طباعة هذه الصفحة

اهتمام متزايد بالمسألة الرقمية والذكاء الاصطناعي

أسامة إفراح

 

شكلت الرقمنة وتكنولوجيا المعلومات محورا رئيسيا في الطبعة السادسة والعشرين من صالون الجزائر الدولي للكتاب، بالنظر إلى حتمية التحول الرقمي الذي تفرضه علينا الثورة التقنية من جهة، ومن جهة أخرى سياسة الرقمنة التي وضعتها الدولة الجزائرية ضمن أولوياتها. وإلى جانب لقاءات ونقاشات نشطها مختصون في المجال، سجلنا حضور عدّة عناوين عالجت موضوع المسألة الرقمية والذكاء الاصطناعي.



كان موضوع الرقمنة من المواضيع الرئيسة التي عالجها صالون الجزائر الدولي للكتاب لهذه السنة، باعتباره “الموضوع الذي يفرض نفسه في واقعنا أيضاً في ضوء عملية الرقمنة التي شُرع فيها في جميع المجالات في بلدنا”، كما قال محافظ التظاهرة.
وقد ساير الباحثون والمؤلفون هذه التطورات، حينما تطرقوا، في إصداراتهم، إلى الرقمنة والذكاء الاصطناعي. وقد اخترنا، من بين هذه الإصدارات، مثالين تمّ تأليفهما بأقلام أكاديمية تمثل الجامعة الجزائرية.
الذكاء الاصطناعي وتحولات البيئة الرقمية
«مـا الذي يمنعنا اليوم مـن الاعـتراف أننا مشــبّكون رقميـا، وأننا لم نجد المخرج بعد كي نحرر أنفسـنا مـن دوامة تواصليـة وهميـة نعيشـها وتعيش فينا نحن كأسـراب الطيور الذي يتبع بعضه البعـض بتوصيـف بيونغ شـول هـان؟ نحـن منكشفون وعـراة بتعبيـر الصحفييـن مـارك دوغـان وكريستوف لايـي.. نـحـن مـجـرد رهائـن لأجـهـزة الاتصال في نظـر جـودي واكمـان.. نـحـن أولئك الذين جمعتهـم وحشـرتهم الامبراطوريات الرقميـة داخـل مستعمرات النشـرة واللمسـة والبصمـة: ولولاهـا لكـنـا أحـرارا في تواصلنـا لـكـن مجـرد أشخاص تتراسـل بـحـمـام زاجـل أو في أحسـن الأحـوال بوساطة رجل بريد متنقل”. بهذه العبارات، تقدم “فهرنهايت 451” للنشر والترجمة، كتابها الصادر حديثا تحت عنوان “المسألة الرقمية وفتوحات الذكاء الاصطناعي: نصوص فكرية في ضوء الراهن الاجتماعي التواصلي”، للدكتور يعقوب بن الصغير (جامعة الجزائر 3).
ولا ينفرد هـذا الكتـاب بالبحـث في موضوع واحـد، بل يجتهد ليثيـر النقـاش حـول هواجس وموضوعات متفرقة لا يمكن أن يجمعها معا سوى الراهـن السوسيو- تواصلي الذي نعيشـه اليـوم. لذلـك يقتـرح في فصلـه الأول: “تراجع الأجهزة التقليدية أمام تعاظم المسائل الرقمية”، نصوصـا معرفيـة ترتبـط أساسـا بالاتصـال الرقمـي وثنائيـة الزمان والمكان، وانمحاء المكان وتشريد الزمن (ويتساءل هل هذا ما تقودنا إليه التكنولوجية؟)، ومؤشـرات رقمنة الحيـاة اليومية، واستقلالية المتلقي، ومستقبل التلفزيون (حيث يتساءل أي حظ لجماهيرية التلفزيون أمام عاصفة الوسائط الرقمية؟)، وصناعـة الصحافـة ومآلاتهـا، الأخبـار الزائفة وإدارة المعلومـة الصحفيـة في ظـل الاجتياح الرقمـي.
أمـا الفصل الثاني، فيعـرض مسـائل سوسيو- سيكولوجية لها ارتباط قـوي بتصوراتنا وممارساتنا الرقميـة، ومن ذلك موضوعات الذوات والهويات الافتراضية، الكسالى الرقميـون وخاصية النسخ - لصق، خطابات العنيف والتنمـر الافتراضـي.. العزلـة الاجتماعيـة، النرجسية الجنسـانية المؤثرون الاجتماعيون ومسألة التضامن الشبكي.
فيما يشتغل الفصل الثالث من الكتاب على تحولات البيئـة الرقميـة، ومـشـروع “العقـل الآلـي الذكـي”، وذلك بالتركيز على ظاهـرة السـاعة “الذكاء الاصطناعـي وأنظمتـه”، وحـدوده مع المجالات الأخـرى، والاستراتيجيات الخوارزميـة الهندسة اللغويـة وأفـق اللغة العربية، الواقع المعزز ومجتمع الميتافيـرس، واقتصـاد الانتباه.
