طباعة هذه الصفحة

الطّلب الأفرو-جزائري بفتح صندوق لكوارث التّغيّرات المناخيّة

الالتـزام بالحوكمـة للتّسيـير الكـفء لصناديق البيئـــــة

أحمد توفيق العلوي

 إنّ السِّمة الرئيسية لمجالس الإدارة الناجحة هي نزاهة أعضائها والاحترام المتبادل، وهي الوسيلة المهمة التي يجب أن تتبنّاها صناديق البيئة للنزاهة والشفافية، كما أوجدت أحد الأبحاث أن المجالس المكونة من أعضاء ذوي مهارات متنوعة قادرين على قيادة اللجان الاستشارية الفنية كانت أكثر فعالية من المجالس ذات الحجم أو النطاق المحدود، وكان لهذا أهمية خاصة في مجال الرقابة المالية والإدارية.

 جرّبت بعض الصناديق آليات أخرى (مثل اللجان الفنية) لتوفير الوصول إلى نطاق أوسع من الخبرات، في حين أن هذا كان ناجحًا في تخفيف الضغوط على أعضاء مجلس الإدارة المشغولين للغاية، وعليه فإن غياب الروابط الرسمية النّزيهة والشّفافة لهيكل الإدارة، قد يحد أحيانًا من فعاليتها.
ومن جهة أخرى، أثبتت المشاركة النشطة لرجال الأعمال البارزين، الذين يطرحون منظور إدارة القطاع الخاص أهمية قصوى للتّشغيل الناجح للعديد من صناديق البيئة، فيمكن أن يساعد ذلك أيضًا في جمع الأموال وزيادة التأثير الفعلي للصندوق وجلب الخبرة في إدارة الأصول، فقد يقدم أعضاء مجلس الإدارة من المنظمات غير الحكومية أيضًا وجهات نظر قيمة للغاية لحوكمة الصّناديق البيئية، ومع ذلك، من الناحية العملية العديد من ممثلي المنظمات غير الحكومية المحلية لديهم خبرة محدودة في العمل في مجلس الإدارة، مما يجعل تدريب مجلس الإدارة مهمًا بشكل خاص، ولتعزيز الحوكمة  يعد جلب أشخاص جدد إلى مجالس الإدارة على فترات منتظمة، وبشكل مثالي من خلال شروط متداخلة لضمان الاستمرارية، وهي طريقة مهمة لبناء استراتيجية فعالة والحصول على وجهات نظر جديدة في قيادة الصناديق.

