبكات نقل فعّالة يتطلب تطوير وبناء البنية التحتية مثل الطرق والجسور، مما يعزز استدامة البنية التحتية ويوفر فرص عمل، ويعمل في الوقت ذاته على  تقليل تكاليف النقل للبضائع، ما ينعكس إيجابيا على أسعار المنتجات النهائية والرفع من مستوى تنافسيتها، كما يعزز التجمعات الصناعية بالإسهام في تجميع المصادر والموارد بشكل فعّال في مناطق محددة، مما يخلق تجمعات صناعية مزدهرة، ما يسهل جذب إلى المناطق التي تمر بها، مما يدعم النمو الاقتصادي ويزيد من فرص التنمية.
ومن جانب آخر، تسهم الطرقات في تخفيف الازدحام المروري وتحسن من تجربة السائقين والمسافرين، مما يسهم في تحسين نوعية الحياة من خلال تخفيف الأعباء والضغوط النفسية، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى تعزيز التنمية المستدامة؛ ذلك أن تحسين البنية التحتية لشبكات النقل يمكن أن يكون استدامة بيئية واقتصادية، حيث يدمج الاقتصاد والبيئة بشكل متوازن.
وحسب المتحدث، فإنه انطلاقا من كل النقاط السابقة التي تثبت مدى الأهمية الاقتصادية والاجتماعية لشبكات النقل البري بواسطة الطرق السريعة، فإن الاستثمار في هذه الشبكات مع وضع مخطط وطني لصيانتها واستدامتها، وهذا من شأنه أن يسهم بشكل لافت في تحسين وتعزيز مختلف المبادلات الاقتصادية والتجارية سواء البينية أو الدولية، ويشجع على الاستثمار وحرية ومرونة انسيابية وحركية نقل الأشخاص والبضائع، وهذا ما يتوافق والاستراتيحية الوطنية الجديدة الرامية إلى تشجيع الاستثمار وخلق الثروة لتنويع مصادر الدخل الوطني وتنويع الصادرات خارج المحروقات.