طباعة هذه الصفحة

الإعلام الثّوري في مواجهة الدّعاية الاستعمارية

هنــــــــــــا الجزائــــــــر الحـــــــــــرّة المكافحـــــــــة

سهام بوعموشة

 

الإعلام الثوري..أحد الأسلحة الفتّاكة في مواجهة الدعاية الاستعمارية، وقد تفطّن قادة الثورة الجزائرية الى ضرورة توظيف مختلف وسائل الإعلام آنذاك، والمتمثلة في الراديو والجرائد والمسرح والسينما لشرح القضية الجزائرية، وفضح جرائم الاستعمار ضد الجزائريين الأبرياء، والرد على تصريحات القادة السياسيين والعسكريين الفرنسيين التي كانت تقلل من شأن الثورة وتزرع الشكوك في نفوس الجزائريين اتجاهها. وقد حدّد بيان أول نوفمبر 1954،استراتيجية الثورة في استعمال كل الوسائل من أجل استرجاع السيادة الوطنية، وركّز ميثاق الصومام على هذه النقطة.



 عند تشكيل الحكومة المؤقتة في 1958، أسّست وزارة الأخبار التي كانت تتولى نشر أخبار مختلف نشاطات الثورة، وقد حرص قادة الثورة على تحصين الجزائريين من الإعلام الاستعماري وحربه النفسية وتعبئته للالتفاف حول الثورة.
في هذا الصدد، يؤكّد الدكتور سعيداني سلامي، من جامعة محمد بوضياف بالمسيلة، أن بيان أول نوفمبر كان أول عمل إعلامي يوزع على نطاق واسع، ويتوجه الى الجماهير الجزائرية ليخاطبها بلغة الثورة والتحرر.
واستدل في ذلك بالعبارة التي وردت في البيان مفادها: “إليكم نتوجه بندائنا هذا، أنتم الذين ستحكمون لنا أو علينا، إلى الشعب الجزائري بصفة عامة وإلى المناضلين بصفة خاصة، غرضنا من نشره هو أن نوضح لكم الأسباب العميقة التي دفعتنا الى الكفاح، وذلك بأن نشرح لكم برنامجنا ونبين لكم صحة آرائنا، ومغزى كفاحنا المبني على أساس التحرر الوطني في نطاق الشمال الإفريقي، كما نرغب في إن نزيل عنكم البلبلة التي يعمل على تنميتها الاستعمار وعملاؤه من الاداريين والسياسيين المتعفنين”.
ويضيف الباحث: “لقد حدد مؤتمر الصومام الجبهات الاعلامية وأولويتها بالنسبة للثورة والوسائل الدعائية الملائمة لكل جبهة وهي استهداف الجزائريين في المدن والقرى، وخارجيا الرأي العام العربي وخاصة المغرب العربي، الرأي العام الاسيوي والإفريقي والرأي العام الغربي مع التركيز على الرأي العام الفرنسي”.
إن المهام الأساسية التي أداها الإعلام الثوري الجزائري أثناء الثورة هو تعبئة الجماهير وحمايتهم من الدعاية الفرنسية المهيمنة، والرد عليها بكشف جرائمها وتحطيم فكرة الجزائر جزء لا يتجزأ من فرنسا، التجنيد والتوعية والتعريف بعدالة القضية الجزائرية، وإظهار للرأي العام العالمي حقيقة ما يجري في الجزائر.
من مميّزات الإعلام الثوري، أنه مكون من مناضلين وليس رجال إعلام محترفين، ومع ذلك نجحوا في التحدث عن مئات القرى التي دمرها الجيش الفرنسي والإبادة الجماعية للإنسان حتى الحيوان والنبات لم يسلم من جرائمهم، ونقل المناضلون كفاح المجاهدين والمجاهدات في أعالي الجبال والقرى والمدن.
تعدّدت وسائل الإعلام والاتصال التي اعتمدتها الثورة منها المناشير، أولها بيان أول نوفمبر، الذي أبرزت من خلاله أهدافها واستيراتيجتها ثم وظفت الإعلام المكتوب وهي الصحف والمنشورات والإعلام السمعي بدءاً بالإذاعة السرية داخليا، والاعتماد على موجات إذاعات بعض الدول العربية كإذاعة القاهرة وتونس ودمشق وبغداد، من خلال مختلف الحصص والبرامج التي تشرح اهداف الثورة وتنقل مجريات المعارك مع العدو.
وقد ساعدت المناشير التي كانت توزعها جبهة التحرير الوطني على الجزائريين في انتشار الثورة في أوساط الجزائريين، والتنسيق بين مختلف مناطق الثورة من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، وأولى النشريات التي ظهرت في منطقة الأوراس في