الإدارة الفعّالة للأصول المالية لصناديق البيئة
    
 من الواضح أن الفعالية الطويلة الأجل للصناديق البيئية، وقدرتها على البقاء باعتبارها من الأدوات المستدامة للتمويل الأخضر، تعتمد على جودة استراتيجياتها للحفاظ على رأس المال وتوليد الدخل الكافي لأنشطة البرنامج المُسطّرة، كاستغلال الفرص المواتية للاستثمار في الأسهم والسندات الدولية، والحصول على عوائد ممتازة، ومن السمات الرئيسية لنموذج إدارة الأصول المالية حسب خبرة أصحاب المصالح المالية هي:
الالتزام بقواعد أو ممارسات الإنفاق التي تحافظ على الهبات ضد التضخم وتزيد رأس المال عندما تكون العوائد جيدة بحيث يمكن الحفاظ على دعم البرنامج في أوقات تراجع المدخرات؛
الالتزام بإرشادات الاستثمار التي تعكس استراتيجية متحفظة للمخاطر وتنويع المحفظة الاستثمارية؛
اختيار تنافسي لمديري الأصول ذوي الخبرة والمهنية؛
الإشراف المنتظم والنشط من قبل مجلس إدارة الصندوق على أداء الاستثمار تماشيًا والمعايير المتعارف عليها، وبشكل مثالي مع المشورة من مستشاري الاستثمار ذوي الخبرة.
كما دأبت العديد من الصناديق البيئية الأحدث والأكثر ابتكارًا في البحث عن موارد مالية من خلال الرسوم المفروضة على استخدام المياه مثلاً، ويُظهر هذا النهج الذي يركز على الرسوم بدلاً من التبرعات كوسيلة لرأس المال، آفاق واعدة لسببين؛ أولها: يجعل الصندوق أقل اعتمادًا على مصادر التمويل الخارجية، وبنفس القدر من الأهمية؛ فإنه يساعد أيضًا الاقتصاديات المحلية على استيعاب تكاليف خدمات النظام البيئي ( استخدام الضرائب البيئية أو غرامات التلوث أو غيرها من الأدوات المماثلة لتوليد الأموال التي يمكن إدارتها من خلال الصناديق البيئية).
كما هناك طريقة أخرى مثيرة للاهتمام ومبتكرة لتعزيز رأس المال الصندوق، بناءً على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وبروتوكول كيوتو، والموقعة في ديسمبر 1997، ويدعو البروتوكول إلى استكشاف المزيد من الآليات المالية بما في ذلك الرسوم  المدرجة للحدّ من الكربنة، مع توجيه الموارد المالية من البلدان الغنية ذات المستويات العالية من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى البلدان النامية، من أجل تشجيع تنفيذها لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والكثير من خبراء البيئة متفائلون بأن هذه الآليات، التي ستوفر الأموال للمشاريع التي للحدّ من انبعاث الكربون في البلدان النامية، بما في ذلك الغابات التي تضمن الحفاظ على التنوع البيولوجي، فتقر اتفاقية المناخ أنه من المهم ليس فقط تقليل انبعاثات الكربون، ولكن أيضًا زيادة عزل الكربون، أي من الناحية العملية، يمكن أن تُترجَم هذه إلى آلية جعل المرافق التي تبعث الكربون (مرافق الكهرباء الكبيرة التي ينبعث منها الكربون، على سبيل المثال) لدفع تكاليف عزل الكربون.

عوامل مهمّة لإنشاء صناديق البيئة
   
 بناءً على المحطّات السابقة يُعتبر توفير بعض العوامل ضرورية، لإقرار الظروف المواتية من أجل إنشاء صناديق البيئة، وهو الأمر الذّي يزيد بشكل كبير في نجاحه، كالآتي:
اعتبار القضية البيئية التي يجب معالجتها مهمة، مع تبنى الإجراءات المناسبة للاستجابة لها وتلبيتها بتدفقات الموارد التي يمكن أن يُنتجها الصّندوق؛
الدعم الحكومي نشط وواسع النطاق لإنشاء آلية مختلطة من القطاعين العام والخاص؛
مشاركة مختلف الأطراف من القطاعات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والأكاديمية والقطاع الخاص والوكالات المانحة، الذين يمكنهم العمل معًا على الرغم من الأساليب المختلفة للحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة؛
توفير نسيج أساسي من الممارسات القانونية والمالية والمؤسسات الداعمة (بما في ذلك الخدمات المصرفية ومراجعة الحسابات والتعاقد) التي يثق بها غالبية السّاكنة؛
توفير إطار قانوني يسمح بإنشاء الصندوق، وقوانين امتياز تسمح بإعفائه من الضرائب،
الاستعانة “بالمُوجّهين” (على سبيل المثال: صندوق آخر أكثر خبرة، منظمة غير حكومية دولية) لتقديم الدعم المعنوي والتقني للصندوق الجديد؛
هناك احتمالات واقعية لاجتذاب مستوى من رأس المال يكفي للصندوق لدعم البرامج الهامة مع الحفاظ على تكاليف التشغيل عند نسبة معقولة؛
هناك “طلب فعال” على منتجات الصندوق، أي مجتمع العميل المهتم والقادر على تنفيذ الأنشطة البيئية على النطاق المتصور.

