طباعة هذه الصفحة

ماذا يعني أن تُعتَقَلَ إدارياً جثامينهم

بقلم الأسيرة المحررة : دعاء الجيوسي

أن تُعتَقَل إدارياً يعني أنك تعيش على أرض فلسطين لأنّ هذا النوع من الاعتقال لا يوجد على ظهر الكوكب إلا في بلادنا....ويعني أنك ستُفاجئ ذات ليلة بجنود الاحتلال داخل غرفة نومك يوسعونك ضرباً ثم يسحبونك مقيداً للسجن لإبلاغك بأنك مُعْتَقَل ولا يحق لك لا أنت ولا أهلك ولا المحامون معرفة التهمة الموجهة لك..
أن تُعتَقَل إدارياً يعني أنك مسجون بلا تهمة ولا حكم ولا محكمة ويعني أنّ دورة حياتك باتت فقط بيد ضابط المخابرات الصهيوني المسؤول عن منطقتك والذي يمكنه بتأشيرة على ملفك أن يبقيك معتقلاً لخمسة أو عشرة أعوام دون محاكمة..
أن تُعتَقَل إدارياً يعني أن تخضع لقانون وُضِع قبل قيام الدولة التي تعتقلك وقبل تأسيس جمهورية الصين الشعبية وقبل الهبوط على القمر وقبل نشوب معظم الحروب المعاصرة الباردة والساخنة على حد السواء..
 الاعتقال الإداري يعني أنّ كل مشاريع وتفاصيل حياتك الاجتماعية مُعلقة لم تُلغى ولكنها لن تدخل حيز التنفيذ أبداً فلا يمكنك فك إرتباطك بشريك الحياة لأنك لست مسجوناً بِحُكم تعلم متى ينتهي ولا يمكنك أن تحتفظ به لأن غيبتك غير محددة بسقف زمني..
الاعتقال الإداري هو التيه في ثقب أسود لا مُتناهي ومحاولة العبور من عين إبرة نحو حيز هواء يبقيك على قيد الأمل في زحمة الخيام والزنازين والهروات وقنابل الغاز..
أن تُعتَقَل إدارياً يعني أنك غير مصنف ضمن البشر ولا غيرهم من الكائنات الحية في هذا العالم الذي سنّ قوانين ودساتير تُعاقب بالسجن أو الغرامة كل من يؤذي حيواناً أو يحتجزه في ظروف غير مناسبة.... الاعتقال الإداري هو عين التناقض وجوهر العنصرية واللانسانية في هذه الدنيا ذلك أنّ بريطانيا التي سنته في بلادنا عام 1945 وضعت على أرضها قبل هذا التاريخ بثلاثين عاماً قانوناً يعتبر الإساءة للحيوانات جريمة يُعاقَب مُقترفها بالسجن لمدة لا تقل عن ستة أشهر..

الإعتقال الإداري يا سادة جنون يدفع للجنون.....

فلا صاحبه حرٌ يدرس ويعمل ويتزوج ولا هو معتقل لفترة يعلمها يمكنه خلالها رسم شكل مستقبله أو حتى تخيله..
خلال فترة سجني الطويلة سمعت عن آباء كُثر يؤرخون لميلاد أبنائهم بالإعتقالات الإدارية وما بينها من فترات حرية قصيرة ومهددة..
وعايشت شقيقتان اعتقلن إدارياً في ذات اللحظة والتهمة أنّ شقيقهم الأسير خرق ناموس الكون حين أرسل لهن رسالة مع الصليب الأحمر سأل عن أحوالهن...
 الاعتقال الإداري وإن كان بدعة بريطانية وشِرعة إستعمارية إلا أنه ينسجم تماماً ويُعبِر بوضوح عن روح وجوهر الخرافة الصهيونية بروحها وشكلها الإستعلائي الذي يرى في غير معتنقيها كائنات دون الحيوانات لا حق لهم ولا قانون سماوي أو أرضي يحميهم من نير العبودية التي قال مجانين سبي بابل في هلاوسهم أن رب الجنود فرضها على كل البشر دون شعبه المختار .