طباعة هذه الصفحة

بورايو يعدّد إنجازات بن مالك في الدراسات السيميائية

أسامة إفراح

 

قدّم البروفيسور عبد الحميد بورايو مداخلة بمناسبة لقاء حول “الإنجازات العلمية لرشيد بن مالك وانعكاساتها الأكاديمية”، احتضنته مكتبة المطالعة العمومية “محمد ديب” بتلمسان. وركز بورايو، في مداخلته، على إسهامات بن مالك في مجال الدراسات السيميائية، التي تتوزع على صنفين: مُنجز نظري يتعلق بالتعريف بالمنهج السيميائي، وأسسه النظرية، وتطوره، ومدارسه.. ومنجز تطبيقي، في شكل تحليلات لنصوص أدبية باستعمال آليات المنهج السيميائي.

تطرّق البروفيسور عبد الحميد بورايو إلى الإنجازات العلمية لرشيد بن مالك وأبعادها وانعكاساتها الأكاديمية، وقال إنه يمكن توزيعها إلى صنفين؛ مُنجز نظري ومنجز تطبيقي. أما الأول فيتعلق بالتعريف بالمنهج السيميائي، وأسسه النظرية، وتاريخ تطوره، ومدارسه وتياراته، فيما يتعلّق المنجز الثاني بالتحليلات التطبيقية التي تناولت نصوصا أدبية، منها ما هو نثري ومنها ما هو شعري، مطبِّقا عليها آليات المنهج السيميائي. و«صاحب ذلك عناية خاصة بالمصطلح وترجمته الترجمة الحصيفة والمناسِبة”، يؤكد بورايو.
وبذلك، تمثل جميع أعمال بن مالك “ورشة مفتوحة للبحث النظري والتطبيقي في ميدان السيميائيات، وقد تطوّرت هذه الورشة عبر عقود من الزمن من العناية بالمداخل والمفاتيح الأولى لولوج العمل الأدبي، إلى التعمق في النظرية والاضطلاع بالمصطلحية الخاصة بهذا الميدان، من خلال الإسهام في الترجمة ووضع المعاجم، ومراجعة ترجمات أقرانه من السيميائيين العرب (...) والعودة لأعضاء مدرسة باريس البارزين والاتصال المباشر بهم ومناقشتهم في المفاهيم وتاريخ الحركة السيميائية، من أمثال إين إينو وبواتيي وغيرهما، وقد تمّ تتويج جميع هذه الخطوات بقراءة فاحصة في الأصول اللسانية للسيميائيات، وفحص شامل لمختلف أعمال كَريماس وأعضاء مدرسة باريس”.
وقدم بورايو نموذجا للصنف الأول (المنجز النظري)، متمثلا في كتاب “الخلفيات النظرية للسيميائيات؛ دراسة متبوعة بترجمة مجموعة من البحوث السيميائية والسيميولوجية والفنومينولوجية”، وهو “عبارة عن قراءة واعية ومتفحصة للنقد السيميائي كما تجلى عند كَريماس في دراسته لموباسان”. وتؤكد هذه الدراسة على مدى أهمية البعد النظري الذي يؤطر مختلف المفاهيم، والذي لا يمكن استكناهه إلا من خلال الرجوع للسياق العام ولوجهات النظر المتعدّدة والمتعايشة في ساحة النقد الأدبي، إلى جانب أهمية الكشف عن التفاعل ما بين العديد من الاختصاصات والرؤى العلمية في استيعاب المفاهيم السيميائية التي مثلت منطلق دراسة كَريماس لقصة موباسان.
وتنتمي هذه الدراسة إلى ما يطلق عليه النقاد مصطلح “نقد النقد”؛ وهو لغة واصفة من الدرجة الثانية، فهو يعالج لغة واصفة أخرى من الدرجة الأولى. وتمثل هذه الأخيرة متنا نقديا ينتمي لمدرسة السيميائيات، المدعوة مدرسة باريس، وضعه “أ.ج. كَريماس” مؤسس هذه المدرسة الشهيرة. “وتتميّز هذه المعالجة بكثير من العمق والجدية والجدة بالنسبة للدراسات السيميائية العربية، بالنظر لكونها تختطّ طريقا غير مسبوق في التحري والاشتغال على المتن النقدي، بمراعاة مجموعة من القواعد العلمية، التي تهدف إلى الكشف العلمي عن الخلفية المعرفية التي تؤطر النص التحليلي” الذي وضعه كَريماس، يقول بورايو، مضيفا: “ولا شكّ أن الأستاذ رشيد بن مالك مؤهل بكل جدارة لمثل هذه المغامرة العلمية، التي تبحث في الأسس المعرفية المعتمدة في البحث السيميائي التحليلي الأدبي عند كَريماس، فهو من بين القلة النادرة ــ إن لم يكن الوحيد ــ فيما أعلم ممن اختصوا في الدرس السيميائي الكَريماسي وتعمقوا في معرفته وتطبيقه، وقد بدأ مشروعه في اكتشاف السيميائيات الكَريماسية منذ أن كان يحضر حلقات كَريماس والمحيطين به من أعضاء جماعة مدرسة باريس، ويهيّئ أبحاثه الأكاديمية استنادا إلى منطلقاتها، وظلّ وفيا لها يسعى لاستكشافها ويُدرسها ويساهم في بناء صرح الدرس السيميائي في الجامعة الجزائرية وفي مراكز البحث ومخابره، وفي مداخلاته الكثيرة في الندوات العلمية والملتقيات منتجا لعدد هامّ من الدراسات التي تناولت النصوص القصصية والروائية العربية الأدبية الحديثة انطلاقا من مبادئ هذه السيميائيات، وبمراعاة خطتها في فحص النص الأدبي السردي بصفة خاصة”.
ويشير بورايو إلى أن هذه الدراسة لم تكتفِ بالعودة إلى السيميائيات السردية، بل استكملت المعالجة السردية فتتبّعت السرديات البنوية عند جيرار جينات، وتزفيتان تودوروف، ورولان بارث وغيرهم، وأخضعت كلّ ذلك للمقارنة والاستنتاج، وذلك بالنظر لطبيعة الموضوع المعالج والمتعلق بالوصف في الخطاب السردي.
أما أعمال بن مالك التطبيقية، فقد عالجت خاصة النص الروائي، واهتمت بالتحليل السيميائي لعدد هام من الروايات الجزائرية والعربية، ومن النصوص السردية التراثية، دون إهمال النص الشعري. وتميزت المعالجات التطبيقية بتناول مختلف المستويات في النص بشيء من الشمولية والاستقصاء المراعي لطبيعة النص وخصوصيته، يؤكد بورايو.
للإشارة، كان الأستاذ عبد العالي بشير، من جامعة تلمسان، من ضمن المشاركين أيضا في هذا اللقاء التكريمي، وأشار إلى إسهام بن مالك في تبسيط اللغة للطلبة والقراء، بفضل نتيجة ترجمته للمصطلحات بشكل دقيق، خاصة في كتابه “السيميائيات السردية”.
كما تطرّق رشيد بن مالك ذاته إلى مسيرته في الكتابة، ومؤلفاته البالغ عددها 16 مؤلفا على امتداد ربع قرن، تنوعت بين الترجمة والتلقي والتأصيل للمنهج السيميائي والمصطلح السردي في الخطاب النقدي العربي، على غرار “السيميائيات السردية”، و«القاموس المعقلن في نظريات اللغة”، و«المشروع السيميولوجي في الدراسات العربية”، و«رهانات السيميائية”، وغيرها. وكشف بن مالك صدور ثلاث كتب جديدة له بداية من مارس المقبل.