العوامل المُهمّة لنجاح تشغيل صناديق البيئة
   
 من الواضح أن إنشاء صندوق بيئي يتطلب استثمارًا كبيرًا للوقت والموارد، والتزامًا طويل الأجل لبناء منظمة جديدة، لكن هذه الصناديق ليست سوى واحدة من مجموعة من الترتيبات المؤسسية المتاحة، لمواجهة تحديات الحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
تحديد أهداف وغايات واضحة وقابلة للقياس، وثقافة إدارة موجهة نحو النتائج تتعلم من التجربة وتكون منفتحة على التغييرات؛
حوكمة الهيكل الإداري مع الضوابط والتوازنات المناسبة، لضمان علاقات منسجمة ومثمرة بين مجلس الإدارة والموظفين؛
أعضاء الهيئات الرئاسية مُستعدين لتخصيص وقتهم، والمشاركة في صنع سياسات التمويل والقيادة، وبناء الدعم مع الفئات المختلفة المرتبطة بين الصندوق وأي استراتيجية بيئية وطنية أو خطة عمل؛
القدرة على جذب موظفين متخصصين وأكفاء، بالقدرات الفنية الأساسية التي تسمح للصندوق بأن يصبح جهة فاعلة ومستقلة؛
إنشاء علاقات بناءة مع الوكالات الحكومية ذات الصلة، والمنظمات الوسيطة التي تقدم خدمات للعملاء، والمنظمات الأخرى في مجتمع البيئة؛
الالتزام بالانضباط المالي والإداري، إلى جانب مرونة البرامج وشفافيتها، وتبني الإجراءات التي تدعم ذلك ويتم تطبيقها باستمرار؛
إشراك مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة في البرامج البيئية للصندوق؛
إدارة الأصول المختارة بشكل تنافسي، والاستعانة بالخبرة المالية لتقديم تقارير منتظمة، والتنسيق مع مختلف الصناديق البيئية لمُقارنة الأداء الفعلي للصندوق.

صناديق البيئة وإعلان باريس سنة 2005 بشأن فعاليّة المعونة
   
 أثبتت التجربة أن صناديق البيئة يمكن أن تكون أداة ناجحة لتحقيق أهداف إعلان باريس سنة 2005، بشأن فعالية المعونة من خلال:
تعزيز استراتيجيات التنمية المستدامة للبلدان الشريكة والأطر التشغيلية المرتبطة بها؛
زيادة مواءمة المساعدات مع أولويات الحفاظ على التنوع البيولوجي للبلدان الشريكة، والمساعدة في تعزيز أنظمة المناطق المحمية في البلدان الشريكة؛
تعزيز مساءلة الجهات المانحة والدول الشريكة أمام مواطنيها وبرلماناتها، لأن صناديق العمل المعنية بالتمويل عبارة عن مؤسسات منفتحة وشفافة تقوم بما يلي:
تقديم المنح على أساس المعايير المعلنة؛
تقديم تقارير سنوية مفصلة عن أنشطتها إلى الجهات المانحة والحكومات الوطنية والجمهور؛
خاضعة لمراجعة الحسابات السنوية من قبل شركات المحاسبة المستقلة، والتي يتم الإعلان عنها؛
ترشيد أنشطة الجهات المانحة لجعلها فعالة من حيث التكلفة قدر الإمكان، لأن صناديق البيئة تجمع ونسيق التمويل من جهات مانحة متعددة؛
تحديد مقاييس ومعايير الأداء والمساءلة لأنظمة المناطق المحمية في الدول الشريكة، من خلال ربط منح صندوق البيئة تمويل المشاريع الصغيرة بتحقيق معايير أداء قابلة للقياس والامتثال لمعايير صارمة للإدارة المالية؛
كما تتناول صناديق البيئة ما يشير إليه إعلان باريس 2005 “بالتحديات المتبقية” من خلال:
تقديم التزامات أكثر قابلية للتنبؤ ومتعددة السنوات بشأن تدفقات المعونة إلى البلدان الشريكة الملتزمة؛
تفويض السلطة من الوكالات المانحة الدولية إلى مؤسسة مانحة من الدولة الشريكة (مثل صندوق التمويل المشترك)، والتي يمكن أن تدمج البرامج والمبادرات العالمية (مثل اتفاقية التنوع البيولوجي، أو اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ) في البلدان الشريكة، جداول أعمال التنمية المستدامة الأوسع.

