طباعة هذه الصفحة

شهر من صمود الفلسطينيين أمام آلة العدوان الصهيوني

دعـــــــم دبلوماســــــي وتضامــــــن إنســــــاني جزائــــــري بلا حــــــدود

زهراء.ب

 

 موقــــــف سياســــي شجــــاع وجــــريء من الرئيــــس تبــــون
تسجل الجزائر دائما مواقف مشرفة داخليا وخارجيا كلما تعلق الأمر بدعم القضية الفلسطينية سياسيا أو إنسانيا. فبعد شهر من صمود الفلسطينيين بقطاع غزة أمام آلة الدمار الصهيونية وعجز دولي “فاضح” عن وقف العدوان الهمجي، تواصل الجزائر مساعيها دوليا لوقف العدوان الجائر على الفلسطينيين وفك الحصار على الشعب الأعزل ودعمه دون قيد أو شرط، وقد رافعت بقوة أمام الهيئات الدولية والإقليمية وفي لقاءات ثنائية من أجل تحقيق هذا الأمر. أما إنسانيا، فسجلت تضامنا لا محدودا عبر مد جسر جوي من المساعدات الطبية والغذائية المستعجلة للتخفيف من وطأة العدوان، بالرغم من عرقلة الكيان الصهيوني لمسار الإغاثات.

تعد الجزائر من بين الدول الرئيسية في العالم التي تتبنى موقفا واضحا تجاه القضية الفلسطينية، وتدافع عن حقوق الفلسطينيين، وفق مقاربة بنتها على تاريخها العريق في التضامن مع الشعوب المستعمَرة أو المحرومة والتحديات التي تواجهها المنطقة. فعلى مر السنوات كانت الجزائر ولا تزال الداعم القوي للفلسطينيين ولقضيتهم الوطنية المشروعة، وسندا لهم في مواجهة كافة التحديات المحيطة بهم وبمنطقة الشرق الأوسط، وقد استضافت العديد من الفعاليات والمؤتمرات الدولية لتعزيز قضية فلسطين.
وإذا كان الرئيس الراحل هواري بومدين قد خلد الدعم الجزائري اللامشروط لفلسطين بجملته الشهيرة “الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، فإن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قد عززه بموقف سياسي شجاع وجريء، حين صرح بأن “الفلسطينيين ليسوا إرهابيين” وهو موقف يدعم حقوق الشعب الفلسطيني ورغبتهم في تعزيز العدالة والسلام في المنطقة، ويعيد القضية إلى مسارها الصحيح.
وفي أول موقف له عقب العدوان الجبان على قطاع غزة بعد 7 أكتوبر الماضي، جدد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، عبر مكالمة هاتفية مع نظيره الفلسطيني، تضامن الجزائر الكامل حكومة وشعبا مع الشعب الفلسطيني الشقيق، مشددا على أن التطورات التي تعرفها الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، تذكر الجميع بأن السلام العادل والشامل كخيار استراتيجي لن يتأتى إلا من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، عاصمتها القدس الشريف وفق مرجعيات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
ولأن القضية الفلسطينية عند الجزائريين، حكومة وشعبا، ذات قدسية، فقد ألغى رئيس الجمهورية جميع التظاهرات والاحتفالات المخلدة لذكرى اندلاع الثورة التحريرية، لأنها تزامنت والتداعيات الخطيرة لتمادي الاحتلال الصهيوني في اقتراف جرائم الإبادة المتكررة في قطاع غزة.
وقد أكد الرئيس تبون في رسالته للأمة بمناسبة هذا اليوم، أن “الجزائر كانت دائما إلى جانب الشعب الفلسطيني قولا وفعلا”. وجدد دعوته لكافة الأطراف الإقليمية والدولية من أجل السعي إلى إحداث استفاقة عاجلة لضمير المجتمع الدولي ووقف العدوان المتعجرف على الأطفال والنساء والشيوخ. كما أكد ثبات موقف الجزائر المعبر، كما قال، “على الوفاء لتاريخها المجيد ولرسالة نوفمبر الخالدة في نصرة الحق والتمسك بدعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، والتضامن اللامحدود واللامشروط معه في هذه الظروف الخاصة”.
ودعا كل الضمائر الحية والإرادات الصادقة والنزيهة، إلى ردع الجريمة الكاملة الأركان ضد الإنسانية التي يقترفها الاحتلال على مرأى العالم.
وقد أجرى في هذا السياق، اتصالا هاتفيا مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تطرق فيه إلى الأوضاع الأمنية والإنسانية في قطاع غزة بدولة فلسطين المحتلة.