بالمقابل، نجد المؤلف يركز أكثـر، في الفصـل الرابـع من الكتاب، على تأثيـرات الـذكاء الاصطناعي على مجـالات هندسـة الصحافـة، والسينما، والروايـة، ومختلـف المنافـذ الإبداعيـة والفنيـة، وكـذا على إعادة ترتيـب الحيـاة الصحيـة والتعليمية. ويستعرض هـذا الفصـل نمـاذج دول في توجهها واستراتيجياتها حيـال الذكاء الاصطناعي وأنظمته، كمـا يطـرح المسـألة الأخلاقية والمخاوف التي تواجـه الراهـن المجتمعـي فـي ظـل الأتمتة المتسارعة، ليختتم في الأخيـر بسـؤال المستقبل: مـاذا بعـد الـذكاء الاصطناعي، إلى أين نتجه؟
تحليلات سوسيورقمية للمنظومة الاتصالية
ومن الكتب التي عُرضت بصالون الجزائر الدولي للكتاب، وتطرقت لموضوع الرقمنة، وعلاقتها بالإعلام والاتصال، نذكر كتاب “تحليلات سوسيورقمية للمنظومة الاتصالية: مفاهيم، نظريات وتطبيقات مستحدثة” للدكتورة فوزية زنقوفي (جامعة قالمة).
ويتطرق هذا الكتاب، الصادر عن “دار الأيام للنشر والتوزيع” الأردنية، إلى ارتباط البحث في المنظومة الاتصالية بالآليات والأساليب، التي تسيّر عملية نقل وتحويل المعلومات أو البيانات من مصادرها إلى تحقيق أهدافها، بصورة سليمة ومطابقة للمعلومات ذات المصدر الأولي، وهو ما يعزز الدور المميز للمعلومات وأهميتها في حياتنا المعاصرة بصورة عامة وتطوير البحث العلمي بصفة خاصة، فضلا عن دورها الدينامي والفاعل في استخدامات وتطبيقات تكنولوجيا الاتصال والإعلام.
وتضيف الباحثة في كتابها، أن الاتصال، كسلوك عملي تطبيقي، قد استمد مبادئه وأساليبه وممارساته التطبيقية من الأصول النظرية لنظريات الإعلام، المرتبطة بالعوامل الميدانية للبيئة الاتصالية، وبالأبعاد الاجتماعية، الثقافية، التعليمية والتنموية للعملية الاتصالية. ومن أجل الوصول إلى فئات المستفيدين أو الجمهور المستهدف، تم تصنيف الأنترنت كوسيلة اتصال جماهيرية، توظف من خلالها التقنيات الاتصالية بالاعتماد على التقنيات الرقمية، بما يدعم ويزيد من حتمية استخدامات الشبكة العنكبوتية العالمية في توفير البنى الأساسية للمستلزمات الرقمية، إضافة إلى ما فرضه السباق العالمي في توليد منتجات ومواد إعلامية رقمية وتفاعلية، عبر تنامي المواقع الإعلامية علميا، وباتجاه واستهداف إنتاج جماهيري لمعلومات ومواد إعلامية داخل النظم الرقمية.
وارتأت المؤلفة أن يكون الفصل الأول من الكتاب مدخلا عاما للمفاهيم والتصورات النظرية، تناولت فيه تحليل ماهية الاتصال، من حيث الدلالة اللغوية والاصطلاحية للاتصال، والتحليل المفهمي له، ومضامینه مفهمية، كما تناولت بعض الوحدات البنائية للمفاهيم، على غرار العلاقة الارتباطية بين الإعلام والاتصال، والتمييز بين بعض المفاهيم ذات الصلة بالإعلام.
 ونجد أيضا، في هذا الفصل، حديثا عن أشكال الاتصال وتصنيفاته، والانتقال من عصر الاتصال الجماهيري إلى العصر الإلكتروني، والحواجز المعيقة للاتصال وكيفية تجاوزها، والتواصل الاجتماعي كتوجه جديد في فهم الاتصال، وحتمية دراسة استخدام شبكة الأنترنت وتأثيراتها.
وتطرقت المؤلفة في الفصل الثاني إلى المقاربات والنماذج التحليلية للعمليات الاتصالية/الإعلامية. أما الفصل الثالث، فخصصته لدراسة المضامين التطبيقية والمستحدثة لتمثلات الثورة التكنولوجية، سواءً تلك التمثلات المرحلية لتطور تكنولوجيا المعلومات والاتصال داخل النظام الرقمي، أو ما أسمته المؤلفة “الملامح الإيجابية للثورة المعلوماتية”.
وفي هذا الفصل أيضا، عرّجت مؤلفة الكتاب على التحليل والتنظير لطبيعة العلاقة بين وسائل الإعلام والمجتمع الشبكي (مانويل كاستلز)، ومقاربة مارشال ماكلوهان لوسائل الاتصال في تنظيم المجتمع وتطوره، وكذا الوسائط المتعددة والأنفوميديا. واختتم الفصل بنماذج تمثيلية للنظم الرقمية، من علم الذكاء الاصطناعي، إلى عولمة الإعلام ودوره المستقبلي، وخدمة الاتصال الرقمي، والعالم الرقمي البديل “ميتافيرس”.