1955 هي نشرية “الوطني” التي كانت تصدر باللغة العربية، كما أصدرت جريدة “الجزائر الحرة”.
في هذا الشأن، يؤكد عجال عجول: “بعد رجوع بشير شيحاني من تبسة صيف 1955، أصدرنا جريدة الجزائر الحرة، بمركز القلعة بالفرنسية ووزّعناها على أفراد جيش التحرير الوطني وعلى الاستعمار، وأرسلنا نسخا منها إلى الجزائر العاصمة، وطبعنا منشورات خاصة بالجيش الفرنسي، والتي تهم اللفيف الأجنبي المتطوع ضمن صفوف الجيش الفرنسي”.
وأسّست قيادة الثورة جرائد منها جريدة “المقاومة” التي تحوّلت إلى “المجاهد”، واستخدمت الثورة الاتصال الشفوي بالاعتماد على أشخاص ذي ثقة ووطنيين لدرجة كبيرة في نقل أخبار الثورة، وتبليغ القرارات والتنسيق بين المناطق والولايات.
وكان الإعلام المباشر يرتكز على الجانب الديني كالدعوة للجهاد، وبث خطب حماسية في تجمعات المواطنين، وكان بعض الجزائريين ينقلون أخبار انتصارات جيش التحرير الوطني على إثر الزيارات التي يؤدونها للمجاهدين في الجبال.
يعد عبد الحفيظ بوصوف، قائد الولاية التاريخية الخامسة، أول من جاء بفكرة تأسيس الاذاعة السرية، حيث أسست اذاعة صوت الجزائر الحرة المكافحة في 16ديسمبر 1956، في ظروف جد صعبة، وأذيع أول بث لها في الفاتح جانفي 1957، بدعوة الجزائريين لإضراب الثمانية أيام، وطلبت من العائلات الجزائرية بضرورة التزود طيلة هذه الأيام بالمواد الضرورية للحياة كالمواد الغذائية والماء والوقود.كان من أشهر أعضاء الطاقم الصحفي الذي كان يعمل بالإذاعة السرية، محمد السوفي، عيسى مسعودي، مدني حواس ومحمد بوزيدي، وجاء بعدهم في التنشيط كل من دحو ولد قابلية، عبد السلام بلعيد، عبد المجيد مزيان، عبد الرحمن لغواطي ومدني الحواس، وكلف بالصياغة والتدريب الهاشمي التيجاني، وموسى صدار، ومحمد القرد.
لقد واجه الإعلام الثوري صعوبات مادية تمثلت في نقص الإمكانيات المادية لشراء العتاد وتحديثه وصيانته، والأعباء المالية لشراء الورق والحبر ودفع مستحقات الطباعة، ومشكل توزيع الصحف وتوظيف صحفيين يحملون رسالة الثورة.
رسالة الثّورة
 من أهم وسائل الإعلام الثوري السينما، حيث أنشأت وزارة الأخبار في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية قسما للسينما في 1959، أين كانت تحضر الأفلام التسجيلية عن المعارك وأعمال حرق الجنود الفرنسيين للقرى والمدن، ويصور نضال الجزائريين بمختلف شرائحهم ضد الاستعمار.
وفي 1960 عرض فيلم “جزائرنا” في مهرجان ليبزيغ بألمانيا الشرقية، وحصل على جائزة، كما أعد هذا القسم ستة أفلام تسجيلية وزعت على محطات تلفزيونية باسم بعض الشركات العالمية.
ويعد المسرح من الوسائل المهمة الذي نقل صوت الجزائر المكافحة ضد الاحتلال الاستيطاني، وأصبح بندقية بيد كل فنان مسرحي، وذلك عبر تأسيس الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني في أفريل 1958 بتونس، التي أنتجت مسرحية “النور” تجسّد فيها كفاح الجزائريين، و«أولاد القصبة” لعبد الحليم رايس، “الخالدون”،”و”دم الأحرار” وكان مصطفى كاتب من أخرج المسرحيتين.