طباعة هذه الصفحة

بدأ مبكّرا المعركة ضد المال الفاسد ضمن التزاماته 54

الرئيس تبون.. نجاح أخلقة الحياة السياسية والعامة

حمزة محصول

 بفضل الله والجيش الوطني الشعبي والرجال المخلصين.. الجزائر تعود بقوة وكبرياء

«تجريم» العابثين بأقوات الجزائريين.. وترميم علاقة الثقــة بين المواطن ودولته

تحل، اليوم، الذكرى الرابعة لأداء رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، اليمين الدستورية، وشروعه في تنفيذ برنامجه الذي اختاره الشعب الجزائري. هذا البرنامج يتضمن 54 التزاما -تيمّنا بتاريخ اندلاع الثورة التحريرية المجيدة- وينبني في جوهره على أخلقة الحياة العامة والسياسة ووضع حد للفساد بكافة أشكاله.

كثيرا ما يعود الرئيس تبون، في تصريحاته وخطاباته، إلى مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وكيف اقتربت البلاد من حافة الهاوية، بعد بلوغ مرحلة متقدمة من مظاهر انحلال قيم الحكم وأدوات تسيير الشأن العام، ويعبر عن ذلك بقوله: «كادت أن تذهب ريحنا».
واعتمد رئيس الجمهورية، في تشخيص تلك الحقبة، على مكاشفة الجزائريين بكل ما تسبب في إضعاف البلاد داخليا وحتى خارجيا. وأكد في لقائه مع ممثلي المجتمع المدني لولاية تندوف، بأن «الجزائر مرت بمرحلة ركود ونهب وفساد، وضربات الخصوم والأعداء، ولكن بفضل الله والرجال والجيش الوطني الشعبي، استرجعت قيمتها، واليوم نتباهى بين الأمم بكوننا جزائريين».
حالة الوهن تلك بخطورتها البالغة، لم تكن لتحدث لولا تغلب الجشع على الأخلاق الذي لعب دور رأس الحربة، حيث بلغت سطوة المال الفاسد على كثير من مفاصل الدولة، حدا لا يطاق، وتحول النهب المقنّـن وغير المقنّـن والرشوة وتضخيم الفواتير والمحسوبية، إلى ثقافة لصيقة بمؤسسات الدولة.
من هذا المنطلق، تأكدت حتمية العودة إلى مرجعيات الجزائر المستقلة المستمدة من بيان أول نوفمبر، والمتمثلة في «الدولة الاجتماعية»، بمفهومها الصحيح الذي لا يعني الاتكالية وإنما يمنع تركيز القوة السياسية والمالية في أيدي أقلية بطرق غير شرعية وغير نبيلة.
الرئيس تبون حمل عاتقه مسؤولية التصدي لهذه المخاطر، وبدأ المعركة ضد المال الفاسد مبكرا، عندما تولى منصب الوزير الأول سنة 2017، حين جعل من فصل المال عن السياسة مشروعا رئيسيا في مخطط عمل الحكومة آنذاك.
وكرس هذا المسار، كمشروع وطني ضمن برنامجه وضمن أدوات عمل الدولة، فور أدائه اليمين الدستورية في 19 ديسمبر 2019، بعد انتخابه رئيسا للبلاد، وأخذ الأمر صفة الشمولية عندما انتقل «من فصل المال عن السياسة إلى أخلقة الحياة السياسية والعامة».
لا تغاضي.. لا تسامح
المرحلة البائدة، وبكل تلك المظاهر المشينة التي يكنّ لها الجزائريون مشاعر الاشمئزاز والاحتقار، أحدثت شرخا كبيرا في العلاقة ما بين المواطن ومؤسسات دولته، جميعها ودون استثناء، فوضع رئيس الجمهورية إعادة بناء هذه العلاقة على أسس جديدة ملؤها الثقة كأولوية قصوى.
وذهب الرئيس تبون إلى جذور المشكلة، المتمثلة في مصداقية المؤسسات التي وجب استعادتها، عن طريق مراجعة قواعد تشكليها، وفق ما نص عليه دستور 2020، والقانون العضوي للانتخابات الذي نص صراحة على إبعاد شبهة المال الفاسد عن كل عملية انتخابية.
وخلال أربع سنوات، أعادت الجزائر بناءها المؤسساتي (خاصة المؤسسات الدستورية). ولا يمكن لأحد، اليوم، أن يشير بالأصبع على البرلمان أو المحكمة الدستورية، بخصوص مسألة المال السياسي، بل إن كل الإجراءات نفذت بحذافيرها بخصوص حالات التنافي ووجوب حصول النواب على تبرئة القضاء في القضايا العالقة، مهما كانت طبيعتها.