حراك دبلوماسي
ومنذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة، كثفت الجزائر جهودها الدبلوماسية، سواء في إطار الجهود العربية أو الدولية المشتركة، لوقف همجية الصهاينة وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان في المنطقة، والتصدي للأوضاع الصعبة التي يواجهها الفلسطينيون في غزة والأراضي المحتلة وتحقيق السلام والاستقرار في جميع أنحاء فلسطين.
وانتقدت الجزائر، بشدة، في الجلسة الخاصة لمجلس الأمن حول الحالة في الشرق الأوسط، المنعقدة بتاريخ 25 أكتوبر الماضي، تهميش القضية الفلسطينية التي اختفت من على سلم أولويات المجموعة الدولية، التي تنكرت- كما قال وزير الخارجية أحمد عطاف في مداخلته- لـ«قراراتها ووعودها بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف”. كما انتقدت الحصانة الممنوحة للاحتلال، التي لم تخلف إلا مزيدا من الاحتلال وضم الأراضي الفلسطينية بالقوة والسيطرة ولم تنتج إلا المزيد من السياسات العنصرية في مدينة القدس.
وطالبت الجزائرُ مجلسَ الأمن بفك الحصار الجائر المفروض على قطاع غزة، ووقف القصف العشوائي الذي راح ضحيته آلاف الأبرياء، وتوقيف تهجير السكان والسماح بإغاثتهم دون قيد أو شرط، فلا أمن مستدام يبنى في الشرق الأوسط دون حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية وفق مراجع الشرعية الدولية.
أما بالدورة الاستثنائية الطائرة 10 للجمعية العامة للأمم المتحدة حول القضية الفلسطينية، المنعقدة بتاريخ 27 أكتوبر الماضي، فجددت الجزائر دعوتها منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين الشقيقة بمنظمة الأمم المتحدة، كإجراء هام يكرس الحق القانوني والسياسي والمعنوي والأخلاقي لدولة فلسطين، في أن تحظى بمكانة قارة بين الأمم، لإسماع صوتها والدفاع عن أولوياتها، خاصة وأن جيلا كاملا من الفلسطينيين لم يشهد مبادرة لإحياء مبادرة جدية للسلام، أو تحركا دوليا واحدا للتكفل بأوضاعه والاستجابة لتطلعاته المشروعة في استرجاع حريته وإنهاء احتلال أراضيه والتمتع بحقوقه وإقامة دولته المستقلة.
تناغمت أصوات مؤسسات الدولة والتنظيمات والأحزاب الداعمة لحق الشعب الفلسطيني، وعبرت عن مواقف داعمة مشرفة هي الأخرى في أكثر من محطة، سواء في ندوات أو مسيرات شعبية، أو لقاءات وطنية أو جوارية.
وشكلت جلسة المجلس الشعبي الوطني، المنعقدة بتاريخ 31 أكتوبر الماضي، “الاستثناء”، حيث رفع ممثلو الشعب وممثل الحكومة نداء لكل الضمائر الحرة، بالوقوف رجلا واحدا لوقف العدوان الصهيوني الجائر ودعم الشعب الفلسطيني في معركته لنيل الحرية والاستقلال، وفي وجه حرب الإبادة التي يشنها عليه الاحتلال الصهيوني مدعوما بحماية غربية.
بالإضافة إلى الدعم السياسي والدبلوماسي، ساهمت الجزائر في إغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، عبر مساعدات هامة واستعجالية تم نقلها إلى مطار العريش في مصر، عبر جسر جوي مكون من طائرات تابعة للقوات الجوية الجزائرية، بالرغم من أن المحتل الصهيوني لايزال يعرقل إمدادات الإغاثة لسكان غزة، وهو ما يشكل بحد ذاته جريمة حرب، وفق ما أكد عليه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مؤخرا.

قليل: موقف الجزائر مشرف
يرى أستاذ العلوم القانونية علاء الدين قليل، أن المشهد السياسي في الجزائر، اليوم، لخصه سفير دول فلسطين في إحدى الندوات المنظمة من طرف أحزاب سياسية بقوله: “...الوقفات كثيرة جدا تعبر عن موقف الجزائر الثابت... الندوات وعشرات الندوات تعقد يوميا، الكثير منها لم أتمكن من تلبية الدعوة لتزامنها وكثرتها... فهي تعبر عن موقف الجزائر الثابت تاريخيا مع القضية الفلسطينية...”.
وأوضح قليل، أن تطابق وتوافق المواقف لم نشهد له مثيلا في كل الدول بشأن القضية الفلسطينية، بين المؤسسات الرسمية للدولة الجزائرية، ومختلف التنظيمات (السياسية، الإعلامية، الطلابية، المهنية...)، وهذا يعبر ـ بحسبه ـ على حقيقة واحدة مفادها، أن القضية الفلسطينية في الجزائر هي قضية شعب ومسألة مقدسة عند المواطن الجزائري، وليست قضية موسمية أو مناسباتية تبرز فقط وقت الحاجة”.
وأشار إلى مواقف إنسانية شتى غزت مواقع التواصل الاجتماعي بدرجة أولى، عبر فيها الشعب الجزائري عن دعمه وتضمانه (معنويا وماديا) مع الشعب الفلسطيني، خاصة في ظل الانتهاكات الصارخة التي يتعرض لها اليوم، منذ قرابة الشهر، في قطاع غزة من طرف الكيان الصهيوني الذي تجاوز كل القوانين والديانات والأعراف الإنسانية، بدعم غربي لا محدود ومعلن، في ظل تخاذل الحكومات وتعمد بعض المؤسسات الإعلامية العربية تهميش القضية الفلسطينية، والتسويق لفكرة أن الشعب الفلسطيني اليوم مخيّر بين الخضوع والركوع للأمر الواقع والتنازل عن أرضه وحقوقه الوطنية المشروعة، وبين الإبادة الجماعية والتصفية العرقية على درب التصفية النهائية للمشروع الوطني الفلسطيني، الذي ستبقى الجزائر شعبا وحكومة رافعة لرايته حتى يتحقق الهدف المنشود.