طباعة هذه الصفحة

الأسير الشهيد ثائر أبو عصب ومسلسل الإجرام فمن التالي؟

بقلم: محمد أبو عليا

 من عمق الجراح وظلام الزنزانة تخرج مآسي الأسرى لتنفض غبار الصمت بأوجاع حاربت آلة الاحتلال داخل السجون وتستحضر أراوح أولئك الشهداء الأبطال الذين ارتقوا في أقبية الزنازين راسمين بدمائهم معالم الطريق نحو الحرية والاستقلال، ثائر سميح أبو عصب، من محافظة قلقيلية، البالغ من العمر “38 عاماً”، اعتقل في 27 ماي 2005، وهو محكوم بالسّجن لمدة 25 سنة،  ليكون الشهيد السادس الذي يغتاله الاحتلال في سجونه، بعد 7 أكتوبر الماضي.

منذ 7 أكتوبر، ومع استمرار القتل والبطش والمجازر الوحشية بحقّ المدنيين في قطاع غزّة ضدّ كلّ ما هو فلسطيني، صعّد الكيان الصهيوني خلالها حملة اعتقالاته وانتهاكاته بحق الفلسطينيين بالضفة الغربية المحتلة بما فيها مدينة القدس الشرقية، تزامنا مع فرض إجراءات “انتقامية” بحقّ الأسرى. ويرافق حملة الاعتقالات عمليات تنكيل واسعة واعتداءات بالضرب المبرّح، وعمليات تحقيق ميداني، وتهديدات بحقّ المعتقلين وعائلاتهم، إلى جانب عمليات التخريب والتدمير الواسعة في منازل المواطنين، وعمليات الترويع والتهديد للمواطنين. ووفق آخر الإحصائيات الرسمية الصادرة عن نادي الأسير الفلسطيني، فإنّ السلطات الصهيونية اعتقلت أكثر من 4800 فلسطيني منذ بدء الحرب على قطاع غزّة في 7 أكتوبر، فيما بلغ عدد الأسرى في السجون نحو 9 آلاف.
إنّها سياسة الاحتلال الجبان المتمثلة بحادثة استشهاد أبو عصب والتي تعدّ جريمة من مسلسل جرائم الاحتلال الطويلة بحقّ الأسرى، وفي هذه المرة استعمل السجّان العصيّ وأعقاب البنادق، حيث أنّ أكثر من 19 سجانا انهالوا عليه بالضرب بلا رحمة أو إنسانية أو أيّ اعتبار أو وازع أخلاقي أو قيمي أو إنساني.
يعيش الأسرى في السجون، أوضاعاً استثنائية من الناحية الصحية، قلّما يعيشها أسرى أو معتقلون في مناطق أخرى، فهم يتعرضون إلى أساليب همجية تؤدي حتماً لإضعاف أجساد كثيرين منهم، وتمعن في استهدافهم من الناحية المعنوية؛ تتمثل في الحرمان من الرعاية الطبية الحقيقية، وفي أساليب القهر والإذلال والتعذيب، التي تتبعها طواقم الاعتقال والتحقيق والسجانين والحراسة، التابعين للعديد من الأجهزة الأمنية والعسكرية الصهيونية. والتي تؤدي حتماً إلى فقدان الأسير لحياته.
إنّ الأسرى المرضى هم مثال الألم والأمل لرجال قدّموا الغالي والنفيس من دمائهم وأجسادهم ومعاناة ‏أهلهم، ليعيش شعبهم وتحيا أرضهم بعزّة وكرامة،  فأوجاعهم لا يمكن ‏شرحها وسردها في مقالة أو ورقة، إنّها فترة زمنية مليئة بالآلام والأوجاع التي لا يمكن أن تنتهي إلا ‏بانتهاء معاناة هؤلاء الغائبين الحاضرين في ضمائرنا بتحريرهم وإنهاء مأساتهم، فهل من مجيب؟
‏‏هنا في زخم المعاناة حيث لا مجتمع دولي ولا قرارات أمُمية ولا مؤسّسات حقوقية وإنسانية تسائل ‏الاحتلال عن ممارساته العدوانية بحقّ الأسرى المرضى، وتحضرني مقولة ابن المقفع “من أمن ‏العقوبة أساء الأدب”؛ فما ‏جمع هؤلاء الأسرى المرضى داخل الأسر هو تناصرهم لإحقاق الحقّ وردّ المعتدي وصون الكرامة والدفاع عن الأرض والعرض وتحقيق الحرية لشعبهم.. هنا حيث الصفّ ‏الواحد والألم هو الأمل الواحد لا الصفّ المنقسم والكفاح الفردي، هنا طاقات جبّارة صنعت بصمودها ‏المعجزات،  فيا فصائلنا ويا قياداتنا ويا من نسي أو تناسى لا تنس قبل أن تَخلد للنوم أنَّ هناكَ إخواناً لنا ما رأوا الشمس بعينهم وما عرفوا غير الزنزانة وما ذاقوا مرةً طعم النوم المريح، فكَيفَ بالله عليك تنام وأنت مستريح؟.