بالتوازي مع ذلك، تواصلت الحرب الشاملة على الفساد بشتى مظاهره، وأثبت الرئيس تبون أنه لا يتسامح مع كل من يثبت فساده، وبشكل فوري غير آبه بالحسابات السياسوية، إذ يقبع أحد أعضاء الحكومة الأولى والثانية لرئيس الجمهورية، خلف القضبان بناء على نتائج التحريات الأمنية.
وأكد رئيس الجمهورية، في مناسبات عديدة، خاصة في اجتماعات الحكومة والولاة، أن تطهير كل مظاهر الفساد تتم بالتوازي مع حماية المسيرين، من خلال مراعاة التفريق القانوني بين الخطأ في التسيير والفساد الناجم عن سوء التسيير، وأقر بعض التدابير على غرار مركزية التحريات الأمنية بحق المسؤولين المحليين.
وإلى جانب حماية المسيرين، يطمئن الرئيس تبون، في كل مرة، رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات المنتجة، أنهم تحت حماية الدولة، ولن يسمح بأن يكونوا عرضة للابتزاز أو المساومة، مثلما كان عليه في السابق بشكل جمد حركة الاقتصاد الوطنية وفوت على البلاد فرصا كبيرة.
لقد استطاع الرئيس تبون، أن يثبت أن الفساد لن يرسخ كأمر واقع لصيق بالشأن العام، ولن يكون سلوكا مشينا يستشري في أركان الدولة كثقافة، واستحدث لهذا الغرض عدة مؤسسات رقابية بنص دستور 2020، استكملت عمليات هيكلتها الإدارية والتنظيمية وشرعت في أداء مهامها.
ويتولى المرصد الوطني للمجتمع المدني، أو السلطة العليا للوقاية من الفساد ومكافحته وحتى السلطة الوطنية لمراقبة الانتخابات، ناهيك عن النصوص القانونية لحماية المبلغين عن الفساد، دورا مهما في التصدي للتصرفات التي أساءت لسمعة مؤسسات الدولة في السابق.
سيف القانون..
في مقابل استعادة الثقة بين المواطن ومؤسساته الدائمة، عبر ملاحقة المال الفاسد أينما وجد، فتح رئيس الجمهورية جبهة أخرى لا تقل أهمية وتخص أخلقة الحياة العامة، في سياق فرض هيبة الدولة وكونها الضامن الوحيد لأمن وسكينة المواطن.
لقد رفض الرئيس تبون، التساهل مع العابثين بقوت الجزائريين، والمحتكرين والمضاربين، ومع الذين أمعنوا في ضرب مصداقية المدرسة الجزائرية من خلال تسريب أسئلة امتحانات نهاية السنة، وكذلك أولئك الذين يروعون المواطنين والمعروفين باسم عصابات الأحياء.
ومنذ نهاية 2020، أصبح من غير الممكن أن يتجرأ أحد، على السلك الطبي في المستشفيات ويخرب أدواتها، دون أن يقع تحت طائلة سيف القانون، ويتعرض لأشد العقوبات. وكذلك بالنسبة للمضاربين في المواد الأساسية، كالزيت والسكر والسميد، والتي عادت إلى رفوف المتاجر وبوفرة كبيرة.
في السياق ذاته، شرعت وزارة التجارة في مسعى أخلقة التجارة، وهو مسعى مستمر، يهدف إلى السيطرة على فوضى الأسعار والقضاء على مظاهر الجشع واقتناص جيوب المواطنين، في المناسبات الدينية.
وصدرت في هذا الشأن قوانين جديدة، أمر بها رئيس الجمهورية، وتعلقت بمكافحة حرائق الغابات، ومكافحة المضاربة غير المشروعة ومكافحة المخدرات والأقراص المهلوسة، وكذا مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والاتجار بالبشر، وتضمنت كلها تشديدا للعقوبات حيث تراوحت ما بين 3 سنوات والمؤبد، وتستكمل هذه الترسانة قريبا مع سن قانون خاص لمكافحة التزوير واستعمال المزور.
لقد أكد رئيس الجمهورية، أن قطار الجزائر انطلق، إلى وجهة التنمية الاقتصادية والمكانة الدولية المرموقة، ولن يعود إلى الخلف ويجري العمل على ذلك باستجماع كل الإمكانات، بدءا بشرعية المؤسسات وسمعتها السليمة، وصولا إلى كبح الفساد الأخلاقي الذي يعكر صفو الحياة العامة.