طباعة هذه الصفحة

مـــــن الـــلــــقــــاء إلى الإدمــــــــان..

جريدة “الشعب”.. أكـــــــــــــــــــــــــــــــــــبر مواطن مخلـص لهــــــذا البـلـــــــــد

البروفيسور اليامين بن تومي أستاذ جامعي

 

”الـــشـــعــــــــــــب” جـــــزء مــــن مســــار الدولــــة الوطنيـــة تتابـــع كـــلّ مرحلــــة بمهنيــــة عاليــــة وفهـــم واســــع

قبل ثلاثين سنة، كان لقائي الأول مع جريدة الشعب حين كنت أذهب إلى حيث كان يشتغل والدي فأجد مجموعة من الجرائد منها هذه الجريدة التي كانت تزينها وطنيتها والصور وحديث المشاريع، كنت بداية؛ ألتقط خطوط الجريدة، ولكنني فيما بعد، صرت مدمنا على قراءتها، بل أصبحت أذهب إلى حيث يعمل والدي لأسرق الجريدة، آخذها معي لأعيش على أخبارها ومقالاتها الكثيرة، وكان يعجبني في الجريدة أمران؛ الخط الوطني الذي كان أساسا في الجريدة حيث تتحدث عن إنجازات الجمهورية الكثيرة، وكم كنت أفرح حين أقرأ خبر افتتاح المصانع وشق الطرقات، والجانب الثاني، غرامي الأبدي بالجناح الأدبي الذي تكتب فيه ألمع الأسماء الوطنية.


تنقلت مع جريدة الشعب فرحا وجزعا مع كلّ أخبار الوطن، ولم أكن أصدق الأخبار إلا على صفحاتها لعلمي الشديد بمهنيتها واحترافيتها.. عشت أياما صعبة مع الجريدة وأنا أكاد أشب عن الطوق، كنت في السادسة عشرة حين بدأ الإرهاب يضرب بكلّ قوة، وكنت أسارع إلى الجريدة لأعرف ماذا يحدث بدقة.. لم أكن أصدق الجرائد التي تبحث على السبق الصحفي، بل كنت أبحث عن المقالات التي تُشرِّح الأزمة من منظور وطني خالص دون أن تصبّ الزيت على النار.. كانت الحسرات تملأ قلبي، وأنا أقرأ تلك الأخبار والأحداث المؤسفة والكارثية، كنت أشتم في كلّ مقال من مقالاتها وفي كلّ معالجاتها رائحة الصدق والإخلاص، لم تكن تضغط كثيرا على نقل جثث الجزائريين على صفحاتها، بقدر ما كانت تسارع للحدث عن كلّ بادرة مصالحة، وكم فرحت الجريدة حينما بدأت تتسرب أخبار التواصل الذي كان يجمع الخصوم، كنت أشعر بفرح صحفييها ومعدي الخطوط العريضة لبنودها، وكانت تلك الأفراح تنتقل مع صياغة العناوين وكتابة المقالات.. كنت أحسّ فعلا أنّها جريدة الشعب حقا.
وعلى صفحاتها، تعرفت على أخبار الأدباء والمثقفين والكتاب الذين كانوا محور اهتمامي، تعرفت على إصدارات عشرات الكتب، ومئات القراءات النقدية للنصوص الإبداعية (شعرا ونثرا) التي خبرتها واطلعت عليها، وشكلت ذائقتي الأدبية.. ولطالما كنت أقول لأصدقائي أنني مدين لبعض ثقافتي لكلّ من جريدة الشعب والإذاعة الوطنية التي كنت أتابعها بسخاء كبير.
جريدة الشعب لم تكن طوال مسارها إلا جزءا من مسار الدولة الوطنية، تتابع بعمق كلّ مرحلة من مراحل الجمهورية بمهنية كبيرة وبفهم واسع، كنا حقيقة نتعلم العزّة في خطوطها، بل وتسلط الضوء في كلّ مرة على منطقة من مناطق الظل لنفهم ونعرف أن التنمية مسار طويل لم يستكمل أركانه بعد، لم أكن ألاحظ أنها تقف لتتزلف إلى المسؤولين بقدر ما كانت صوت المحرومين والفقراء، في الوقت الذي كانت الجرائد تتسابق لنقل أخبار الفنانين ولاعبي كرة القدم، كانت “الشعب” تنقل أصوات المغبونين، وتنقل أخبار التنمية الريفية والصحراوية التي تنتمي إلى هذه الجمهورية الكبيرة.
جريدة “الشعب” مدرسة عميقة الأركان يجب تطويرها وترسيخها أكثر ليكون لها مركز دراسات قوي نظير ما تملكه من أرشيف معرفي وإخباري قوي، يمكن أن يكون دعامة حقيقية لبناء صحافة وطنية مسؤولة ترفع التحديات في وجه الصحافة المأجورة.
وإذ نحتفل في الذكرى العزيزة لجريدة الشعب، نحتفل بمسارنا كقراء لجريدة تمتلك ذاكرة قوية ونضرة من محبيها وعشاقها، إلا أننا نأمل أن تتحول إلى صرح إعلامي كبير، ونأمل من المسؤولين عليها أن يمكنوا صحفييها من أن تكون لهم القوة الكافية ليطوّروا الجريدة، وأن يذهبوا بها إلى الأمام، لما تتوافر عليه الجريدة من  كفاءات عالية، ومن رؤساء تحرير وصحفيين على قدر كبير من الكفاءة والمهنية، جريدة الشعب ليست جزء من نظام أو سلطة إنّها جزء من ذاكرتنا الوطنية، وجزء من ملح الدموع ومن سكر الفرح الذي تابعناه معها وتشاركنا فيه.
إنّ جريدة الشعب هي أكبر مواطن مخلص لهذا البلد لذلك حري بنا أن نمنحها جائزة المواطنة الحقيقية لأنّها تحولت في مخيالنا إلى شخصية وطنية كبيرة، جزء مهم وقويّ من المائدة الثقافية والسياسة للجزائر.