إكوزيوم..الأخت الكبرى لبلدان القّارة السّمراء “خِبرةٌ في تحويل السّياسات إلى إجراءات”
 
 ستبقى الجزائر حجر الارتكاز للقارّة السّمراء، باعتبارها مُحرّكا أساسيا لإدارة صنع الاستقرار البيئي في العمق الأفريقي، والذّي يُميّزه خصوصًا تنامي الأزمات والكوارث المرتبطة بالتّغير المناخي، ممّا يُكلّف البشريّة الكثير من التريليونات الدّولارات، والاستقراء الجزائريّ بالرّجوع دائمًا إلى مختلف الالتزامات الوطنيّة والاتفاقيّات والجهود الدّولية والأمميّة، للحفاظ على البيئة وعدم المساس بالتّنوع البيولوجي لكوكب الأرض، لضمان ممارسات أكثر تواضعًا مع البيئة...فالحكمة الجزائريّة في تسيير مختلف الكوارث الطّبيعيّة تُعدّ مرجعًا وخطّة طريق يُقتدى بها، ووفاؤها للقارّة السّمراء يتجسّد دائمًا بنداءاتها ونظرتها الاستباقيّة في تعزيز العمل الأفريقي المُشترك، من أجل صون  الاستدامة البيئية لمستقبل الأجيال البشريّة، تحقيقًا لأهداف التنمية المستدامة.    
وبُناءً عليه يظهر عمق وجديّة الطّلب الجزائري بإنشاء صندوق أفريقي خاص بالكوارث النّاجمة عن التّغير المناخي، في اجتماع قادة القارّة السّمراء بمجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي في مارس 2021، كنوع من أنواع صناديق البيئة والتي من الواضح أنها قد حقّقت إنجازات لا يُستهان بها عبر العالم، من خلال وضع استراتيجية مرّكزة في عمليّة منح التّمويل أي استهداف تمويل البرامج المُخطّطة لتحقيق النتائج المحددة، واختيار الشّركاء للمساعدة في تقوية مختلف الجهود للاتّحاد، ولصالح الدّول الأعضاء وإعداد أنواع المشاريع، فحيثما كانت الاستراتيجيات وخطط العمل المتعلقة بالبيئة والتنوع البيولوجي في مكانها الصحيح، فستُقدم هذه الصناديق الكثير لهذه الأنشطة، والتي تصبح مشاركتها نشطة حتى في عمليات تحديد الأولويات البيئية المحلّية والعالميّة.
ومن جهة أخرى، تطورت الكثير من الصناديق من التركيز الصارم بالحفاظ على التنوع البيولوجي، نحو التركيز المتزايد على تحسين سبل عيش البشرية، وتعزيز التنمية المستدامة والتخفيف من حِدّة الفقر، كما يُنظر لها أيضًا كآلية أساسية لدعم الاستراتيجيّات المُساهِمة في تقليل مستوى تهديدات التغيّر المناخي، وهي الترجمة الجزائرية بالنظر إلى المستقبل بعين الإبداع في البحث عن طرق وقنوات  جديدة لتمويل تلك الاستراتيجيّات بأفريقيا، لتسهيل التّخطيط الفعّال على المدى الطويل ومع المشاركة الواسعة لأصحاب المصلحة، من أجل اتّخاذ قرارات يمكن أن تتفاعل بمرونة مع التحديات البيئيّة الرّاهنة والمستقبليّة، وعليه يأتي طلب إنشاء صندوق خاص بالكوارث النّاجمة عن التغير المناخي كوسيلة لجمع وتأمين مساهمات أكبر للحفاظ على البيئة بالسّاحة الأفريقيّة.
ملاحظة هامة: للموضوع مراجع

الجزء الثالث والأخير