طباعة هذه الصفحة

شهادة أسير من داخل المسالخ الصهيونية!!

بقلم الأديب والأسير المحرّر : وليد الهودلي

وصلتني رسالة (لا يريد المحامي ذكر اسمه كي لا يتضرّر صاحبها) من خلف جدران المسالخ الصهيونية، هذا الذي كان يسمّى سجونا صهيونية أو زنازين أو باستيلات أو معتقلات، اليوم أصبح المسمّى الذي أخذه بكلّ جدارة واستحقاق هو المسلخ الصهيوني، وقد تجاوز بذلك سجن أبو غريب وسجن جوانتمالا الأمريكية سيئة الصيت والسمعة، السجون صارت مسلخا سريّا للغاية، تمارس فيها كلّ أشكال الوحشية والسادية ويتفنّنون في كلّ أشكال الإهانة والتعذيب، لنقرأ الرسالة كما وردت:

الأهل الأعزّاء أنا مشتاق لكم جدّا ومحتاج لدعائكم كثيرا

لقد تم اعتقالي كما تعلمون قبل خمسين يوما، حينها تمّ تقييدي من الرجلين واليدين وتعصيب العينين، وتم ضربي ضربا مبرحا في اليوم الأول، عدا الشتم والإهانات بكلمات لم أسمع بها في حياتي من قبل، عدا الإهانة والتحقير بطرق تشعرك أنّهم لا يرونك تعدل حشرة أو بعوضة، كنت أشعر بأنّ حقد العالم كلّه قد تجسّد فيهم وأرادوا أن يذيقونا شرّه دفعة واحدة وبلا حدود، وفي اليوم السادس والسادس عشر تم أخذي للمخابرات وأيضا تم ضربي وإهانتي بشكل كبير، تفنّنوا فينا بتجليات سادية يصعب وصفها، ولست أنا وحدي وإنما كلّ الأسرى. كانت أيام لا أتمنّاها لا لصديق ولا لعدوّ، لم أتخيّل أبدا أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه من شرّ مطلق رغم أنّي عانيت من شرّهم خمسة عشر سنة في سجونهم، أخضعت فيها للتحقيق مرات عديدة وقمعت كثيرا وتعرّضت للتنكيل أكثر من مرّة لكن مثل هذه المرّة لا أعتبر ما مرّ عليّ سابقا عشر ما رأيته في هذه الخمسين يوما. أمّا الظروف التي أعيش بها الآن فأنا أتواجد في غرفة بها عشر شباب ينام قسم منا على الأرض، أمّا عن اللّباس: فمنذ اليوم الأول لم ألبس إلا ملابس الإدارة القميص والبنطال رغم دخول فصل الشتاء وشدّة البرد، نوافذ مفتوحة والنصف العلوي من الباب مفتوح، لقد نصلت أجسادنا من البرد وأغلبنا أصبح يعاني من آلام في الصدر والمعدة ومن كان مريضا تفاقم مرضه ولا علاج أبدا. لم أحلق ذقني أو شعري وإن أردتم أن تتخيلوا منظري فانظروا في صورة الإنسان في العصر الحجري، أما الأكل فهو قليل جدّا ولنا خمسين يوما نعاني من جوع على مدار الأربع وعشرين ساعة، تحسّن قليلا قبل أيام ليصبح مخصّص الفرد يوميا أربع شرائح خبز وصحن رز صغير وبيضة وملعقة لبنة، أنا منذ اثنين وثلاثين يوما صائم ومعي مجموعة كذلك نصوم كي نوفّر للشباب الصغار ما يقيم أودهم. بالنسبة للخروج للساحة نخرج إليها عشر دقائق إلى ربع ساعة وهي لا تكفي للحمام، حيث أنّه خارج الغرف في الفورة وهي ست حمامات لمائة وعشرين معتقلا، تم منعنا من الصلاة. نتعرّض للتفتيشات والاقتحامات بصورة متكرّرة وفيها ما فيها من توجيه الإهانات والضرب لأتفه الأسباب أو دون أن يكون سبب لذلك أبدا لأنّ المعتقلين حريصين جدّا على ضبط النفس وعدم إعطائهم أيّ مبرر. وحقيقة أوضاعنا صعبة للغاية والأسرى كلّهم صابرون ينتظرون الحرية في الصفقات القادمة. لا بدّ من الملاحظة أنّ هذه الرسالة موجّهة من المعتقل إلى أهله وفي هذه الحالة يجري التخفيف كي يقلّل من القلق والتوتّر الذي يعاني منه أهل الأسير.

أولا: ما الهدف من هذا التنكيل؟

للعلم الشاهد مجموع حبساته خمسة عشر سنة، لم ير فيها مثل هذا التعذيب، مرّ بتحقيق عسكري وفي فترات متعدّدة، خاض تجربة التحقيق ومرّ عليه عشرات المحقّقين الذين عذّبوه كثيرا من صنوف التعذيب النفسي والجسدي، لكنّه لم يمرّ بمثل ما مرّ به هذه الأيام كما ذكر في شهادته، كان الهدف سابقا للحصول على الاعتراف، بينما اليوم الهدف هو إشباع شهوة الانتقام لديهم، التعذيب من أجل التعذيب، أصبح التعذيب بحدّ ذاته هدفا ولم يعد وسيلة لتحقيق مآرب معيّنة.

ثانيا: من المسؤول ومن صانع القــــرار لهـــذه الساديّة؟

هل هي انفلات من قبل ضباط معينين أم تصرفات فردية أو ردّة فعل أو حميّة أخذتهم فيها العزّة بالإثم؟ ليس كلّ هذا وإنما هو بكلّ تأكيد قرار اتّخذه ما يسمّى وزير الأمن الداخلي بن غفير بتفويض كامل من أعلى مستويات اتخاذ القرار عندهم، وقد صرّح سابقا بنيّته تطبيق حكم الإعدام وبأنّ الأسرى يعيشون في فنادق خمس نجوم وما إلى ذلك كاشفا نيّته في سحق المعتقلات والمعتقلين، جاءته أحداث السابع من أكتوبر ليعلّق على شمّاعتها ما كان ينويه من قبل وليخرج أنيابه ويعمل ما يشاء في السجون. ويضاف إلى هذا خطاب الكراهية والعنصرية التي انتهجتها الحكومة الصهيونية وإعلامها وقوّة التحريض العالية على ممارسة القتل والإجرام وفرق القمع التي تدير السجون جاهزة لتحويل هذا الخطاب العنصري إلى تطبيقات عملية تمارسها في السجون وتحوّلها إلى هولوكوست كما يمارس الجيش القتل والتدمير في هولوكوست غزّة.